quot;ثمة قيمة ممكنة لللاعنف أو... للأشكال غير العنيفة من المقاومةquot; [1]

استهلال:
تنامى العنف في الآونة الأخيرة في حضارة اقرأ ولجأ النهج النضالي إلى عسكرة الانتفاضة وتحولت المقاومة إلى نواة جيوش وميليشيات واعتمدت الدول الرسمية الحل الأمني الأقصى في التعامل مع المعارضات الديمقراطية والاحتجاجات الاجتماعية واندلعت حمى المذهبية والحزبية والتقاتل الأهلي والتحارب الطائفي وقد ترتب عن ذلك فتك بالأرواح البريئة وإزهاق للأنفس المحايدة واعتداء على أبسط حقوق الإنسان الأساسية وتعطيل عملية النهوض والتنمية وتسريع قابلية الاستعمار ونسق التدخل الأجنبي في السيادة القومية. ربما يؤدي كل ذلك بالحكمة العالية والعقل الرصين والتأمل الحصيف أن يفكر بجدية في المفاهيم المناقضة مثل المقاومة غير العنيفة والصفح والمصالحة وحضور الإنسان المسالم في التاريخ احتراما لمصالح العقل العملية والغايات الجوهرية لنشاطه التأملي الكوني ويشرع لإمكانية الحديث عن دور لإتيقا النقاش وآداب المناظرة والحوار العقلاني من أجل إرساء هدنة وجودية وعقد حضاري وإجماع اجتماعي يضمن إعادة تملك واعية للذات تؤصل علاقتها مع الأغيار ومع الميراث وتدفع بها نحو صنع المستقبل مسلحة بقيم الحرية والإبداع والديمقراطية الاندماجية والتشاركية الفعلية.
إن الأمر الجلل عندنا هذه الأيام أن أزمة الهوية لدينا قد تحولت إلى حرب أهلية محلية ويمكن أن تتسبب في حرب عالمية جديدة بين حضارة اقرأ من جهة وإمبراطوريات العولمة وتابعيهم من جهة أخرى وأن وجهة العالم بأسره سلبا وإيجابا قد تتحدد في وطن الكينونة وعلى المسطح الذي جهزه العرب للتدبير والتعقل. فكيف نوقف هذه الحرب الأهلية المقيتة ونمنع معاودة ظهور الفتنة الكبرى على أراضينا؟ وكيف يمكن أن نؤهل الساكن الأصلي حتى يقدر على الاضطلاع برسالته الوجودية الكونية في الآتي القريب؟ أليست ساعة التسلح بالقلم والنقد والحقيقة قد حانت؟ ألا تكفينا الحروب التي خضناها والنزاعات التي مزقتنا والمهاترات التي زرعت فينا بذور الفتن والتشرذم؟ إذا كان العنف رذيلة وضعف فهل يعني اللاعنف والمنزع السلمي فضيلة وقوة؟ لكن هل يكفي التسلح بالإرادة الطيبة في الصراع السياسي للقضاء على الشر والظلم؟ ألا يوجد تباعد وغربة بين ماهو سياسي يرمز إلى القوة والسلطة وماهو أخلاقي يرمز إلى الواجب والحق؟ ما تفسير المنحى المرعب للإرادة والخطر المتأتي من النية السليمة في عالم سيء؟ كيف يمتلك اللاعنف قدرة على الحضور والتأثير في حركة التاريخ أكثر من العمل العنيف ذاته؟ هل يعني تبني اللاعنف الارتكان نحو اللامقاومة؟
إن رهان البحث في هذه المسألة لا يرتبط بمسألة الفارمان العثماني أو إصدار القرارات،فالكتاب ليس لهم مثل تلك السلطة الميتاتاريخية بل الرهان يقف على أرض زمنية تعترف بلاعصمة الإنسان وتناهيه وتكتفي بطرح الأسئلة والتنبيه على المخاطر والأزمات وانه لشرف أن يكون الكتاب أكثر الفئات وعيا بالأزمة والكارثة التي ستحل بالساكن الأصلي نتيجة اللجوء إلى العنف من قبل إمبراطوريات العولمة في الخارج والدولة في الداخل .

1- الدولة بين المشروعية والعنف:
quot;الدولة تحدث بعدا جديدا من العنف الجماعي عندما تقيمه في حربquot; [2]
تكشف الفلسفة عن مفارقة صارخة تهز عمل السياسي من جذوره تتمثل في المعادلة الصعبة التالية: الأذى الذي تسببه الأنظمة الحاكمة للشعوب لا يتغذى إلا من العقلانية الصارمة التي تعتمدها هذه الأنظمة في حكمها لشعوبها وكلما ازدادت درجة العقلانية ازدادت درجة الأذى الذي يعاني منه المحكومين. هذا ما التقطته العين النقدية لبول ريكور في كتابه quot;الحقيقة والتاريخquot; من مسرح الأحداث السياسية العالمية في زمانه. فهناك اغتراب ناتج عن السياسي لكونه حقل تجد فيه السلطة كامل حريتها لتفعل ما تشاء بالخلق وحتى عندما نتحدث عن حرية ممارسة السلطة وغياب أجهزة المراقبة والمحاسبة وضعف محصنات الديمقراطية وانعدام المؤسسات التي تسهر على حماية العقد الاجتماعي فإننا نتحدث عن الشر والظلم والأذى التي يسببها السياسي للمجتمع. إذن كل دولة تحتاج من جهة رأسها إلى عقل يركز النظام ويسرع عجلة التنمية ولكن هذا العقل نفسه يتحول إلى معتقل وقوة تأديب وعقاب وبالتالي تخسر الدولة ما حققته من أرباح وتفوت فيما كانت قد أحرزته من تقدم. ألم يقل ماركس في نقده لهيجل أن:quot;الدولة لم تعد تمثل العالم الحقيقي للإنسان بل تحولت إلى عالم أخر،عالم غير واقعي،فهي لم تحل التناقضات الواقعية إلا في حق وهمي أصبح هو بدوره في تناقض مع العلاقات الواقعية بين البشر...quot;
إن مشكل الدولة مزدوج ومعقد،فهي أكثر عقلانية من الفرد وأكثر انفعالية وتأثر منه،تحتاج إلى القوة ولكن الإفراط فيها يحولها إلى أداة قهر وتسلط وتحتاج إلى اللين والمرونة ولكن الاكتفاء بها قد يحولها إلى جهاز ضعيف وسلطة من ورق. كما أن مشكل الديمقراطية يتمثل في قدرة الشعب على مراقبة الدولة ولكن مشكل المراقبة هو نفسه غير قابل للتحديد والضبط ،إذ ماهي الشرائح من الشعب التي لها مشروعية مراقبة أداء الدولة هل هم السياسيون المعارضون المتعطشون للاستيلاء على الحكم أم المثقفون الذين يخفون ضعفهم من خلال توهم الإبداع ويسترزقون من موائد الحكام؟ هل هم نشطاء منظمات حقوق الإنسان والكهنة الجدد للمجتمع المدني أم الفقهاء من أهل الحل والعقد الذين حولوا المرجعية إلى سلطة رجعية؟
إن الجمع بين الحق والقوة يمثل مشكل بالنسبة لأي دولة وآية ذلك أن الحق دون قوة تصونه هو ضائع والقوة دون حق يراقبها هي سلطان غشوم. على هذا النحو يبرز مع نشأة الدولة بعض من العنف المشروع ويبدو أن الوجود السياسي للإنسان يسهر عليه عنف مشروع هو عنف الدولة ودون ذلك لا يكون المواطن مواطنا له حقوق ضمن دولة تعرف على أنها جسم سياسي وجهاز حقوقي ينظم العلاقات بين الأفراد ويبني علاقات حسن جوار مع الدول الأخرى. بيد أن عنف الدولة لا يكون مشروعا إلا إذا اتخذ طابعا جزائيا وحرص على ترسيخ العدل والإنصاف في تطبيق القوانين ولا يكون ذلك ممكنا إلا إذا منعت الدولة التجاء الأفراد والمجموعات والطوائف إلى العنف المنفرد لحل النزعات التي تحدث بينهم وتحتكر ذلك لنفسها وتعيد توزيعه في شكل قوانين وهيئات تضمن السلم الاجتماعية. من هذا المنطلق فان سلطة الدولة هي السلطة التي لا راد لقرارها وهي التي تجمع بين السلطة المادية للإرغام والسلطة المعنوية لتحديد الواجب والمسؤولية. لكن من الذي يضمن أن كل الدول ستلتزم باستعمال الحد الأدنى من العنف المشروع؟ألا يمكن أن يتحول العنف الذي يتخذ طابعا جزائيا عندما تستأثر الدولة بقوة الردع لنفسها وتتولى مهمة العقاب بشكل مباشر وقاسي إلى عنف غير مشروع؟ ثم ألا يولد ذلك التوجه الخاطئ ردود أفعال عنيفة من قبل المجتمع وتنتشر ثقافة الحقد والضغينة والردود الأفعال غير المحسوبة؟ ألا تتحول هذه الدولة نفسها نتيجة استعمالها للعنف غير المشروع إلى دولة قاسية مستبدة؟

2- هل هناك حاجة إلى العنف؟
quot; الذهاب إلى الحرب يعني بالنسبة للفرد،في نفس الوقت، قتل الإنسان الآخر،مواطن الدولة الأخرى ووضع حياته في الميزان لكي يستمر وجود دولتهquot; [3]
يظهر العنف وكأنه البعد المحبذ الذي يتغير من خلاله شكل التاريخ فهو الإيقاع الذي يتعدل به زمن البشر والبنية التي تتقوم بها أشكال الوعي،فالتاريخ برمته مسرح لتفجر قوة العنف وأي بحث عن اللاعنف والسلم والتعايش يظهر وكأنه وعي مقلوب بالتاريخ وسوء نية لأن الوعي بالتاريخ والوعي التاريخي والتاريخية كلها تؤكد حقيقة العنف الساطعة في صيرورة الأحداث الغابرة والسالفة والحاضرة والمتوقعة. فمعارضة الحكم الجائر ومقارعة الاستبداد ومقاومة المحتل والتصدي للغازي كلها حركات احتجاجية وأفعال رافضة شرعنت العنف الثوري واعتبرت اللجوء إلى القوة والسلاح أمرا مشروعا.
صحيح أن حركة التاريخ خاضعة لصراع الأضداد ولعبة التناقضات وأن ولادة الأحداث ولادة صعبة تنبجس عبر الهدم والتحطيم وأن التاريخ يصنعه الأموات أكثر من الأحياء وصحيح أيضا أن الوعي شقي ومنزعج من ذاته على الدوام والحقيقة مأساوية ومزعجة وأن المعرفة الموضوعية هي فكرة باردة وقاسية وخالية من كل روح وحياة وأن الدفاع عن الدول والأمم لا يكون بالكلام وأن النبي المنتصر هو النبي المسلح ولكن علينا أن نحترز من كل هذا الكلام الآن ،فالوضعية غير الوضعية والمقام غير المقام وينبغي ألا ننسى أن الفارابي كتب quot;المدينة الفاضلةquot; ليس لترجمة جمهورية أفلاطون فهذا من تحصيل حاصل بل من أجل بناء دستور وحدة حضارية زمن تشتت الخلافة العباسية وأن الماوردي لم يكتب quot;الأحكام السلطانيةquot; ليكشف عن السياسات الدينية للدولة الإسلامية فهذا ثيوقراطية مقيتة بل ليشرع ضرورة التمييز بين السلطان الروحي والسلطان الزمني وبين مؤسسة الإمارة ومؤسسة الوزارة وذلك أمر حيوي من أجل تذرية السلطة ونقد تمركزها الهرمي وينبغي أن لا ننسي أن الرسول رفع السيف دفاعا عن النفس وهو كاره له ورد الفعل ضد معارضيه ولكنه أقل ردود الفعل دموية في التاريخ خاصة بعد مآخاته بين المهاجرين والأنصار وإيقافه للتباغض بين الأوس والخزرج وكتابته الصحيفة المشهورة التي ذكر فيها أن أهل الكتاب أمة إضافة إلى أمة المسلمين كما تفادى المواجهة المباشرة بحفر الخندق في غزوة الأحزاب وأبرم صلح الحديبية مع اليهود وعزم على الحج دون سلاح وعقد بيعة الرضوان خارج معقله وفتح مكة دون قتال وأصدر العفو التشريعي العام عن مناوئيه وآمن من يدخل بيت أبي سفيان.
من هنا فإن العنف ليس في كل الأحوال القرار الأصح والوجهة الإستراتيجية التي ينبغي أن تنخرط فيها جماعة دائما وأبدا وفي كل المواقف بل يمكن أن يكون علامة يأس وفشل وضعف وتعبير عن انسداد الآفاق ويكشف عن وجود مشكلة في تحديد العلاقة الأنسب بيننا وبين الآخر وهو يحتوي على نوع من الجنون المؤقت يسعى للتخلص من كل أشكال الرقابة وينتهي إلى تدمير الذات والاستسلام إلى الانتحار. كما ينتج الوضع العنيف تواطئا أخلاقيا بين الجلادين والضحايا يتفقان بموجبه على تحطيم كل منهما الآخر فيخرج الإنسان من كل ذلك هو الخاسر الأكبر لأن الذي يحصل عليه الإنسان عن طريق العنف من انتصار وغنائم وتحرير يظل عديم القيمة ولامعنى له لأنه كان على حساب ماهو أفضل منه وبالتالي لا يجوز أن نخضع قيم الحق والكرامة والعدل لسلطة الأقوى إذ ليس للضعيف من حيلة أخرى يتسلح بها في كدحه من أجل البقاء سوى سلطة القانون. لكن ألا يقتضي احترام القوانين وقفة شجاعة من الضمير العالمي ووصول البشرية إلى مرحلة متقدمة من الوعي حتى يتم القضاء على الحرب والعنف؟ فكيف يتحقق الوعي بالعنف؟

3- نجاعة اللاعنف :
quot;انه ليوجد إذن مقام من مقامات المجتمع- هو عنيف بمثل ماهو باق على عنفه بحكم الأصل وبحكم العرق- فيه ينتصر الكلام على العنفquot; (4)


يقارن البعض بين طهرية العنف البنائي ونجاعة اللاعنف الدائمة رغم أن المقارنة هنا لا تجوز لأن العنف بجميع أشكاله مدان واللاعنف في سحره ووداعته وهيبته أمر مقدس ويحظى بالاحترام والتبجيل فعندما نتذكر الرسول محمد أو غاندي أو نيلسن مانديلا أو الأم تيريزا أو الشيخ ياسين نجلهم ونستحسن أفعالهم ونعتبرهم شموع أنارت ولازالت تضيء للبشرية الدرب نحو الحرية والخلاص والمحبة. اللافت للنظر أن اللاعنف لن يكون فاعلا ولن يسطع نجمه إلا إذا خرج من دائرة الفرد إلى دائرة الجماعة وانتقل إشعاعه من مجال الأخلاق إلى مجال السياسة ولن يكون ناجعا إلا إذا تحول إلى فعل مؤثر في حركة التاريخ،إذ يكفي أن يرفض أحدهم الانصياع في صمت أو أن يقول لا بطريقة لائقة حتى يدشن مرحلة اللاعودة مع المرحلة القديمة وحتى ينحت بموقفه الهادئ الرصين صفحة بيضاء ناصعة من تاريخ أمته المجيد،ألم يرفض القس تيتو العنصرية ووقف فلاسفة ألمانيا ضد النازية ودفع ياسر عرفات حياته ثمن معاندته للمشروع الصهيوني رافعا شعار شجرة الزيتون. إن اللاعنف لن يكون له معنى إلا إذا تعالى المبشرين به على زبالة إيديولوجيات التاريخ الوضيعة وولوا وجوههم شطر نداء الأقاصي ونادوا برسالة الطير المهاجر الذي لا يميز بين أرض وأرض وبين دين ودين وبين بلد وبلد فكانت كل قلوب الناس جنسيته وكل الأوطان وطنه وكل المقدسات قبلته.
هكذا يمكن أن يكون اللاعنف إستراتيجية المعارضة في الداخل وحتى المقاومة مع الخارج شرط أن يجمع بين الحشود والفئات والطوائف ولا يفرق إلى ملل ومذاهب وأعراق وذلك عندما يحقق غايات الوطن ومقاصد الدين ومصالح الناس وأهداف الحضارة ويفتح للبشرية عصرا من التقدم والرقي ويمكن أن يكون حضور الإنسان المسالم في التاريخ حضورا فعالا شرط أن يوحد في بنية شخصيته بين القول والفكر والفعل. انظروا كيف كانت الانتفاضة الأولى حركة غير عنيفة سلمية هادئة وانظروا كيف شاركت فيها النسوة والأطفال والمثقفون والشيوخ وما أحرزته من تعاطف ومؤازرة وتأييد من كل شعوب العالم ومحبي الخير والعدل وانظروا في المقابل كيف تحول حركات المقاومة إلى أجنحة مسلحة تتصادم على السلطة وتلوذ بالمرجعيات الرجعية لتصلح بينها وتتدخل لها حتى يرضى عنها أعداؤها وتسمى ذلك اعتدال ومرونة وتأقلم مع النظام الدولي الجديد،فكيف للسلم أن يؤدي إلى التمسك بحق العودة ويبشر بالحفاظ على القدس والأرض مغتصبة والثوابت مسقطة من طاولة المفاوضات؟وكيف بالسلاح أن يؤدي إلى التفريط والهرولة والتعديل وتبرير الاقتتال الداخلي والتكالب على سلطة مفقودة على أرض الواقع والتفريط في سيادة مداسة بأقدام الغرب الطامع والنظام العربي المنتفع؟
شعار اللاعنف هو لا تقتل ومبدؤه هو أحب لغيرك ما تحب لنفسك وأنشد حرية الآخرين في اللحظة التي تنشد فيها حريتك و مجاله هو مجال الكلام والخطاب، ونحن نعلم أن من الكلام يوجد القول الحسام ومن يملك سلطة الخطاب يملك الشكل الأقصى للسلطة. فهو فعل لغوي بامتياز وحركة كلامية أو لنقل حركة نبيلة،مبادرة فردية يمكن أن تتحول إلى قانون أخلاقي وأصل ديني وقاعدة فقهية ومبدأ فلسفي تحقن الدماء وتطهر التاريخ من الدنس والوجه الدموي المظلم وتزكي النفوس وتصلح الأفعال،أليس المسلم الحقيقي هو من سلم الناس من لسانه ويده كما يوصي بذلك نبي البشرية محمد صلعم .

خاتمة:
quot;لا أريد فصل هذه التجارب المنفردة لحكمة الصراع الأخلاقي والسياسي ضد الشر الذي يستطيع تجميع كل الناس ذوي الإرادة الطيبة. بالنسبة لهذا الصراع،فإن هذه التجارب مثل أفعال المقاومة غير العنيفة،هي استباقات بشكل رموز حكمية للوضع الإنساني حيث،مع اختفاء العنف،يصبح لغز التألم الحقيقي،التألم غير القابل للاختزال،عارياquot;. [5]
اللاعنف رسالة أخلاقية نبيلة تعلم الإنسان وتخرجه من غفلته إلى اليقظة ومن جحوده إلى الشهود وهو مطلوب في الحالة الداخلية لتجاوز حالة الفتنة بين المذاهب والأحزاب وبين الأنظمة والشعوب وإيقاف حمى الحرب الأهلية المدنية والعسكرية الجالبة للويلات والمنذرة بالشؤم على حضارة اقرأ،وهو أمر متروك إلى القوى الغازية والمحتلة في الحالة الخارجية فان أرادت السلم والتعايش وتخاصب الحضارات وحوار الأديان فيا حبذا وكفانا حروبا وقتالا ودمارا وان لم ترد فذلك أمر آخر واللجوء إلى المقاومة المسلحة يصبح عندئذ أمرا مكروها ولكنه مشروعا وواجبا في ظل عودة الاستعمار واستفحال الاستيطان. لكن عوض أن تتنافس الدول الفقيرة المنتمية لدائرة الضاد على التسلح وعلى امتلاك الطائرات والدبابات والصواريخ والبوارج والغواصات فلتتنافس على اقتناء الغذاء وتوفير الماء وصنع الدواء وتجهيز المساكن وإيجاد فرص الشغل للعاطلين ولتعمل على حلحلت مشكل الهجرة والجريمة المنظمة والكوارث البيئية والمجاعات.
أملنا أن ينجح صلح مكة ما أفسده اقتتال غزة والضفة وأن يعود الرشد إلى كل الفرقاء في العراق ولبنان وكافة أرجاء حضارة اقرأ من أجل أن تتحقق المصالحة والصفح وأن تتظافر الجهود من أجل التنمية والتحرير عن طريق السلم واللاعنف نهجا وعن طريق القوة والكفاح كرها.
بيد أن ما نتخوف منه أن يكون التبشير باللاعنف كقيمة والمسالمة كمقام للوجود في العالم هو تكريس للاستسلام ودعوة للتطبيع والانبطاح للثقافة الغازية والمشاريع المعادية،فكيف يكون تبني اللاعنف خيارا استراتيجيا لتعزيز حركة المقاومة والصمود وليس علامة انهزام وتقهقر؟ وكيف نجعل السلام والسلم والصفح والسماحة أفكار توجيهية تعبر عن جوهر الإسلام عوض عن السيف والقتال والتكفير؟ ماهي الشروط التي ينبغي أن تتوفر حتي يكون اللاعنف شيئا مغايرا للفعل الإرتكاسي السلبي وبعيدا عن الدرجة الصفر من الفعل معروضة على هامش التاريخ؟

المراجع:
بول ريكور العادل الجزء الأول تعريب المجمع التونسي للعلوم والآداب والفنون بيت الحكمة قرطاج2003
بول ريكور الحقيقة والتاريخ طبعة سوي باريس 1955
بول ريكور فلسفة الإرادة الإنسان الخطاء ترجمة عدنان نجيب الدين المركز الثقافي العربي بيروت/ الدار البيضاء2003

هوامش:
[1] بول ريكور الحقيقة والتاريخ طبعة سوي باريس 1955ص235
[2] بول ريكور الحقيقة والتاريخ طبعة سوي باريس 1955ص239
[3] بول ريكور الحقيقة والتاريخ طبعة سوي باريس 1955ص256
[4] بول ريكور العادل الجزء الأول تعريب بيت الحكمة قرطاج2003 ص11
[5] بول ريكور فلسفة الإرادة الإنسان الخطاء ترجمة عدنان نجيب الدين المركز الثقافي العربي بيروت2003ص246

كاتب فلسفي