يشيع بعض الساسة المقربين من المسئول العربي إن تغيير الممارسات الموروثة حالة صعبة للغاية وقت تنفيذها و حدوثها وتبدو كأنها ستوقف عجلة الزمن السياسي العربي و تهدد الحاكم. و يرى فريق من المحللين أن ذلك قد يكون صحيحا في حال وجود حاكم مستبد أو نظام غير ديمقراطي تتضارب فيه مصالح الحاكم الفرد مع الشعب.
و يرى آخرون إن انصهار الأجهزة التنفيذية مع برلمانات مفبركة في بعض من الدول العربية يمنع أي تغيير و يسد بوابة أمل الإصلاح و إحداث التغيرات المطلوبة لصالح الشعوب المغلوبة على أمرها.
لكن بمرور الوقت وتكرار حدوث ممارسات طبيعية في الغرب و على الساحة العالمية في الدول الديمقراطية، و مع انتشار الفضائيات و سهولة الوصول إلى المعلومات عبر الانترنت و غيرها من أساليب المعرفة، تجعل الفكر يتحرك و ينطلق إلى أفاق غير مسبوقة، و تحفز الشعوب الديناميكية أن تفكر في تطبيق ممارسات التغيير و الإصلاح، قافزة عن فكر وقبضة و استبداد quot;الحرس القديمquot; و quot; المستفيدين من المراكز القريبة من المسئول و quot;المثقفين المنتفعين من السلطة quot;.
هذه الممارسات تبقى دوما مع الشعوب النابضة بالأمل و المطالبة بالإصلاح السياسي و الاقتصادي ولعل تدارك المجتمع العربي لها يأتي متأخرا نوعا ما، أو ربما يحتاج إلى وصفة طبية أمريكية (للأسف).
العالم السياسي العربي مجروح، و جرحه غائر. هذه حقيقة تعامل معها كل من شارك في العمل السياسي الواقعي الحر و بعكس كل من سهلت له السلطة quot;الوصول المزيفquot; إلى قمة العمل السياسي التنفيذي.
تلك قصة عايشتها أجزاء من العالم العربي و هي مسلسل مستمر يعمق الجرح و يدمي الجسد الجغرافي العربي.
لم يقف الوقت مساندا للتغيير السياسي المنهجي العربي في السنوات العشرين الماضية و لم يجرؤ احد على وصف الدمار الذي لحق بالبيئة الاقتصادية و السياسية العربية. يعتقد البعض أن الحد وصل لدرجة وصف المطالب بالإصلاح أو التغيير للأفضل quot;المشاكس quot; و quot; المتهجم على الحاكم quot;.و اكتفي بهذا الوصف الذي فصلت له فوانيين تعاقب كل من يفكر في الحديث عن المسئول و السلطات المطلقة بلا حساب لبعض منهم...!!!
هنالك طبقة مستفيدة من الوضع الحالي في العالم العربي و هي التي تدفع باتجاه جعل مجرد الحديث و المطالبة بالتغيير أو تعديل دستور أو انتخابات نزيهة أو محاسبة مسئول أو وزير أمرا معاديا لأمن الدولة! و يدفع بحامل الرأي إلى غياهب المعتقلات في بعض الدول و قد يمتد التأثير إلى عائلته و أبنائه.
أما الدول الأكثر رحمة، و الأقل قسوة في التعامل مع مطالبي التغيير فهي تمنع النشر و تقيد حرية الكاتب أو المفكر و في كثير من الأحيان تحاربه في رزقه و تغلق منافذ الدخل و تمنع عنه الماء السياسي و الهواء الاقتصادي، و يا لها من معادلة.
و في المقابل، فالغرب يحترم الرأي الأخر، و لعل ليس من قبيل المصادفة ظهور أكثر من ثلاثمائة كتاب تدين الرئيس الأمريكي بوش بمن فيهم أجهزته العسكرية بالإضافة إلى ظهور أفلام ووثائق تدينه و تعتبره شريكا في المال الساخن في منطقة الشرق الأوسط و تجارة الحرب من خلال شركات أمريكية كبيرة له و لوزرائه علاقة بهم.
المجتمع الأمريكي ينتقد سياسة أمريكا ويهاجمها من الداخل على صفحات جرائدها و مؤسساتها الإعلامية و غيرها، و ينتقد الرئيس وتلك تجربة جديرة بالدراسة و النقل إلى المجتمعات العربية.
و عندما شاهدت فيلم quot; الملكة quot; الذي حصل على جوائز عديدة منها أفضل سيناريو، أفضل ممثلة (هيلين ميرين ) وأفضل ممثل و حمل غلاف الاسطوانة المدمجة للفيلم:أن وفاة الأميرة ديانا هز المجتمع الدولي و عرش ملكة بريطانيا، توقفت خصوصا وقد شاهدته بعد فيلمين احدهم هو 11 سبتمبر لمايكل مور و الأخر quot;كيف يرى العالم الرئيس بوش quot; بالوثائق.و تلك الأفلام حركت في جوانحي الحرية التي اعشقها مع أخواني العرب.
هذا الفيلم الذي يظهر الملكة البريطانية متعجرفة، بلا شعور إنساني، وبلا اهتمام برئيس وزراء منتخب شعبيا، و غيرها من المشاهد التي تتحدث عن تحول الاهتمام بوجود الملكية في بريطانيا.
كل هذا يفتح الأذهان و يجعل المرء يفكر، متى يمكن أن يناقش دور المسئول العربي و حدوده و مسؤولياته دون أن يسجن في العالم العربي. هل هذا مسموح أصلا أم ارتداد عن ديانة تقديس الحاكم العربي!
أما أفلام الرئيس بوش فهي تجعل المرء يتقزز من الداخل الأمريكي بأقلام و سيناريو أمريكي يخضع للمال لا للأخلاق، يصور quot;بوش quot; بالأخرق و شريك مضارب في شركات quot; أمريكية ndash;عربية quot; عابرة للمصالح الشعبية، خارقة للقارات و ذات مصالح فردية استحواذية في المنطقة.
و اقصد هنا، أن همي الأول هو في نقل الجانب الايجابي من التجربة الديمقراطية الغربية إلى المنطقة و إلى واقع معاش لا ترفيه وقتي لاسترضاء الحاكم في الوقت الضائع.
لدغة الهدف القاتل في الثواني الأخيرة من المباراة على مرمى البصر، حيث خروج المغلوب في كاس العالم بات قانون quot; ألفيفا السياسيةquot; و لا يوجد فرصة للتعويض مهما تعاطف الحكم..
الغرب لديه التزام بالديمقراطية و التي تعنى حكم الشعب للشعب. و بالتالي ليس من المقبول أن نشاهد مقاطع من صورا ديمقراطية على مسرح السياسة العربية المحلية تظهر و تختفي بالريموت الكنترول مع كل زيارة لكونداليزا رايس فتصبح كمن يجلس أمام فيلما بمقاطع مبتورة لمقص رقيب راسب ديمقراطيا.
الصحافة اللبنانية تناولت دور و مستقبل الرئيس اللبناني، و البرلمان الكويتي كان له دور هام في اختيار حاكم دولة الكويت، وquot;مجلة روز اليوسف quot; المصرية في عدد صدر لها الشهر الماضي تحدثت عن حدود و دور رئيس مصر و سلطاته الدستورية، و العراق الجديد تناول دور رئيس الجمهورية و صلاحياته و غيرهم من الدول العربية حذو المنهج و لكن باستحياء.
دولا عربية أخرى رأت في عقد مؤتمرات متخصصة حول quot;الحوكمة أو الحاكمية الرشيدةquot; كما يسميها البعض بداية طريق فهم التحول المطلوب.
و لكن فاتورة المطالبة بالتغيير و ليس التغيير نفسه باهظة التكاليف من حيث الأرواح و المال في بعض منها، ابسطها التجربة اللبنانية و العراقية و الفلسطينية، و التي مازالت مستمرة و مصدر ربح لتجار بعض الفضائيات العربية و تجار أسلحة السياسة الدولية. و مع ذلك فأن ما يحدث هو خطوة أولى و بسيطة في المسار الديمقراطي الحقيقي.
أن تكاليف التغيير هي اقل كلفة من محاربة التغيير، و التجربة الفرنسية التي هي واحدة من أسس التغيير في العالم الغربي مثالا ليس ببعيد.
كل هذا يبشر بأن هنالك حركة ايجابية في بعض من الأقطار العربية و لكنها بطيئة في نظر البعض و بعضها موجه في نظر آخرين و مسيطر عليه امنيا لأجل عيون أمريكا لا الشعوب العربية.
تخيلوا مفكرا عربيا يكتب عن النظام السياسي أو المالي في بلده أو أي بلد عربي آخر، أو يقوم بمحاولة لعمل فيلم ينتقد قرار حاكم عربي أو على اقل تقدير يطالب بإقالة رئيس وزراء أو تعديل دستور، كيف سيكون رد الفعل؟، هل سيسمح له؟ ما هو ردكم؟.
على الجميع أن يعمل لأجل مستقبل أبنائنا لنحميهم من دمار قادم و الرد الوحيد هو بالفعل الديمقراطي.
إن الأزمة ليست في السياسة بالمطلق و لكنها أزمة في الأخلاقيات و روح التحدي الايجابي للتطوير.
د.عبد الفتاح طوقان
[email protected]
التعليقات