تتعالى الأمم المتحدة-وهماً-على قمة الجبل السياسي العالمي، وتقذف بمتواصل أخطائها إلى السفح لتجرف شعوباً وقبائل تحت ركام كرة الثلج، المتفاقم هولها في الطريق إلى الهاوية.. هاوية أقساها ما يرى في المشهد العراقي الآن من كوميديا سوداء لو قـُدر لشكسبير نصيباً من زمانها لأخذ فصولاً وأعمالاً خالدة منها لتكون أكثر إبداعاً من (كوميديا الأخطاء).. الغريب أن هذا العمل الشكسبيري الرائع هو المسرحية الوحيدة له التي يرد فيها اسم أمريكا!..
الحقيقة أعز من أمريكا!
والحقيقة أعز من الأمم المتحدة أيضا، وسيحقّ لأهل العراق الصراخ عالياً، بوجه كلّ خطأ يحمل معه جزءاً من المأساة المديدة منذ عقود، والتي تشابكت فيها الرماح على الرماحِ، حتى لم يبق من موضع لجرح جديد.. فبالأمس أعلنت الأخبار الأممية أن لجنة تعويضات حرب الخليج التابعة للأمم المتحدة أنهت تحقيقها في مطالب تعويضات متكررة وخلصت إلى أنها دفعت بالخطأ الكوميدي لبعض الدول أموالاً لا تستحقها بلغت على مدى سنوات 77 مليون دولاراً..
هذا يعني أن ما نسبته 30% من عائدات النفط المستقطعة من قوت الشعب العراقي، ذهبت أدراج الريح تحت عناية الأمم المتحدة، حيث استصدر مجلس الأمن بعد بضعة أيام من إعلان وقف إطلاق النار في حرب الخليج الثانية قراراً عجولاً دحرج كرة الثلج إياها، بكلمات لم يعصها الديكتاتور الحريص على عرشه، فمجلس الأمن طالبه بالموافقة من حيث المبدأ عن مسؤوليته بموجب القانون الدولي عن أية خسائر أو أضرار (حتى لو كان المتسبب في حدوثها قوات التحالف)نجمت عن غزوه الكويت أو خسائر لدولة ثالثة ورعاياها وشركاتها نتيجة لهذا الفعل.
ضاعت أموال كثيرة في سنوات الحصار الموحش، وانتبهت الأمم المتحدة الى حجم النهب والأخطاء الكوميدية في قرارات تراكمت كفخار يكسر بعضه على رؤوس العراقيين، بين برنامج التعويضات وبرنامج النفط مقابل الغذاء سيء الصيت، حيث كان هبة للطاغية الذي أكـّدت لجان الأمم المتحدة إنه المستفيد الأول بشكل شخصي وعائلي من برنامج ساخر كلّف العراق خسائر مادية وبشرية لا تعوض، فالديكتاتور وعائلته حصلوا على 1. 8 بليون دولار من مبيعات النفط غير المشروعة، حسب لجنة تحقيق مستقلة نشرت تقريراً مرعبا عن هذا الموضوع.. وبررّت الكارثة بالعذر عن أخطاء إدارية، ستضاف بالتأكيد إلى سوء تقدير أممي لما آلت إليه أوضاع العراق، فالأمم المتحدة زعمت تأديب النظام الديكتاتوري.. زعم الفرزدق أن سيقتل مربعاً.. فأبشر بطول سلامة يامربـع.. واستبشر الديكتاتور وأعوانه خيراً وفيراً تحت مظلة الأخطاء المضحكة، حتى كشفت التقارير عن أيدٍ خفية كانت موصولة مع أمنيات الديكتاتور، ذهبت ملفاتها مع كوفي عنان إلى غانا مؤخراً..
عذر الأمم المتحدة أقبح من فعلها
الأعذار الجديدة للأمم المتحدة عن خطأ دفع ملايين الدولارات من أموال الشعب العراقي في برنامج التعويضات سهواً أممياً، ومما نسبته 5% من عائدات النفط العراقي- بعد تعديل قرار الأمم المتحدة- تبدو أشد إضحاكاً، لحظة يعزى سبب الأخطاء الجديدة الى تكنولوجيا الكمبيوتر التي استخدمت في مراجعة طلبات التعويضات، لكونها لم تكن حديثة، وكون كمبيوترات الأمم المتحدة كانت متهالكة وقد آكل الدهر عليها وشَرِب!!.
وربما سيمرّ هذا العذر على الكثيرين، لكن شخصاً واحداً سيكون أحزن السامعين، فصاحب شركت مايكروسوفت (بيل غيتس) سيذهل عن مصير ملايين الدولارات التي أنفقتها مؤسسة بيل وميلندا غيتس الخيرية دعماً للأمم المتحدة، والتي تلقى عنها رسائل شكر أممية.. وربتما سيتساءل :هل كان صعباً على الأمين العام كوفي عنان أن يتبرع منها بكمبيوتر واحد يدير حسابات التعويضات المقتطعة عنوة من المحتاجين في العراق؟.
acf@tiscali.nl