عندما أحب فيلما أحب أن أشاهده مرتين وعندما تعجبني رواية أقرأها مرتين ومسرحية ماما ميا حضرتها في لندن مرتين، ففي المرة الأولى أكون منشغلة بمتابعة الأحداث والقصة، لكن في المرة الثانية أستمتع بالتفاصيل بعد أن أكون أرحت بالي بمعرفة النهاية والتي تكون سعيدة في معظم الأحوال.

مسرحية (ماماميا) والتي ستطير الى دبي قريبا بعد أن سبقتها الى هناك المسرحية الغنائية شيكاغو، ستتحول الى فيلم سينمائي قريبا من بطولة النجمة ميريل ستريب، تحكي مسرحية (ماما ميا) ببساطة قصة فتاة في العشرين تعيش مع أمها في جزيرة يونانية ولا تعرف من هو والدها، فتقرر قراءة مذكرات أمها وتعود الى الأيام التي تسبق تاريخ ميلادها بتسعة أشهر لتعرف مع من كانت تخرج أمها، ومن خلال المذكرات تعرف أن لها ثلاث آباء محتملين أو (ثري بوسيبل دادز) فتقرر أن تدعو الثلاثة الى حفل زفافها في الجزيرة ريثما تكتشف من هو والدها، هذه القصة باختصار والتي تتكئ أحداثها على أشهر أغاني فرقة الآبا مثل (مني مني مني ) و(ماما ميا) و(دانسينغ كوين) و(اس أو اس) وغيرها وفي جو موسيقي رائع يتطابق مع شعار المسرحية الذي تستخدمه في اعلاناتها على باصات لندن الحمراء، بأن عرض ماماميا هو عرض (الشعور الجميل)وهو فعلا شعور جميل سيتسرب اليك بعد انتهاء المسرحية وستشعر به حتى في اليوم التالي لحضورها.

أعود الى قصة البطلة ذات الآباء الثلاثة المحتملين والتي تذكرتها وأنا أتابع قصة نجمة مجلة البلاي بوي القتيلة آنا نيكول سميث، والتي تركت بنتا صغيرة مجهولة الأب، واذا كانت بطلة المسرحية الفقيرة هي التي تصارع في سبيل معرفة هوية والدها فان ابنة نيكول وبفضل ثروتها التي تصل الى أكثر من مليار ونصف دولار، فستجد لنفسها أكثر من أب، أو بالأحرى نجدها تعاني من زحمة آباء كلهم يدعي أنه الأب الحقيقي - طبعا مليارونصف ليست مزحة! -وريثما يحسم القضاء والفحص هوية الأب الحقيقي لا مانع من طرح محاضرة صغيرة حول مفهوم الحرية وحقوق الانسان في الغرب من امرأة عربية اعتادت على تلقي المحاضرات والغزوات والمواعظ لتعلم الحرية من هذا الغرب المتحضر.

فعلى الرغم من أني لا أحب ارتكاب مغازلة تخلفنا في شتى الميادين عبر تلقيط سقطات الغرب وتكبيرها، الا أنني أتساءل :أليس أبسط حقوق الانسان أن يأتي الى هذه الحياة وفق نظام اجتماعي يكفل له الحد الأدنى من الوضع الطبيعي ومن الحقوق التي تعارفت عليها الأديان السماوية الثلاثة والأعراف منذ الأزل وهو هنا وببساطة: معرفة من هو والده؟

الحضارة الغربية التي تحررت من كل القيود والتي يفترض أنها تطورت بشكل كبير لدرجة سن القوانين التي تحمي الطفل من الاعتداء حتى من قبل والديه، وأتاح للطفل الحق في التبليغ عن اساءة والديه اليه الى الجهات المختصة، ومتابعة أي شيء يتعرض له الطفل على أنه عنف أن (تشايلد أبيوز) حتى يثبت العكس، وهوما نفتقد اليه فعلا ولا نزال بحاجة الى القوانين الصارمة التي تحاسب المعلمة أومديرة المدرسة التي تكتشف حالة تحرش أو عنف ولا تبلغ عنها الجهات المختصة، لكن تظل حقوق الانسان في الغرب موقع تساؤل حول :الحق الطبيعي للطفل في أن يولد في كنف أسرة طبيعية، الزواج المثلي على سبيل المثال والذي انتشر في الغرب باسم الحرية والذي يتيح لهما التبني أيضا باسم الحرية، لكن ما ذا عن حق هذا الطفل المتبنى و(حريته) والضرر النفسي الذي قد يتعرض له عبر فرض هذا الوضع غير الطبيعي عليه دون استشارته؟

من طرفي أفضل أن تضربني أمي بين فترة وأخرى على أن أقذف الى هذه الحياة من رحم مراهقة أو أن أولد لأبوين سحاقيين أو أن أقضي عمري أبحث عن هوية أبي لأن لي (ثري بوسيبل دادز)!؟

[email protected]