في حقيقة الأمر يمثل مطلب التغيير الديموقراطي نظريا ً هدف كل أطراف العمل الوطني في سورية ولو بنسب متفاوتة من الفهم والوعي والممارسة ويعكس حالة الصراع بين مشروعين متناقضين تماما ً حول الحاضر والمستقبل في سورية، مشروع التغيير ومشروع استمرار بقايا النظام الفردي الديكتاتوري، ويتحدد الصراع بشكل أساسي على موازين القوى بين الطرفين وعلى الحوامل الأساسية لكل من المشروعين وعلى التجاوب الشعبي مع بداية مشروع تغيير جديد والإفتراق مع مشروع قديم مركزي أوصل الشعب في سورية إلى ماهوعليه من فقر وفساد وتخلف وخوف وبعد عن الإهتمام بالشأن العام، وعليه يأخذ مشروع التغيير الديموقراطي أبعاد صراع بين ظروف المعارضة المتنامية وظروف النظام المتدهورة باستمرار، ومواجهة بين خطاب المعارضة المرتكز على الثوابت الوطنية والحفاظ على وحدة الشعب والسلم الأهلي والأمن والإطمئنان على المستقبل وبين خطاب النظام الذي يمثل التخلي عن الثوابت والمساومة على الكرامة الوطنية وزيادة الإحتقان السياسي والوطني وإشاعة الفوضى والخوف، وفي حالة نظام تحجر وتكلس في طبيعته الأمنية يصبح في حكم الإستحالة المراهنة على أن يكون حاملا ً للتغيير أو حتى للإصلاح والتطوير أومساعدا ً عليه لأنه لم يعد له من صلة مع واقع المجتمع والظروف السيئة التي يعيشها سوى علاقة لفظية غوغائية فاسدة وعاجزة عن الإجابة عن الأسئلة الملحة والخطيرة التي يواجهها الشعب،وفي مثل هذا الخطاب التكراري الكلامي من الصعب أن يشتق منه بوادر حركة إصلاح أو آلية تغيير أو سلوك جديد وجدي مهما بدت بسيطة وهذا يعني أنه أصبح في حكم المستحيل أن يكون النظام بوضعه الحالي حاملا ً للتغيير أو طرفا ً فيه بأي شكل من الأشكال أو نسبة من النسب، ويصبح هدف التغيير الديموقراطي التي تدعو إليه المعارضة هو الحل الوحيد الذي ينقذ سورية من نظام أنتج حالتها الداخلية المتردية على كافة المجالات والمتخبطة في أحداث المنطقة على المستوى الإقليمي والمعزولة عربيا ً ودوليا ً ولأول مرة في تاريخها الحديث.
وعلى الجانب الآخر تحاول المعارضة السورية التي طرحت وتبنت مشروع التغيير الديموقراطي كهدف أساس بنت عليه خيارها أن تحدد الآلية العملية للتغيير وشكله وزمنه وملابساته في ظروف داخلية وإقليمية ودولية خطيرة ومتحركة عشوائيا ً تحاول الدخول عليها لتجييرها لمصلحة التغيير الديموقراطي، والأولوية في هذه المصفوفة من الأهداف هي كيفية تعاملها مع الداخل السوري تفسه وهز سكونه وتحريكه سياسيا ً واجتماعيا ً وشعبيا ً لتجاوز عقدة الخوف المستحكمة في حياته ودفعه باتجاه تنمية الوعي المعارض والتحرك السلمي للمطالبة بحقوقه بما يشكل البداية المطلوبة لتأسيس المرتكزات الأساسية لعملية التغيير الديموقراطي.
ولايخفى على أطراف المعارضة السورية طبيعة الوضع الداخلي الشاذ وطنيا ً وسياسيا ً وحتى أهليا ً الذي يعيشه الشعب السوري ولا طبيعة النظام الفردي وعقمه السياسي وفقدان دوره حتى الوظيفي المحلي وكذلك مقومات استمراره على المستوى الداخلي العام وأيضا مايقدمه له التعلق باللإستراتيجية الإيرانية واللعب على الأحداث الساخنة الإقليمية من بقايا عمل وعوامل البقاء.
وأيضا ً لايخفى على أطراف المعارضة السورية وضعها الذاتي وعلاقاتها مع بعضها على مستوى الداخل والخارج، وأيضا ً عوامل الضعف والقوة لدى فصائلها التي تعمل بظروف سورية الداخلية المعروفة والخارجية التي تتمتع بهامش أكبر من الحرية وقدرة أكثر على توضيح مشروعها الديموقراطي للتغيير، وتؤشر بوضوح دور النظام في محاولة حصر المعارضة في سقفه الأمني القمعي ودفعها للتنافس السلبي والتصادم والتسابق على أولوية الدور والقيادة والشرعية ومحاولة تفتيتها عبر الكثير من اللافتات والأسماء والحركات الوهمية التي تتغلغل في نسيج المعارضة في الداخل والخارج في محاولة مستميتة لخلط الأوراق عبر طاولات وتجمعات وتيارات وهمية ومؤتمرات حوار وطني ورقية وسرقة شعارات وبرامج المعارضة الوطنية الفعلية وتبنيها لفظيا ً والمزايدة بها وأيضا ً عبر العديد من اللجان والمراكز الإعلامية وكلها مدفوعة من النظام لتشويه صورة المعارضة ومشروع التغيير عبر حصره في مسارين اثنين: الأول هو مسار النظام وأزقته وإفرازاته، والثاني هو مسار الإرتباط بالخارج ( الذي يتسول النظام الإرتباط به) بما يثبت حالة غير صحيحة لدى الشعب بأن خيار المعارضة الوطني الديموقراطي المستقل هو ضعيف إن لم يكن غيرموجود، وبالتالي الإلتفاف على تنامي العمل الوطني الشعبي ووقف تفاعله مع مشروع المعارضة للتغيير الديموقراطي.
وعليه لابد من فرز الحوامل الأساسية للتغيير من الحوامل المزيفة، الفرز الذي يساعد على عزل النظام وامتداداته في حركة المعارضة وتوضيحها أمام الشعب وتوضيح طبيعة القوى السياسية الفعلية التي تتصدر الدعوة إلى التغيير، وفي عملية الفرز تكمن الخطوة الأولى في توجيه فوة المعارضة نحو التعبئة الشعبية حول الحوامل الأساسية للتغيير وتحديد مسؤولية كل طرف فيه.
د. نصر حسن
التعليقات