quot;لقي 56 شخصا على الاقل مصرعهم واصيب ما يزيد عن 120 بجراح نتيجة انفجار سيارتين مفخختين قرب سوق في حي بغداد الجديدة شرقي العاصمة العراقية. وقال مراسل للوكالة إن السيارتين انفجرتا عند مرور رتل امريكي بالقرب منهما. ولم يبلغ عن سقوط ضحايا في صفوف القوات الامريكيةquot; ( وكالات انباء)

مثل هذه الانباء وللفضاعة غدت بالنسبة للمتلقي العربي خبرا غاية في العادية، كانه يسمع ان شجرة سقطت او نيزك تهاوى دون ان يرف له رمش عين. وابدى العربي الذي يزعم من اعماق لسانه ان العراق عزيز عليه لتاريخه العريق ولكرمه اللامتناهي وتضامنه اللامحدود مع العرب وغيرهم من الشعوب وقت المحن. لامبالاة مروعة حينما يعلن ان ضحايا الاعمال الارهابية كانوا بالمئات. ولم يرف له رمش عين حينما كانت تتوارد الانباء يوميا عن وقوع ضحايا القتل البشع لابناء الجزائر على يد قوى ظلامية كانت تتستر كما تتستر القوى الفاشية والارهابية في العراق اليوم بالدين والامة .ان العربي لم يشهر سيفة لنصرة الضحية من العرب كما تفعل الامم الاخرى في مثل تلك الاحوال. لم نسمع حتى عن مظاهرات احتجاج او تنديد من قبل نقابات او جمعيات مثقفين، بقتل الانسان العراقي او الجزائري او في لبنان وغيرهم. دعونا نتساءل من يقتل من؟ العربي يقتل العربي اليس كذلك. ولكن العربي نفسه سيقيم الدنيا ويقعدها ويتوجه للمنظمات الدولية ويلعن النظام الدولي ويدعو مجلس الامن لعقد جلسة طارئة ويشكل لجان تحقيق حينما يقترف الاسرائيليون او غيرهم من الاجانب جرائم قتل العرب. العرب اذن تستبيح قتل ابناءها بيد ابناءها وتحرمها على الاخر؟. او الموقف طائفي بحت؟ العربي يسمح بابادة العرب الاخرين من طوائف غير طوائفهم. العرب وقفوا موقف المتفرج حينما اشتعلت الصدامات في اليمن وفي السودان وحينما كانت طاحونة القتل تمارس بعملها في شمال العراق ضد الاكراد الذين يتوجب على العرب حمايتهم لانهم يعيشون بكنفهم في اطار الدولة التي يديرونها. وكم من العرب زعق حينما اعدم اعتى دكتاتور في العالم بعد محاكمة شفافة وعادلة. واسفر تقاتل الاخوة الاعداؤ في غزة عن قتل مالايقل عن 90 شخصا بينهم ايضا اطفال ونساء ومدنين. ولم يحتج العرب على القتلة الاخوة. لم يعرفوا هويات الضحايا. وفي الذاكرة الكثير من المواجهات العربية ـ العربية التي سجلها التاريخ ولكن القلوب تتعامل ببرودة معها. فهل تتدهور قيمة الدم العربي حينما يقتل على يد اخية.
لقد تخلت الامم المتحضرة بقوة عن التقاتل واستباحة دم القريب ووضعت طابو عليها.وذهبت دون رجعة نزعة ممارسة القتل الجماعي ضد ابناء الشعب الواحد، لتحقيق اهداف سياسية او طائفية او منفعة شخصية.ولكن العرب يمارسون القتل يوميا دون تانيب ضمير، وندخل يوميا في سجالات ونسمع ونقرأ يوميا ونتصفح وجوه تبدو انيقة من على الفضائيات العربية التي تبارك استباحة الدم العربي على يد العربي. ويبرر كل هؤلاء القتل الجماعي او يصمتون عليه من منطلقات يعتقدون بها قومية او وطنية او طائفية. وكثير ما يدعموها بمصطلحات غامضة جدا بالدفاع عن الهوية والاصول. او مكافحة المحتل والتصدي للثقافة الوافدة. ويتناسون عن عمد وقصدية ان القتل يطول ابناء جلدتهم الذين لايملكون القرار ولايشاركون في صنعه.
وتتوارد للذهن التجربة الروسية. فبعد الحرب الاهلية وممارسات القتل الجماعي ضد الابرياء في عصر ستالين ومن ثم الحرب الثانية والغزو لافغانستان، باتت روسيا تنفر من رائحة الدم البشري المسفوح وهدر دم الاخ ،وربما هذا هو السبب الرئيسي الذي حال دون وقوع حرب اهلية كانت مقدماتها قد نضجت بعد انهيار الاتحاد السوفياتي. لقد تراجع الجميع عن التقدم في معركة شاملة في اكتوبر 1993 حينما لاحت في الافق نذر حرب اهلية وسفح الدم. وغمد كل واحد غدراته في حزامه وراح بعيدا عن جبهة الاقتتال لانه ادرك ان ضحيته سيكون من مواطنيه ولذلك رفض سكان روسيا حرب الشيشان وقبلها افغانستان ولم يتعاطفوا باغلبهم مع المشاركين فيها.
وتنامت النزعة الرافضة لقتل قتل الاخ بالانسانية بالوطن بالدين ابن الحارة. ويبدو ان العرب لم يرتقوا بعد لهذا المستوى رغم الحروب الطاحنة التي عرفها تاريخهم. او انهم لم يعرفوا تاريخهم. ان بشرا فاقدون لروح الانتماء قادرون وحدهم على قتل الاخ. الاخ الذي لم يعرفوه بالوجه ولم يتنازعوا معه على مال او يختلفوا على قضية انه اخ بالانسانية والتطلع والارض والنهر الواحد والسماء اخ بائع في ساحة التحرير او سوق الشورجة ببغداد او يتبضع في شوارع غزة او كان يغط بنوم في قرية نائية من قرة الجزائر.
لماذا يبارك او في افضل الحالات يقف العربي صامتا اما اعمال القتل الجماعي حينما تطال ابناء جلدته الذين يشاركونه اللغة والمعتقد الديني والتاريخ والمشاعر والقيم؟. هل هو حقد تاريخي دفين ينتعش من حين الى اخر من مخلفات العصور القديمة انها يد الماضي جاثمة على ذهنية العربي المعاصر لحد انه لم يستوعب قيم العصر. او ظاهرة انحراف نفساني نتركه لاطباؤ النفس وعلماء الاجتماع.ان الصمت حيال القتل الجماعي الذي ياخذ ابشع صوره في العراق في كل الاحوال حالة رديئة للغاية تبرهن على تخلف الدهنية العربية وانها لم تتعلم ولم تتعض من دروس وتجارب التاريخ الماضية تتناسى انها تهدد وجودهم ككيان. تؤكد ان هاجس النفور من رائحة الدم البشري المستباح لم ينضج عند قطاع واسع من العرب. وان حياة الانسان مازالت كما كانت في عصور الظلام التي مروا بها، مازالت رخصية. وهذا بحد ذاته خيانة يمارسها الذين يبررون القتل للعربي على يد العربي ويصمتون عليه وتتعالى اصواتهم حينما يسفح هذا الدم. ان الدم العربي واحد سواء سفح على يد اجنبي ام على يد عربي.