وقوع الحدث وضده.. وما ينتج عن ذلك من دهشة، قد يولد بسمة، قد تكون البسمة ساخرة.. وربما حملت معها بعض المرارة، إلا أنها تظل فعلا يعبر عن أجواء غير جدية، وأحيانا غير مجدية.
في الفترة الماضية أثيرت في مصر عدة قضايا متلاحقة، أخذت حقها من الدعاية والاهتمام الإعلامي على أساس كونها سلبيات في حاجة للتعديل، إلا أن هذا الاهتمام على ما يبدو لم يؤت ثماره ولم يصنع تغييرا ملموسا على أرض الواقع، حيث تكررت أحداث شبيهة بها مرة أخرى وكأن شيئا لم يكن، لنحصر كلامنا في قضايا محددة.. الأولى قضية هالة سرحان، والثانية قضية نبيل عبدالكريم سليمان أول مدون مصري يحبس بسبب كتاباته، والأخيرة قضية انتهاك حقوق الأفراد على أيدي أفراد من جهاز الشرطة، ثلاث قضايا أخذت نصيبها من الصخب الإعلامي، وهو ما يجعل السياق الطبيعي أن نتوقع صعوبة تكرار مثل هذه القضايا مرة أخرى .. إلا أن الغرابة أنها تكررت، وخلال فترة وجيزة.
فبعد قضية هالة سرحان وما أثير حول تقديمها لشابات على أنهن فتيات ليل بمقابل مالي، تأتي قضية جديدة على نفس النمط في برنامج آخر هو quot;البيوت أسرارquot; المذاع على فضائية ART والذي تقدمه الإعلامية quot;سهير جودةquot;، حيث استعان البرنامج برجل وامرأة ادعيا في حلقة quot;الزواج العرفيquot; أنهما كانا على ارتباط بعقد زواج عرفي، وأكثر من ذلك أن قامت أسرة البرنامج بالعمل على تزويج الرجل والمرأة بعقد رسمي على يد مأذون أثناء الحلقة، والد المرأة خرج عن صمته وذكر أن الواقع مخالف تماما لما جاء في البرنامج، وان ابنته التي ظهرت في البرنامج كانت مع زوجها الحقيقي الذي تزوجته بعقد رسمي عام 1996، وان الحاجة هي التي اضطرت الزوجين للقيام بهذا الدور مقابل 500 جنيه (جريدة الأهرام 25 ndash; 2- 2007)، والد المرأة حكي تفاصيل القصة للصحفي سيد علي الذي تناول من قبل قضية هالة سرحان بالنقد، وذكر أن القضية أمام النائب العام المصري الآن .
لحكم قضائي بسبب كتاباته، كانت إحدى التهم التي وجهت إليه هي إهانة شخص رئيس الجمهورية، وربما كان من المتوقع أن يأت هذا الحكم رادعا لعدد من المدونين الذين يستخدمون ألفاظا حادة في حق الشخصيات العامة، إلا أن هذا على ما يبدو لم يحدث، فعلى سبيل المثال قام أحد المدونين والذي تعرض للاعتقال من قبل، بافتتاح إحدى مشاركاته في مدونته بعبارة حادة في حق الرئيس المصري، والطريف أن بعض زواره سجلوا تعليقات ساخرة على مدونته وكأنها عبارات توديع أو تأبين، ولم يكن هذا المدون وحده الذي سجل مثل هذه العبارات، حيث أن البعض قد كتب عباراته الحادة دون اكتراث، فكثير من المدونين يرون في مدوناتهم المتنفس الوحيد لتسجيل ما يدور برؤوسهم دون اكتراث للآخرين.. وتظهر الكوميديا السوداء في حالة الاستخفاف التي تعامل بها بعض أصحاب المدونات المصرية مع هذه القضية، وكان شيئا لم يكن.
القضية الأخيرة قد تكون أكثر قتامه، فبعد عدد من القضايا التي تناولت انتهاك حقوق المواطنين على يد أفراد من جهاز الشرطة المصري، وبعد أن تعرض بعض أفراد الشرطة للتحقيقات الجنائية، نجد أن الواقع لم يحمل معه تغييرا كبيرا، وكأن الانترنت لن تتوقف عن إرسال مواد فيلمية لمحتجزين معذبين ومهانين لتلقيها في وجوهنا، فرغم الضجة التي صاحبت هذه النوعية من القضايا، إلا انه مؤخرا ظهرت لقطات جديدة لمحتجزين يتعرضون للضرب والسخرية من قبل رجال يرتدون زى الشرطة المصرية.. وربما ينتاب من يشاهد اللقطات شعور متناقض ما بين الامتعاض، و الإحساس بعبثية الموقف، فهناك في خلفية اللقطات من يتهكم على أجزاء من أجساد المحتجزين، ويختلط ذلك مع تأوهات هؤلاء من شدة الضرب.
المواقف الثلاث السابقة قد ترسم بسمة على شفاهك، ليست بسمة سعادة أو نصر، ربما بسمة إحباط وسخرية، فالأجواء تدفع إلى التبلد والبرود، وربما تجد نفسك على النقيض تستحضر روح العظيم دون كيخوته وتبدأ في شن حرب شعواء على أعداء وهميين، خصوصا انه في خضم الأحداث تجد هناك من يتحدث في ندوات وحلقات نقاشية وبرامج تلفزيونية ومقالات صحفية مستفيضا ومحللا، دون أن يترك أي تأثير.. وهو ما يدفع إلى ابتسامة ساخرة، وكأن لسان الحال يقول quot;يبقى الحال كما هو عليهquot; .
هل يبقى الحال كما هو عليه؟ ربما، هل تفيد الابتسامة الساخرة المستهزئة في مواجهة ما يحدث من تكرار الأخطاء وتفشي الأخطار؟ ربما.. فالسخرية غربة، والغربة تعطي مجالا للتفكير، كما أن غرابة المواقف قد تولد الدهشة، والدهشة أول التفلسف.. ومن يدري؟! ربما تكون عبثية الأحداث وسخريتنا بداية تفكير بمنطق جديد، قد يجعلنا فوق الأحداث.