ان اهم انجازات البشرية في القرن العشرين أي عصر الحداثة وما بعد الحداثة هو زوال الامبراطوريات الكبرى التي تكونت بعد عصر النهضة في أوروبا وآسيا على أنقاض الشعوب المستعمرة بغير رجعة.
تلك الامبراطوريات التي استعمرت الارض واستعبدت الإنسان بأبشع صور الاستغلال والاسترقاق حيث تشابهت السياسات الاستعمارية. وبعد صمت المدافع العسكرية الغازية، كانت السياسات القومية المنهجية من عمليات الاستلاب الثقافي، إلى الاثنوسايد والتهجير الجماعي والتطهير العرقي ضد السكان الاصليين المغلوب على امرهم.
وكان المحرك الأساسي لتلك الإمبراطوريات هو المصلحة الاقتصادية المغلفة بالايدولوجيات السياسية والدينية تارة وحقوق الإنسان والقضايا الأخلاقية تارة أخرى، مثل احتلال نابليون بونابرت لمصر وكذالك الاحتلال الروسي والبريطاني.
من تلك الامبراطوريات هو الاتحاد السوفياتي الذي انهار في مطلع التسعينيات والذي كان يسمى سجن الشعوب، شانه شان الإمبراطوريات السابقة، وتحررت الشعوب المكبلة بالأغلال في تلك الامبراطورية العظمى التي بنيت بالنار والدم والمؤامرات الدولية وتفشي شريعة الغاب.
ومن آخر تلك الإمبراطوريات التاريخية الدموية، هي الإمبراطورية الإيرانية الفارسية التي تأسست منذ نشأتها الأولى على التوسع الاستعماري والاستغلال الاقتصادي والمادي للشعوب المجاورة وكان نصيب العرب من تلك الاطماع نصيب الاسد بسبب الجوار الجغرافي والتراث الفارسي الحاقد على الامة العربية وامساك الفرس على الدوام بمفاصل تلك الامبراطورية التاريخية. وتغيّر المحرك الأساسي والايدولوجيا لهذه الإمبراطورية والتي هي من مخلفات الماضي الاستعماري، فكانت العرقية الفارسية زمن بعض السلالات الفارسية السابقة هي المحرك الأساسي وبالنسبة للجمهورية الأسلامية فإن المحرك الأساس هو الطائفية الصفوية والعرقية الفارسية. تلك الإمبراطورية التي لم تولد لو لا التواطؤ الاستعماري في العشرينات من القرن الماضي والتداعيات الجيوستراتيجية للثورة البلشفية في روسيا القيصرية انذاك.
فكانت اولى ضحايا هذه الولادة الامبراطورية وارثها الشوفيني ضد الجوار الجغرافي بشكل عام و الجوار العربي بشكل خاص هي إمارة quot;عربستانquot; العربية في العشرين من نيسان 1925 للميلاد وتقويض الحكم العربي التاريخي في هذا الاقليم العربي كنتيجة للواقع الجغرافي بإعتبار أن الأحواز تعتبر البوابة الشرقية للامة العربية.
اما القوى التي ساعدت تلك الولادة القيصرية للامبراطورية الايرانية ndash; الفارسية الحديثة، هي نفس القوى التي لعبت الدور الرئيسي في تقويض الحكم العربي في الأحواز وهي الإمبراطورية البريطانية بسبب الاطماع الاستعمارية في تلك الحقبة التاريخية المظلمة بالنسبة للامة العربية.
والمؤسسة الطائفية الصفوية وابرز رجالاتها مثل الميرزا النائيني وأبو الحسن الأصفهاني، الذين لعبت فتاواهم الدور الاساسي في التمهيد لاحتلال الأحواز وكذالك السياسيون والمفكرون الفرس ومجوس إيران والهند الذين كانوا يعملون في حكومة الهند الشرقية من امثال اردشير جي وأرباب كيخسرو وغيرهم من المفكرين العنصريين من امثال محمود افشار و كاظم زاده ايرانشهر.
وليس مصادفة إن تكون نفس هذه الاطراف هي التي لعبت الدور الاساسي في احتلال العراق في 2003 م، أي المؤسسة الصفوية المتمثلة بالسيستاني والحكيم ومؤسسة قم المتمثلة برجالات الدين وساستها في إيران وكذالك بريطانيا وحليفها الأبرز الولايات المتحدة الوريث للماضي الاستعماري البريطاني.
ومن أهم العوامل التاريخية التي ادت للتعاون بين الامبراطورية الفارسية والقوى الاستعمارية الغربية في الماضي البعيد والقريب والحاضر رغم الاختلاف الايدولوجي هو الحقد التاريخي على الامة العربية، فرغم كل القوة والحضارة العسكرية التي تمتعت بها الامبراطورية الفارسية، فقد كان حظها عاثرا في حروبها مع العرب حيث ان الغلبة كانت دائما للعرب. فانتصر العرب عليهم عام 310 م وقتلوا ملكهم هرمز الثاني. كما انتصروا عليهم في معركة ذي قار اوائل القرن السابع الميلادي، حين تحالفت ضد الفرس عدة قبائل عربية (من العراق والأحواز) بزعامة بني شيبان. و كانت لهذه المعركة من الاهمية بحيث قال عنها الرسول (ص) اليوم انتصف العرب من العجم. وكذلك انتصروا عليهم في معركة القادسية عام 635م بقيادة سعد بن ابي وقاص، و قضوا على جيوشهم التي قادها رستم وانتصروا عليهم أيضا بقيادة النعمان بن مقرن ثم حذيفة بن اليمان في معركة نهاوند عام 642م. وفتحوا بعدها بلادهم، وحظروا دياناتهم المجوسية، وادخلوا في الاسلام. ثم انتصروا عليهم في عدة معارك في عهد الدولة المشعشعية العربية الاحوازية في القرن السادس عشر والسابع عشر للميلاد وكذلك عند تولي بني كعب مقاليد الامارة في الأحواز، بقيادة الأمير الأحوازي الشيخ سلمان الكعبي في القرن الثامن عشر للميلاد.
ان الظروف الامنية والسياسية التي تمر بها الامة العربية بشكل عام والجنوب العراقي بشكل خاص هي نفس الظروف التي مرت بها الأحواز قبل الاحتلال في العشرينات من القرن الماضي. فالتدخل السافر للاحتلال الإيراني المتمثل بالأجهزة الأمنية والمؤسسة الصفوية في مختلف مناحي الحياة اليومية والسياسية هو التمهيد من اجل اقتلاع هذا الجزء المهم والحيوي من جسد الامة العربية وامتداده الطبيعي، بغية ضمّه إلى الجسد الإيراني وهي نفس السياسة التي مهدت لاحتلال الأحواز، حيث كان هذا القطر العربي الاصيل عصيا على الامبراطوريات العثمانية والفارسية والبريطانية، حتى الأربعينات من القرن التاسع عشر، بعد الهجوم العثماني الواسع بالتحالف مع امارة المنتفج الذي ادى الى تهديم المحمرة عاصمة الاقليم زمن امارة الشيخ جابر المرداو مما حدى بالاخير طلب النجدة من الدولة القاجارية وكانت النتيجة هي معاهدة ارض روم الثانية عام 1847 م والتي صنفت الأحواز منطقة نفوذ للامبراطورية الإيرانية، مقابل تنازل إيران عن الادعاء بمناطق نفوذ اخرى مثل لواء سنجار والسليمانية ولعب العامل المذهبي الدور الرئيسي في تلك المعاهدة، التي توجت بالاحتلال العسكري الاستعماري في نيسان عام 1925 م. وتمارس إيران السياسة نفسها مستفيدة من دروس التاريخ بغية الانفراد بالعراق والانقضاض عليه واستغلال ونهب ثرواته بعد ان عاشت ولازالت تعيش طيلة ثمانية عقود من الاحتلال على ثروات الاحواز مع حرمان ابنائه من ابسط مقومات الحياة الحرة الكريمة.
السياسات المنهجية ضد الاحوازيين
ان سياسة النظام الايراني تجاه الشعوب في ايران بشكل عام والشعب العربي الأحوازي بشكل خاص بعد الاحتلال العسكري المباشر، كانت ولا تزال منهجية على مختلف الأصعدة، حيث استهدفت هذه السياسات العنصرية غير الانسانية البنى السياسية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية. الهدف منها صهر هذا الشعب في بوتقة النظام الفارسي من خلال طمس هويته العربية المتمثلة باللغة والثقافة القومية وكذلك اقتلاعه من جذوره العربية ومن الارض التي عاش عليها وتجذر فيها ألاف السنين حيث كانت على الدوام ممنهجة من قبل صنـّاع القرار السياسي في طهران.
بدأت تلك السياسة مع الاحتلال على يد رضا شاه البهلوي ووضِعت اللبنة الأولى لتلك السياسة المنهجية من خلال اقطاع الاراضي العربية للعسكريين الفرس ورجال الدولة من السياسين والإداريين والأمنيين وكذلك سحب ملكية بقية الاراضي من المزارعين العرب وإعطائها إلى مؤسسة المنابع الطبيعية بغية تسهيل مصادرة تلك الاراضي في خطوات مستقبلية مدروسة، وتهجير مئات الآلاف من المزارعين والمواطنين إلى المناطق المركزية في ايران والعراق والدول الخليجية.
واستمرت هذه السياسة على يد محمد رضا بهلوي الابن، وأصبحت أكثر شراسة بسبب التوجه الفارسي العنصري وحقده الدفين ضد العرب والعروبة، من خلال سياسة الاصلاح الزراعي في الستينات من القرن الماضي وتحديدا سنة 1963 م تحت عنوان الاصلاح الزراعي او الثورة البيضاء، حيث تمت مصادرة مئات الالاف من الاراضي الزراعية ومن ثم تمليكها للمستوطنين الفرس، وكانت أولى مشاريع قصب السكر قد دشنت في تلك الفترة على انقاض عشرات القرى العربية بالأحواز.
وتوّجت تلك السياسات الاجرامية بعد وصول رجال الدين الى سدة الحكم في إيران، وتحديدا بعد انتهاء الحرب العراقية الإيرانية وكان لطبيعة التكوين الايدولوجي لهذه الحكومة الدور البارز في شراسة وإتساع دائرة هذه السياسة حيث يجتمع فيها التطرف الطائفي والحقد التاريخي وكذلك العنصرية الفارسية والعداء لكل ما هو عربي.
وتم تدوين الإستراتيجية لهذه السياسة تحت مسمى التوزيع الديمغرافي او(آمايش سرزمين) بموجب التعميم الصادر من المجلس الاعلى للامن القومى برئاسة هاشمي رفسنجاني برقم 971\2ب-3416 و تاريخ 14\4\1371هـ.ش الموافق لسنة 1992 م وكذالك التعميم الصادر من مكتب محمد خاتمي بصفته امين عام المجلس الاعلى للامن القومي برقم 27686\12و تاريخ 1\5\1377 هـ. ش الموافق 1998 م.
نتائج بعض تلك السياسات العنصرية :
-مصادرة اكثر من 70 الف هكتار زراعي في منطقة الشعيبية و الميناو و الشوش و مناطق شمال الاحواز،لصالح شركات من اهمها شركة كشت و صنعت ايران-امريكا و كشت و صنعت ايران ndash; كاليفورنيا و شركة دز كار و شركة شل و شركة كلاسنو و غيرها من الشركات الامريكية و الاسرائيلية في عهد حكومة الشاه.
-و بعد نجاح الثورة الايرانية تمت مصادرة
-اكثر من 135 الف هكتار من اراضي المزارعين الاحوازيين جنوب مدينة الاحواز و شمال مدينة المحمرة و عبادان و على ضفتي نهر كارون و هن من اخصب الاراضي الزراعية،و جرى مصادرة كل هذه الاراضي بذريعة اقامة مشروع قصب السكر، حيث ان الشركات القائمة على هذا المشروع تعود ملكيتها الى رجالات الدولة الايرانية و المؤسسة المذهبية الصفوية الحاكمة في ايران.
-مصادرة اراضي بمساحة 47 الف هكتار لغرض اقامة مشروع معاقي الحرب العراقية الايرانية في منطقة الجفير،المحاذية للحدود العراقية الايرانية.
-مصادرة اكثر من 25 الف هكتار لغرض اقامة مشروع مزارع الاسماك جنوب مدينة الاحواز و تمليكها للمستوطنين الفرس من الوافدين الجدد الى الاقليم.
-مصادرة اكثر من 100 الف هكتار شرق مدينة الحويزة تمتد حتى شمال مدينة المحمرة تحت ذريعة منطقة المناورات العسكرية لفرقة 92 المدرعة، و من المعلوم ان كل تلك المنطقة هي من الاراضي الزراعية و فيها عدة قرى عربية يسكنها الالاف من العرب هجروا من أراضيهم.
-مصادرة الاف الهكتارات من الاراضي الزراعية في مدن الخفاجية و الحويزة و البسيتين بحجة تطوير حقول ازادكان النفطية و التي تتصل بحقول مجنون النفطية بجنوب العراق و تشرف على هذا المشروع شركات يابانية.
-مصادرة اكثر من 6 الاف هكتار من الاراضي الزراعية في مدينة الشوش و تمليكها للعسكريين الفرس من الحرس الثوري و قوات القدس و التي تسمى بمشروع استيطان رجال الدين في الشمال و الشمال الشرقي لاقليم الاحواز و تم تسريب وثيقة ذلك المشروع و تسمى بوثيقة( سردار رشيد) و هو من كبار قادة الحرس الثوري و قوات القدس.
-اضافة الى تهديم احياء عربية باكملها و تهجير الالاف من الاحوازيين كسياسة منهجية لغرض قلب التركيبة السكانية مثل تهديم حي سبيدار في مدينة الاحواز سنة 1998 م و تهجير اهالي هذا الحي و معظمهم من الطبقة المسحوقة اقتصاديا.
بموازات سياسة مصادرة الاراضي هنالك سياسة لا تقل شراسة و عنصرية تجري على قدم و ساق، و هي تحريف مجاري الانهر الرئيسية في الاحواز مثل نهر كارون و الكرخة و الجراحي و أنهار اخرى، و سرقة المياه و ضخها الى المناطق المركزية الفارسية مثل اصفهان و يزد و كرمان لغرض الري في حين يتم حرمان المزارعين العرب من هذه المياه و محاربتهم في قوتهم اليومي و لقمة العيش و كذلك افتعال السيول من خلال السدود التي تم انشائها لهذا الغرض بشكل دوري، بغية تهديم البنية التحتية للقرى الاحوازية، لغرض تسهيل عملية مصادرة الاراضي الزراعية و تهديم القرى و الارياف العربية في الاحواز.
كل هذا الغرض منه تهجير المزارعين من قراهم و التدمير المنهجي لاقتصادهم القروي و الحاقهم بالضواحي المهمشة و الذي يسمى (بحزام الفقر العربي) و من ثم محاصرة المدن العربية بالمستوطنات الفارسية و المدن التي انشات لهذا الغرض و هي بالعشرات، مثل مستوطنات ( شيرين شهر) جنوب مدينة الاحواز، وسط القرى التي تم تهديمها لغرض مشروع قصب السكر و مزارع الاسماك و تتسع لاكثر من تسعين الف نسمة كخطوة اولى قابلة للاتساع، و كذلك مدينة (رامين) العملاقة شمال مدينة الاحواز، حيث تتسع لاكثر من مليون مستوطن فارسي من الوافدين الجدد الى الاقليم.
و يتم تهميش (حزام الفقر العربي) بشكل مدروس و مخطط، حيث يتفشى الفقر و الادمان و الجريمة و كل الاختلالات البنيوية على صعيد البنى الثقافية و الاجتماعية و الاقتصادية و العيش على هامش المجتمع كافراز طبيعي لهذه السياسات الاانسانية.
من اهم مضاعفات تلك السياسة هي الكوارث البيئية و تلوث المياه و وزيادة نسبة الملوحة في الاراضي و تلوث البيئة و تفشي الامراض المعدية، حيث ورد ذكر كل هذه المضاعفات بالتقرير الذي رفعه (ميلان كوتاري ) مبعوث الامم المتحدة الى الاقليم قبل اقل من سنتين، حيث وصف تلك السياسات بالكارثية بالنسبة للسكان الاصليين من عرب الاحواز.
تصاعد سياسة المصادرة والإستيطان :
اخذت هذه السياسات الاجرامية تتصاعد و تتسارع وتيرتها خلال الخمسة عشر عاما الماضية و بالاخص بعد تسلم طاقم التكنوقراط صاحب الميول و التوجهات الفارسية من جماعة كوادر البناء اثناء رئاسة هاشمي رفسنجاني و محمد خاتمي وبعد تسلمهم ملف التنمية في ايران، حيث تمت مصادرة عشرات الاف الهكتارات من الاراضي الزراعية الخصبة في مختلف مدن الاحواز، ضمن الخطة المعروفة بالتوزيع الديمغرافي الإستيطاني
كما بلغت ذروتها بعد تسلم احمدي نجاد و طاقمه من جماعة الحجتية خاصة بعد اندلاع انتفاظة 15\ نيسان 2005 م و كعقاب جماعي للاحوازيين على شق عصى الطاعة ضد الاحتلال العسكري الايراني. و الدليل على ذلك هو البدء في مصادرة 30 ألف هكتار من الاراضي الزراعية في مدن الاحواز و الخفاجية و الهنديان (التميمية )، حيث ورد ذكر هذه الخطة في التقييم الصادر من دائرة الثروة السمكية بالاقليم، خلال الثماني سنوات الاخيرة.
و تنص هذه الخطة على
البدء في المرحلة الثانية من مشروع يبلغ 12400 هكتار تحت عنوان ازادكان اهواز حيث تم مصادرة 25 ألف هكتار في المرحلة الاولى من المشروع.
البدء في مشروع يشمل 10 آلاف هكتار في مدينة الخفاجية.
-مشروع تربية الربيان يشمل 8 آلاف هكتار، شرق و غرب نهر زهرة في مدينة الهنديان (التميمية ).
-اضافة الى انشاء موانئ في بحركان الهنديان و نهر القصير في عبادان و غيرها من الموانئ، و المعروف ان تلك الموانئ لا تخضع الى سلطة و رقابة دائرة الموانئ و يتم استغلالها و الاستفادة منها لغرض التهريب و الالتفاف على القرارات الدولية ضد ايران في مجال حظر استيراد السلاح و غيره من قبل الحرس الثوري، حيث تكتسب تلك الموانئ اهميتها لانها تقع بالقرب من العراق و الدول الخليجية.
-
اهداف هذه السياسات :
ان وراء هذه السياسات المنهجية و البنيوية ضد الشعب العربي الاحوازي اهداف اقتصادية و امنية و تاريخية و سياسية، وبنظرة متفحصة على الخارطة السياسية لايران و دول الجوار العربي، سنلاحظ ان الاراضي التي تمت مصادرتها في الشمال الغربي و الغرب و الجنوب تقع بمحاذات الحدود العراقية و دول الخليج العربي، الغرض منها تسهيل عملية التدخل في الشؤون الداخلية لتلك الدول بعيدا عن عيون الاحوازيين و خلق بيئة و منطقة عسكرية لوجستية تؤمن الحماية و تؤمن الامداد الكافي للتدخل الايراني المستمر في شؤون تلك الدول. و كذلك افراغ هذه المناطق التي يقع فيها اكبر مخزون و حقول النفط و الغاز، من الاحوازيين كخطوة اولى و تمليكها للموستوطنين الفرس و الوافدين الجدد كخطوة مستقبلية من اجل قلب التركيبة السكانية بالاقليم لصالح الفرس و الحكومة المركزية حيث دابت كل الحكومات الايرانية المتعاقبة على هذه السياسة منذ تكوين الدولة او بالاحرى الامبراطورية الايرانية الحديثة على يد رضا خان.
من ضمن هذه الاهداف أيضا هو تقطيع اوصال الشعب العربي الاحوازي وعزله في تجمعات سكانية محاصرة، في مدنه و قراه و مناطقه المختلفة و كذلك حرمانه من عمقه الستراتيجي المتمثل بالوطن العربي كالعراق و الخليج العربي. و هذا ما يفسر اتساع دائرة سياسة مصادرة الاراضي و التهجير الجماعي و التي نصت عليها الوثيقة التي تم تسريبها من مكتب خاتمي والتي سببت مع تراكم التناقضات و الظروف الموضوعية انتفاضة 15 نيسان، حيث سقط على اثرها مئات الشهداء و الجرحى و تم اعتقال الالاف و تنفيذ الاعدام بحق 12 شخصا لحد الان و القائمة قابلة للإزدياد . كما شملت هذه الخطة مناطق شمال الاقليم و وسطه و شرقه و جنوبه و هي الاخطر على الاطلاق والتي تم الكشف عنها بالوثيقة و التعميم تحت عنوان مشروع اروندان الصناعي و التجاري في مدن المحمرة و عبادان والذي سيتم بموجبه تهجير مئات الالاف من الاحوازيين العرب من مدنهم و قراهم التي تقع ضمن نطاق هذا المشروع الاستيطاني الكبير و سيتم تهديم عشرات القرى الاحوازية. و يضاف الى ذالك تهجير اكثر من 300000 مواطن احوازي من مدن و ارياف المحمرة و عبادان اثناء الحرب العراقية الايرانية و لم يعودوا الى قراهم التي هجروا منها بسبب تهديم البنية التحتية و غياب الخدمات، و كذالك انتشار حقول الالغام في تلك المناطق و هي من مخلفات الحرب، و لم تعمل الحكومة الايرانية على تطهيرها لكي لا يعود العرب الى قراهم من منفاهم بالمناطق الشمالية و المركزية في ايران.
في الختام لابد من التاكيد على ان كل هذه السياسات الاجرامية و هي بالطبع من مصاديق التهجير الجماعي و التطهير العرقي و الجرائم الكبرى التي يعاقب عليها القانون الدولي، يتم تنفيذها امام مراى و مسمع الدول العربية و المجتمع الدولي حيث تتجاهل هذه الاطراف الماساة الاحوازية بدعوى انها شان داخلي و هي ضمن مفهوم السيادة. لكن المتتبع الحصيف لمجريات الامور يلاحظ ان الاحواز لم تكن يوما ما ايرانية، بل هي ارض عربية محتلة بالقوة الغاشمة منذ 1925 م و لحد الان و الدليل الابرز على ذلك هو الانتفاضات المتتالية لابنائه العرب ضد الحكومات المتعاقبة على سدة الحكم في ايران، وهي عبارة عن منطقة متنازع عليها بين سلطة الاحتلال الايراني و الشعب العربي و مقاومته الوطنية وهذا ما اجمعت عليه فصائله الوطنية بمختلف توجهاتها و مشاربها الفكرية.و مشير هنا إلى ضرورة التدخل العربي و الدولي بهذا الخصوص لكي يتم لجم هذا الغول الفارسي المتغطرس وانقاذ الشعب العربي الاحوازي من سياسة التطهير العرقي، والحد من التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية كيف ومتى يشاء تحت ذريعة الطائفية الصفوية تارة والحفاظ على المصالح الحيوية والامن القومي الفارسي تارة اخرى والهدف من وراء ذلك هو الهيمنة و التي هي جزء لايتجزا من طبيعة وعقلية الفرس وتركيبتهم السيكولوجية، رجال دين كانو ا او علمانيين.
كاتب و سياسي احوازي
[email protected]
التعليقات