لم أكن اعرف الكثير عن الإمارات العربية المتحدة، لكنني كنت أشاهد أحياناً بعض التقارير في قنوات التلفزة الأسترالية عن نهضة وتقدم هذا البلد العربي.
كما التقيت ببعض طلاب الجامعة الإماراتيين القادمين لإكمال دراساتهم والحصول على الاختصاصات المختلفة في شتى العلوم والمعارف في جامعات أستراليا. سألتهم عن أوضاعهم وكيفية معيشتهم ومصاريفهم. ما سمعته من هؤلاء الطلاب مراراً ومن دون اتفاق على الوقت والمكان، كان واحداً: دولة الإمارات تقدم لنا كلّ شئ: المسكن، الطعام، بطاقة الطائرة، راتب شهري مذهل، مصاريف أخرى أيضاً.
تسنّى لي زيارة هذا البلد المقدام صيف العام الماضي وأنا قادم باتجاه كُردستان. كان عليّ الانتظار بضعة أيام لكي أستقلّ الطائرة القديمة المُربكة التي تُهبط بنا في مدينة أربيل، كبرى مدن كُردستان المليئة بالنفط وهي تعاني أزمة النفط وأزمات أخرى كثيرة!
في غضون ذلك استثمرت فرصة بقائي في دبي متشوقاً لرؤية النهضة والعمران اللذين سمعت عنهما مراراً وتكراراً.
في الحقيقة يعجز الإنسان عن وصف هذه المدينة الشامخة الجميلة المتقدمة. فالموصوف بلغ علياء يُغطي الأوصاف ويخجلها صاغرةً، لا تقدرُ على تقديم تعابير وكلمات تليق بالصرح الشامخ. تلك هي (دبي) جوهرة الإمارات والشرق، بل وعلى استعداد لِتنافس على لقب ملكة جمال المدن في العالم.
في أحد أسواقها المذهلة والجميلة في دبي وقع بصري على كتاب كان جديداً على السوق، وقد اخذ لنفسه صدر المعارض يستقطب الأنظار. الكتاب هو (رؤيتي، التحديات في سباق التميّز) لحاكم دبي ورئيس وزراء الإمارات، الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم. فهذا الكتاب في الواقع ليس حديثاً عن نظريات وتصورات. بل هو خلاصة مسطرة لما أنجزه هذا الرجل من مشاريع ونهضة وعِمران في بلده.
الشيخ محمد بن راشد شغل مناصب إدارية وحكومية في الإمارات، وهو خريج كلية مونز العسكرية في بريطانيا، فضلاً عن ذلك فهو شاعر ومثقف من الطراز النادر.
في غمرة الانهيارات في العالم العربي والشرقي، وفي وقت تتراكم الأزمات والفشل والتخلف والخسارات والتمزقات في عالمنا الحزين في الشرق، تنهض الإمارات العربية المتحدة صرحاً حضارياً شامخاً يقوده قائد شهمٌ آتاه الله الحكمة والصبر والعرفان والشجاعة. ألا وهو صاحب الرؤية البصيرة والعميقة الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم. هذا الرجل العالم حقاً يقف شامخاً ويرفض الاستسلام لما أصبح عقيدة راسخة لدى شعوب المنطقة، أنها انتهت لا مناص في الفشل والخسارة وتراكم الهزائم إلى سقوط نهائي!
يتميز حاكم الإمارات وحكيمها بهذه الروح العالية في سباق التميّز بين الشعوب والأمم، يقدم درساً حضارياً عظيماً لأجيالنا على غرار عظماء هذه الأمة اللذين سطروا بعلمهم وعملهم ودمائهم أروع صفحات التاريخ لنا بين أمم الأرض.
ما يتميز به هذا الرجل هو التواضع والرحمة بعيداً عن الغرور والبطر والكبرياء الذي وقف حائلاً بين حكّامنا وأيّ إنجازٍ ملموس نفتخر به نحن أبناء هذه الأمة المنكوبة بين الأمم.
الشيخ محمد بن راشد كلّما أنجز مشروعاً وأقام صرحاً يزداد عطاءً ويمتلئ رحمةً وعطفاً لأبناء شعبه ويتواضع مزهوّاً بالنصر.
في (رؤيتي) يضع الكاتب إصبعه على الجرح ويشخص أسباب فشلنا جميعاً (( أزمة العرب اليوم ليست أزمة مالٍ أو رجالٍ أو أخلاقٍ أو أرض أو مواردٍ فكلّ هذا موجود،والحمد لله، ومعه السوق الاستهلاكية الكبيرة وإنما أزمة قيادة وأمة وإدارة وأزمة أنانية مستحكمة. نعم إنها الأزمة الطبيعية التي يفرزها إعلاء حب كراسي الحكم على حب الشعب، وتقديم مصلحة الفرد ومصيره على مصير الوطن ومصلحته، ووضع مصالح الجماعات والشِلل المحيطة بالقائد فوق مصالح الناس. إنها تسخير الشعب لخدمة الحكومة بدلاً من الوضع الطبيعي المعاكس)).
(رؤيتي) هو الكتاب المقروء لكتابٍ آخر ينتصب على الأرض عالي الهامة، شاهداً على منجزات وآثار ابن الإمارات البارّ، والأخ الكريم، والحاكم العاقل الرصين.
يقدم الكتاب في خلال تجربةٍ حيّة وناصعة الإرشاد والنصح (( وغايتي من هذا الكتاب النصيحة وتقديم تجربتنا المتواضعة لإخواننا أملاً في أن تعينهم، لأن حرصنا على مساعدتهم على تحقيق التنمية المتميزة كحرصنا على أنفسنا)).
هكذا وبروح عالية ومنضبطة يقضي الشيخ محمد بن راشد على الكسل واليأس والانهيار بسيف العزيمة والهمّة والعطاء. ومن ضربة هذا السيف اشرق الأملُ من هناك، من دُبي معلناً أنّ في هذه الأمة بقية خيرٍ، وسفينة نجاة، وقائد منقذ.
إنّ رجالاً من أمثال رئيس وزراء الإمارات وقائد نهضتها ووزير دفاعها لا يتكررون إلاّ بمضي قرون.
كنت أتمنّى من صميم قلبي لو كان الشيخ محمد بن راشد حاكماً ليس للإمارات العربية المتحدة وحدها بل للشرق كلّه، بعربه وكُرده، وتركه، وفرسه، وأديانه، ومذاهبه. لأنّ الشيخ محمد بن راشد ليس حاكماً تقليدياً وإنّما قائدٌ وعالمٌ وحكيمٌ ومعلمٌ أنعم الله على الإماراتيين به، وأنعم عليه بالعلم والتواضع والرأفة والأخلاق الحميدة.
وندعو الله عز وجل أن يديم على الإماراتيين بالنعم وأن يرزقنا حكّاماً عادلين وراشدين مثل حاكم دُبي ورئيس وزراء الإمارات العربية الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم.
وأخيراً فان الحديث عن الإمارات وعن (رؤيتي) أوسع من حجم هذا المقال، ولكن فليكن هذا فاتحةً للبحث والنقاش حولهما كتجربة رائدة وعظيمة في شرقنا القاعد على الجمود والتخلف.
علي سيريني
التعليقات