بلد غني وشعب فقير

في زيارتها لبغداد في اكتوبر تشرين الأول هذا العام قالت كونداليسا رايس وزيرة الخارجية الأميركية انها تعتقد ان النفط العراقي سيكون لفائدة كل العراقيين. وعقدت عددا من الاجتماعات مع قادة سنيين وشيعة وأكراد وشددت على القول ان النفط يجب أن يكون القاسم المشترك الذي يوحد العراق. لم تذكر الدين والوطن والقومية والمصير الخ ولا تريد ان يكون النفط عامل لتقسيم العراق.


لا نتسطيع أن نجزم ان الاقتتال المذهبي في العراق هو بسبب النفط لوحده ولكن نستطيع ان نجزم من يربح في الميدان ويسيطر على العراق سوف يسيطر على 53 مليار دولار من الايرادات النفطية السنوية هذا على الأقل من الناحية النظرية. من المعروف ان دخل النفط يغطي أكثر من 90 بالمائة من ميزانية العراق. لذا ليس من الغريب ان الطرف الخاسر سيشعر أنه سيحرم من النعمة النفطية.
وفي وسط المذابح اليومية في العراق والمناورات للسيطرة تعاني حقول النفط العراقية وانتاجها من فساد وسؤ استعمال ويقال ان ايرادات النفط تموّل العنف والارهاب.

الداعون لتقسيم العراق فيداراليا يواجهون معارضة شديدة بسبب المخاوف ان بعضهم سوف لا يحصل على حصة عادلة من كعكة البترول. الشيعة في الجنوب سيحصلوا على 80 بالمائة من الكعكة البترولية من دخل واحتياط نفطي مؤكد. الأكراد يحاولوا الاستيلاء على نفط كركوك التي تنتج نفطا منذ العشرينات من القرن الماضي. ومنذ ذلك الوقت احتكرت سنّة العراق مصادر النفط وايراداته ومولّت حروب صدام ضد ايران ومغامرة احتلال الكويت وجلبت الكوارث للشعب العراقي الذي لا يزال يعاني نتائجها حتى هذا اللحظة.

تتعرض المنشأت النفطية الآن للتفجير والتعطيل وهذه الدولة الغنية بالنفط تستورد معظم حاجتها من مشتقات ووقود وزيت من الدول المجاورة.

وفي مقابلة مع نيوزويك الأميركية قال برهم صالح نائب رئيس الجمهورية ان الهدف هو خلق أول ديمقراطية نفط (petro democracy) في العالم. ومن الجدير بالذكر ان الأكراد في الشمال يقوموا بدراسات مهنية متطورة لمستقبل صناعة النفط في منطقتهم.

وفي بقية العراق أحبط العنف والارهاب تنفيذ مشاريع انفاق واستثمارات قيمتها 3 مليارات دولار من ميزانية وزارة البترول.

الجدل البيزنطي بين الفئات المتصارعة دعى الشركات العالمية للهروب من العراق وعدم الاقتراب من أي مشروع نفطي لاعادة تأهيل الصناعة النفطية بسبب المجهولية وغياب الشفافية وفي تقرير جاء في مجلة نيوزويك أنه رغم توقيع 43 مذكرة تفاهم مع شركات اجنبية دولية مثل اكسون-موبيل وشيفرون وتوتال وشركة BP ولكن هذه الشركات لم تقوم بأي استثمار يذكر لغياب الاستقرار والهدؤ والمناخ الاستثماري. وقامت الشركة البريطانية باجراء دراسات تقنية لأهم الحقول النفظية العملاقة مثل حقل الرميلة في الجنوب الذي يحتاج الى استثمار كبير والذي بحالته الحالية ينتج حوالي مليون برميل يوميا. وشركة شل تقوم بدراسة لتقييم وتطوير حقول كركوك ولكن النزاع السني الكردي التوركماني يمنع تنفيذ أي مشروع حقيقي لزيادة الانتاج.

نظريا العراق بلد غني بالثروات ولكن شعبه يعاني من الفقر والجوع والموت. العراق حسب تقدير خبراء النفط قادرة على ان تساهم بنسبة 8% من انتاج العالم بحلول 2020 هذا اذا استتب الأمن والاستقرار وتم التوصل الى اتفاق سياسي بين الاطراف المتناحرة.

من الجلي ان النفط العراقي بات ضحية للعنف والارهاب والفساد وعانى من قلّة الاستثمار. الانتاج لا يزال أقل من معدلاته في عهد النظام الصدامي البائد.

بعد الغزو كانت التوقعات ان العراق ستكون قادرة على تصدير 2.5 مليون برميل يوميا ولكن الرقم الواقعي الصحيح لا يتجاوز 1.5 مليون برميل يوميا وهذا يعني ان العراق تخسر ما قيمته 60 مليون دولار يوميا.
الانتاج العراقي اليومي حاليا لا يتجاوز نصف الكمية التي كان ينتجها العراق اثناء الحكم الصدامي.

ورغم هذه الاحصاءات القاتمة الا ان اهمية العراق تكمن في كونها تمتلك ثاني أكبر احتياط في العالم بعد المملكة العربية السعودية. وتقدر احتياطات العراق المؤكدة علميا بحوالي 115 مليار برميل. اذا هناك مقدرة على زيادة الانتاج اذا توافر الاستثمار والاستقرار. ومن اصل 87 بئر او حقل نفطي 22 منها فقط قابلة للاستغلال الجزئي.

الصفحة الأولى من الجزء الأول من تقرير بيكر-هاملتون تشير لأهمية النفط العراقي واحتياط العراق من الذهب الأسود لاحتوائها لثاني أكبر مخزون من البترول في العالم.

التوصية رقم 63 في التقرير تطلب من الأمم المتحدة مساعدة زعماء العراق في اعادة تنظيم وتأهيل الصناعة النفطية لتميكن العراق من حل مشاكلها الاقتصادية من مواردها النفطية الذاتية. ولكن السؤال هل يتفق العراقيون فيما بينهم.


نهاد اسماعيل

لندن