رغم الوضع الخطير الذي يشهده قطاع غزة، يواظب رئيس الوزراء الفلسطيني الظهور على الفضائيات وامام عدسات المصورين، بأكثر من زي تقليدي عربي، ليذكر المشاهد بجولته الخارجية الاولى وربما الاخيرة التي قام بها قبل فترة، حيث عاد السيد هنية الى دياره من جولته المكوكية والتي بدأها بايران وأنهاها بالسودان، بخفي حنين وبعض الهدايا المتنوعة من العقالات والجلابيات الحرير، التي حصل عليها على مايبدو خلال تواجده في دولة القطر.

قبل شهرين تقريباً وليس بعيداً عن قطاع غزة في بيروت، خرج الجنرال العجوز ميشيل عون بزيه البرتقالي البراق، ليعلن وعلى الهواء مباشرة، تمرده وحلفاءه من اتباع سوريا وايران الاسلامية على حكومة الاكثرية الشرعية المنتخبة، واففتح الجنرال عون ساحات وشوارع بيروت لظاهرة الاضطراب والتمرد، وكما كان متوقعاً لم يفلح الجنرال عون واعوانه في خطوتهم الاولى، فكانت الخطوة التصعيدية الاخيرة على طريقة السيد حسن نصر الله المعروفة quot;حيفا وما بعد حيفا وما بعد بعد حيفاquot;، بقطع الطرق الرئيسية الحيوية واقفالها، خطوة خطرة وخاسرة كسابقتها، وادت الى سقوط ضحايا من اللبنانيين وخسائر اقتصادية كبيرة، في الوقت الذي كان رئيس الوزراء اللبناني فؤاد السنيورة يجمع سبعة مليارات من اليورو في باريس، لتغطية ماحل بلبنان من ازمة اقتصادية خانقة، نتيجة للحرب الايرانية السورية الاخيرة مع اسرائيل على الاراضي اللبنانية والتي تسبب بها حزب الله.

الفارق بين عون وهنية، هو ان الاخير صاحب موقف ومبدأ، لم يتغير فيه شيئ بعد عودته من الخارج سوى مظهره، فالرجل مازال مصراً على عدم الاعتراف باسرائيل رغم المجاعة التي حلت ببلده، نتيجة لمواقفه ومواقف تنظيمه الحمساوي المتشدد، وما زال الرجل مصراً على تحرير فلسطين من البحر الى النهر رغم استحالة تحقيق مثل هذا الحلم، اما الجنرال عون فليس مظهره الوحيد الذي تغير بل تغير كله quot; شكلاً ومضموناًquot;، وتحول الرجل 180 درجة، من عدو لسوريا الى صديق لها، ومن صديق للغرب والفرنسيين الى عدو لهم، ومن خصم لحزب الله والخامنئي الى حليف ومريد وتابع فوق العادة، وتحول من فريق 14 اذار الى الفريق المضاد، والجنرال كسابق عهده حافظ على شيئ واحد فقط لا غير، طموحه التاريخي بقصر بعبدا.

الجنرال عون خلال منفاه الباريسي الطويل بقي وفياً لتعاليمه العسكرية رغم تجاوزه سن التقاعد وبلوغه ما فوق السبعين، ولم يتأثر بالمدرسة الغربية للديمقراطية واصول تداول السلطة، اللهما سوى تقليده لبعض الطقوس الشكلية لتلك المدرسة، كارتدائه مؤخراً للبرتقالي وكأنه في حملة انتخابية غربية، حيث لم يكن الجنرال موفقاً لانه نسى اوتناسى انه يعلن حرباً ولا يخوض انتخابات، ويعلن تمرداً ولا يمارس حرية رأي، ويقود انقلاباً على حكومة شرعية لا حرية التظاهر.

الحليف الرئيسي للجنرال عون السيد حسن نصر الله، واضح وصريح وينتمي الى التيار الشيعي الحليف لايران وسوريا، ويعمل بتمويل واموال حلال ايرانية ويحارب بصواريخ ايرانية ويعمل حسب اجندة ايرانية، والسيد اسماعيل هنية كذلك ينتمي الى التيار الاخواني العريق بتطرفه، وجنوحه للاواقعية السياسية........اما الجنرال عون لمن ينتمي ؟!!!

ميشيل عون الجنرال الماروني المتمرد دائماً، هو خليط من الالوان كقوس قزح، والحالة العونية ربما تطرح اليوم تساؤلات كبيرة حول طبيعة انتماءها، لكن في المستقبل القريب العونية بحد ذاتها ستصبح رمزاً خاصاً لكل ماهو متقلب ومتذبذب ولا مسؤول ووصولي انقلابي متمرد.

السلطة الناقصة للنظام الفلسطيني، لم تمنع النائب العام الفلسطيني من القيام بواجبه القانوني واتهام وزارة الداخلية بالمسؤولية عن الاحداث الاخيرة التي جرت في غزة، في المقابل تقاعس النائب العام اللبناني باتهام وملاحقة مسببي الحوادث الاخيرة، والتي ادت الى مقتل وجرح العديد وشل الاقتصاد اللبناني، وقد يرجع السبب الى مكانة قواد العصيان في لبنان وقوة نفوذهم، فمن يستطيع محاسبة نصر الله، ليس لانه مختفي عن الانظار بل كونه يمتلك من القوة والمليشيا والقدرات العسكرية والمالية قد تفوق بكثير مما تمتلكه الدولة اللبنانية نفسها، لكن الامر يختلف بالنسبة للجنرال عون فمن الجبن عدم مسألته لدوره التخريبي في دفع لبنان الى الهاوية، على الاقل اصدار الحكم عليه بتنظيف ساحات وشوارع لبنان من مخلفات quot; الزعران quot;حسب تعبيره، مادام الجنرال يملك بدلة برتقالية تشبه بدلة عمال التنظيف، واذا كان القضاء اللبناني لا حول له ولا قوة في التعرض لمثل هذه القضايا الشائكة، التي تتداخل فيها السياسة بحسابات اخرى، فالساسة اللبنانيون امام واجب اخلاقي ووطني ولابد من معاقبة الجنرال العجوز على اداءه اللامسؤول والمسيئ للبلد اللبناني، بمنعه من تحقيق حلمه برئاسة لبنان وحرمانه من دخول قصربعبدا كضيف وكرئيس الى ابد الابدين.

درويش محمى

[email protected]