(الله)

(1)

لفظ الجلالة (الله) ليس عربيا لأنه كان منطوقا و معروفا قبل ظهور العرب واللغة العربية، والدليل أنه يحتوى على حرف لا يوجد فى اللغة العربية وهو اللام الثقيلة. ولا يوجد فى اللغة العربية سوى اللام الخفيفة. وهذا هو الفرق بين نطقك (الله) باللام الثقيلة و (الاله) باللام العربية الخفيفة و التى تفيد نفس المعنى.
اللغة العربية مشتقة من الآرامية القديمة هى و شقيقتها اللغة العبرية. وبينما تحور لفظ الجلالة (الله) فى العبرية ليكون (لاهويم) أو نحو ذلك، فإنه فى العربية أصبح (الاله) بالاضافة الى نطقه الأصلى (الله). ثم عندما نزل القرآن الكريم ازدهر نطق لفظ الجلالة (الله) و خفت استعمال لفظ (الاله).والملاحظ ان القرآن الكريم لم يستعمل مطلقا لفظ (الاله) دلالة على الله تعالى، وان استعمل لفظ (اله) فى إثبات أنه أنه لا اله الا الله، كقوله تعالى لخاتم النبيين : (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ) (محمد 19) وسنتوقف بالتفصيل مع لفظ (اله) فيما بعد ضمن حلقات القاموس القرآنى.


(2)
علم التجويد المزعوم و القواعد اللغوية التى تم وضعها و اختراعها بعد نزول القرآن الكريم وجهت طعنة للقرآن وحاولت إخضاعه لاجتهادات البشر القاصرة، وهو موضوع سنعرض له فيما بعد فى هذا الباب، ولكن نتوقف مع ما فعلوه فى النطق بلفظ الجلالة (الله) ومدى الظلم الذى عوّدوا المسلمين عليه عندما ينطقون اسم الله تعالى بما لا يليق، وهو أقدس و أعظم كلمةمنطوقة. ولتسهيل هذه القضية فلنبدا بالتذكيربالقواعد الأساسية فى الاعراب فى اللغة العربية.
الاعراب فى الأسماء العربية هو تغير آخر حرف فى الكلمة حسب العوامل، بالرفع (أى ضمة) أو بالنصب (أى فتحة) أو الجر (أى كسرة). تقول : (جاء زيد)، فتكون الدال الأخيرة من (زيد) مرفوعة بالضم لأنه فاعل. وتقول :(رأيت زيدا) فتكون (زيدا) منصوبة بالفتح لأنه مفعول به. وتقول (سلمت على زيد) فيكون (زيد) مجرور بالكسرة بحرف الجر (على).
والنحويون القدامى جرى عملهم على قاعدة (الاستقراء) بمعنى تعميم الحكم اللغوى دون اعتبار لاستثناءات توجد فى كل لغة حية، مع أن كل لغة (حية) تكون بطبيعتها (حية) متحركة متغيرة، لا يمكن خضوعها لقاعدة محكمة شاملة جامعة. أى لا بد من وجود استثناءات أو محترزات. هذا هو أساس الفجوة بين لغة القرآن و قواعد النحو التى اخترعها علماء العصر العباسى.
بالنسبة الى لفظ الجلالة (الله) فانهم لم يراعوا خصوصيته الدينية، ولا حتى خصوصيته اللغوية، باعتبار أنه أقدم من اللغة العربية، وأن الحرف الأساس فيه وهو (اللام الثقيلة) لا يوجد أصلا فى اللغة العربية، وأن هذا الحرف ليس مجرد الحرف المحورى المركزى فى الكلمة بل هو أيضا الحرف المضعف فيها، أى هو حرفان مدغمان فى كلمة لا تتعدى أربعة أحرف. ونتج ضرر كبير عن (إخضاعهم) لفظ الجلالة لاجتهاداتهم. و نستغفر الله العظيم من لجوئنا الى استعمال كلمة (إخضاع) لأنها هى التى تعبر بصراحة ودقة عن المراد.
وللتوضيح فاننا نحتاج لأن يتابعنا القارىء بالنطق لما نقول.
ليقرأ القارىء بنفسه سورة المجادلة، وهى السورة الوحيدة التى تحوى كل آية فيها على لفظ الجلالة (الله) مرة أو أكثر من مرة، وسيلاحظ أنه ـ حسبما تعود ـ ينطق لفظ الجلالة باللام الثقيلة الأصلية فى حالة الرفع و النصب و بعض حالات الجر والكسر. ولكن فى حالات أخرى من الجر و الكسر ينطق لفظ الجلالة باللام الخفيفة العربية.
ولنقرأ معا الآية الأولى من سورة المجادلة، ليرى القارىءبنفسه معنا كيف ينطق لفظ الجلالة :
(قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ، وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ) (المجادلة 1):
(قَدْ سَمِعَ اللَّهُ) لفظ الجلاله هنا فاعل مرفوع بالضمة، ونطقناه باللام الثقيلة نطقا صحيحا.
إ(وَتَشْتَكِي اِلَى اللَّهِ) لفظ الجلالة هنا مجرور بالكسرة بسبب حرف الجر (الى). ونطقناه باللام الثقيلة نطقا صحيحا.
(وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا) لفظ الجلالة هنا مرفوع بالضمة لأته مبتدأ. ونطقناه باللام الثقيلة نطقا صحيحا.
(إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ) لفظ الجلالة هنا منصوب بالفتحة لأنه (إسم إن ّ). ونطقناه باللام الثقيلة نطقا صحيحا.
أى أن المفروض أن ننطق لفظ الجلالة فى كل الحالات باللام الثقيلة غير العربية، لأنه النطق الصحيح، بغض النظر اذا كان مرفوعا بالضمة أو منصوبا بالفتحة أو مجرورا بالكسرة.
ولكن قبل أن تقرأ سورة المجادلة أوأى سورة من القرآن الكريم عليك أن تنطق البسملة (بسم الله الرحمن الرحيم). وهنا تقع المشكلة. ولينطق القارىء بالبسملة فسيجد أنه تعود على نطق لفظ الجلالة فيها باللام العربية الخفيفة. و اذا قرأ الفاتحة ـ وليقرأها القارىء معى ـ فسينطق (الحمد لله) بنفس النطق المخالف للفظ الجلالة حيث تكون اللام فيه خفيفة.
والمشكلة هنا أن أكثر سور القرآن الكريم شيوعا على الألسنة هى الفاتحة التى نقرؤها فى الصلاة وغير الصلاة، وأكثر آيات القرآن انتشارا على اللسان هى البسملة. وفى كل مرة ننطق فيها بالفاتحة أو بالبسملة فاننا نوجه إهانة لرب العزة جل وعلا بالنطق الخاطىء للفظ الجلالة.


(3)
والسؤال الهام : كيف يكون نطق لفظ الجلالة باللام العربية الخفيفة اهانة لله تعالى ؟
لأنك حين تنطقه فتقول (اللاهى) من اللهو، أو فاعل اللهو. أى تصف الله تعالى ـ دون أن تقصد ـ
بصفة ذميمة لا ترضاها لنفسك. تقول :(باسم اللاهى) (الحمد للاهى).


(4)

ومن عجائب القرآن الكريم أنه أشار ـ ضمنيا ـ الى ذلك الخطأ المتوقع. فمن شيمة الانسان الضال أن يعصى الله تعالى كما يحلو له، كما لو أن الله تعالى خلقه و خلق السماوات والأرض لمجرد اللعب و اللهو، وينسى أن الله تعالى خلق الانسان والموت والحياة ليبلونا أينا أحسن عملا و ليحاسبنا يوم القيامة حيث سيقول لنا (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ) (المؤمنون 115). وعن أولئك الضالين يقول تعالى (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاء وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ. لَوْ أَرَدْنَا أَن نَّتَّخِذَ لَهْوًا لَّاتَّخَذْنَاهُ مِن لَّدُنَّا إِن كُنَّا فَاعِلِينَ) (الأنبياء : 16 ـ)أى أن الله تعالى لا يلهو و لا يلعب. ومع ذلك فإننا ننطق اسم الله تعالى الأعظم فى البسملة و الفاتحة و مواضع أخرى من القرآن فنقول (اللاهى) من اللهو. لذا وجب التنبيه و التصحيح. والله جل وعلا المستعان.