رغم أنني لست بعثيا حانقا على فقد منصبي وميزاتي ولا أنتمي لأي فصيل سياسي عراقي سنيا كان أم شيعيا وكذلك لست بالتأكيد ضمن فريق الحزانى على ضياع الأهداف القومية الخالدة لأمة عربية خائفة ذات رسالة خاوية، إلا انني أجد نفسي مجبرا على الإعراب عن جميل تقديري واعجابي بأحد أروع انجازات العهد الجديد ألا وهو عدم نسيان المواطن العراقي في الخارج والحرص أشد الحرص من قبل حكومة الديمقراطية التعددية على عدم حرمان عراقيي الخارج من جحيم الداخل قدر المستطاع ضمانا للعدالة القصوى، خاصة وأننا نعيش عهد النزاهة والنظام واليد البيضاء من كل شئ إلا المال العام بالطبع.

العراقيون الهاربون من جحيم اوجدته فطنة الأميركيين بمؤازرة أصحاب الأيادي البيضاء من ورثة حكم صدام ونظامه الفاسد، هؤلاء الهاربون وفي جعبتهم دراهم قليلة هي كل ما جاد عليهم به الزمن، قد حملتهم أقدامهم إلى أرض اللجوء بعيدا عن أرض النفط والثروات زاهدين في كل شي وساعين للنجاة بأرواحهم التي باتت كل ما يملكون في زمن تغيير كل شئ بأستثناء السلبيات، أولئك العراقيون الذين فروا من جحيم عدالة صدام ومن ثم جحيم الديمقراطية، ما فتئوا كعهدهم دوما يتأملون الأميركي والكندي والبريطاني وحتى الهندي كيف تتعهدهم حكوماتهم بالرعاية والإهتمام وهم خارج بلادهم بالمطالبة بحقوقهم وتأمين أوضاعهم والتنسيق مع الدول الأخرى لضمان عيشهم في دول غربتهم وعذابهم بعيدا عن أوطانهم.


ففي عهد صدام كانت الرعاية لعراقيي الخارج لا تفوتها صغيرة ولا كبيرة، حتى الهمس بين الرجل وزوجه في مضجعهم ببلاد الغربة هو ضمن نطاق الرعاية لضمان أن لا يحوي همسهم أي شيء مضر بالصحة مما يناهض حكم البعث، ناهيك عن الألفة والمحبة التي كنت تلاقيها في سفارات نظام صدام والتي تناظر اروع صور الألفة في زنزانات النظام وأقبيته.


أما وقد ولى صدام لغير رجعة فقد بات العراقيون في الخارج الأن يتمتعون برعاية من نوع جديد فاقت مزايا العهد السابق بما لا يترك مجالا للمقارنة، فقد اصبحت حكومة بغداد الأن ترعى العراقيين في الخارج لدرجة أن تدعو حكومات الدول التي تؤويهم لتحديد إقامتهم والتضييق عليهم كما هو حاصل مع مئات الألاف من اللاجئين العراقيين في سوريا من أجل دفعهم للرجوع إلى حتفهم الذي ينتظرهم بين شوارع المليشيات وأزقة عصابات الخطف وأحياء الجهاد والمقاومة الشريفة.


والشكل الأخر من أشكال رعاية العراقيين في الخارج هو الوجوه الكالحة التي تطالعك في السفارات العراقية في الخارج من كل منبوذ خلال حكم صدام شاعر بعقدة النقص والتهميش وأصبح الأن يتحكم بمصائر الناس وحياتهم لترى من خلاله أروع أخلاقيات اهتمام الحكومة العراقية بمواطنيها في الخارج.

كل ذلك يحصل وهناك حكومة عراقية تتباهى بأن أصبح بين وزارة للمغتربين ووزارة للخارجية ذات دوائر ومؤسسات كلها تهتم بشؤون عراقيي المهجر الذين بات عددهم يقارب ثلث عدد المواطنين العراقيين تقريبا بملايين سبعة أو ثمانية.

ولكن أعتقد أن الجواب لكل تساءل يمكن أن يتبادر للذهن حول هذا الكم الهائل من الاهتمام والرعاية، هو عندما نعرف أن التضييق على عراقيي سوريا مثلا حصل بعد زيارة رئيسهم جلال الطالباني لدمشق!. ولعمري إنه اهتمام يعجز اللسان ويجعلك تزهو فخرا بعدالة توزيع الحجيم على عراقيي الداخل والخارج من قبل حكومة الأيادي البيضاء.

مهند الهاشمي