يقف الرئيس أبو مازن اليوم على مفترق طريقين.. كلاهما ملىء بالأشواك ونتائج المرور فيه في غاية الصعوبه والدخول في أي منهما مر المذاق.. هذا الخيار قد يكون الإمتحان الأخير لبقائه على رأس السلطة.. وقد يكون آخر خيارات الشعب الفلسطيني في هذا العالم المجحف لحقوقه...
في الطريق الأول.. مسؤوليته تجاه الشعب الفلسطيني في الداخل.. من زاويتين.. توفير الأموال لسد الرمق الفلسطيني.. والثاني في التخلص من الإحتلال الإسرائيلي بأي شكل .. لمساعدة فلسطيني الداخل على تنفس هواء الحريه وإعادة الإعتبار للكرامه الفلسطينيه المنتهكه من سلطات الإحتلال... والبدء في حياة جديده تكون فيها التنمية بكل مشتقاتها ومعانيها هي البنيه التحتيه لبناء الأرض والدوله والأهم الإنسان الفلسطيني ...
الطريق الثاني .. وهو إحتراما للوساطه السعوديه التي تحمل وزنا ماليا ومعنويا كبيرا خاصة في إستمرارية تدفق الأموال إلى الشريانات الفلسطينيه منذ بداية القضية. هو إلتزامه بتطبيق إتفاق مكه.. بإنشاء حكومة موحدة بين فتح وحماس برغم الإختلاف الشاسع بينهما في طريقة الوصول إلى الهدف الرئيسي لكلاهما وهو إنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي... تحمل فيها حماس اهم الحقائب الوزاريه تبقى فيها مهيمنه على كل قرارات الرئاسه وقد تعمل على إعاقتها أو إبطال مفعولها لإحتمال تناقضها مع مبادىء حماس والتسويه... وعلمه الكيد برفض الولايات المتحده و المجتمع الدولي قبول التعامل مع حكومة الوحده الوطنيه لوجود حماس كطرف شريك مقابل .. مما يعني جوع الإنسان الفلسطيني وبالتالي إبقاء شبح الحرب الأهليه الفلسطينيه واقفا بالمرصاد ..
ذريعة المجتمع الدولي في عدم التعامل مع حماس هو الخوف من وصول الحركات الإسلامية إلى سدة الحكم. وما قد يترتب على ذلك من إحتقان أو حروب دولية وتعارض مصالح... أما ذريعة إسرائيل فهي أن حماس لا زالت ترفض الإعتراف بوجودها...
أي أن على أبو مازن إما كسب الوقت... بإعاقة تشكيل هذه الحكومه المحدد بثلاثة أشهر.. وبهذا يحافظ على ماء الوجه أمام السعودية.. ستكتشف السعودية خلالها بانها غير قادرة على إقناع الولايات المتحده بالتعامل مع حكومة الوحدة برغم مرونة الإتحاد الأوروبي.. تكون حماس فقدت شعبيتها في الشارع الفلسطيني من جراء الحصار المالي... مما يعطي أبو مازن الحق في إعادة الكرة للشارع الفلسطيني لإنتخابات جديدة....
- المضي في تشكيل حكومة الوحده الوطنيه.. راميا عرض الحائط بكل من إسرائيل والولايات المتحده والمجتمع الدولي.. ليصبح كما يريده بعض الفلسطينيون والعرب بطلا وطنيا شعبيا يتصدى للضغوط الدوليه .. ولكنه يفقد دعم الحكومات العربيه.. بالذات حكومات الوزن العربي الثقيل.. مثل معظم دول الخليج ومصر والأردن..

أي من الخيارين.. لن يؤدي إلى الحصول على الدولة الفلسطينية بالسرعة التي يتمناها الإنسان الفلسطيني تحت الإحتلال والتي يريدها خالد مشعل من دمشق.. والذي أكد فارس قدورة في لقاء مع الوزير الإسرائيلي مائير شريط بأنه (خالد مشعل) أكد خلال لقاء معه في دمشق أنه قد أعطى ابو مازن تفويضا للتفاوض مع إسرائيل شرط تحقيق مبدأين بسرعه وهما قيام الدوله الفلسطينيه ضمن حدود 1967.. وعودة اللاجئين الفلسطينين إلى منازلهم بموجب القرار 194..
في جميع الأحوال خيارات أبو مازن صعبة إن لم تكن مستحيله..حكومة الوحده الوطنيه أمل لكل الفلسطينيين.. ولكن تصلّب حماس في مواقفها لن يضمن رفع الحصار المالي.. ولن يغير من الوضع الداخلي المحتقن... شيء واحد يملكه أبو مازن.. شرح كل هذه الخيارات للشعب الفلسطيني في الداخل بدون مواربه وبلغة صريحة وواضحه لا تحتمل التأويل.. لأن فلسطيني الداخل هو صاحب القرار الأول..
برغم حسن النية السعوديه.. ومحاولتها التصدي لايران وتقليص نفوذها لخلق شيء من التوازن حسب المتطلبات الأمنيه للولايات المتحدة الأميركية.. إلا أنها لم ولن توفق..لأنها أغفلت أن الدعم الأميركي لأبو مازن.. وللفلسطينيين عموما مشروط بعدم الدخول في أي مشاركة سياسية مع حركة حماس.. لأسباب واضحة ومعروفة... على رأسها تحجيم تصاعد النفوذ السياسي للحركات الإسلاميه .. وإصرار الولايات المتحدة على عدم التعامل مع أي من هذه الحركات...
نحن نعلم علم اليقين بأن إسرائيل كحكومة ليست راغبة في أي سلام مع أي حكومة فلسطينيه.. سواء تشكلت من حماس ام من فتح.. وستبقى تستعمل الأعذار والمراوغات للتملص من أي إلتزامات.. ولكن أعذارها إزدادت واكتسبت أذنا دوليه أكثر بعد حربها مع حزب الله وبعد تصريحات ايران العديده حول عدم شرعيتها.. التهديد الوحيد للحكومة الإسرائيليه.. هو من الإختراق الذي وقع مؤخرا من أصوات يهوديه في المنفى ترفض سياسات الحكومه الإسرائيلية العنصرية التي إنتهكت جميع القوانين الدوليه الإنسانيه في معاملتها للفلسطينيين.. وترفض الإحتلال وتعترف بالحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني وحقه في دوله تملك كل مقومات السياده .. هو عامل الضغط الوحيد على الحكومة الإسرائيليه الذي سيكتسب مصداقيه دوليه.. أولا لأنهم يشكلون عصب الحياة المالي والمعنوي لإسرائيل.. ثانيا لما لهم من وزن دولي يتمثل في علاقات عامة قوية في المجتمعات التي يعيشون فيها ومع صناع القرار... وساعدتهم ثورة المعلومات على تقصي الحقائق بالكامل.. إضافة إلى صور الإحتلال البشعه.. و خرجت أفكارهم عن مقولات ومسوغات إسرائيل بأنها أرض بلا شعب.. وإنكار الحقوق الفلسطينيه بما فيها حق اللاجئين في الإعتراف الكامل بالمسئولية الإسرائيليه والتعويض إضافة إلى أنهم أصبحوا يخجلون من هذه الممارسات الإسرائيليه والتي ستشكل خطرا بعيد المدى عليهم في مجتمعاتهم..

كان من الممكن أن تنجح السعودية أكثر بكثير لو أنها ركزت على إقناع الولايات المتحده والمجتمع الدولي والفلسطينيون بالمبادرة العربية وتعرية إسرائيل أمام جميع يهوديها ... بدلا من إضاعة المزيد من الوقت..

أحلام أكرم ndash; باحثه وناشطه في حقوق الإنسان