2007 جواز مرور صعب
مقدمة
اشكركم ايها الاصدقاء متمنيا لكم سنة جديدة مليئة بالتقدم والتطور والمنتجات الجديدة، وان تنصلح خلالها اوضاع الشرق الاوسط والعالم كله.. واتمنى من صميم القلب ان يكمل العراق مخاضه الصعب الذي استمر طويلا معه.. وان يتوقف نزيف الدم على ترابه وان تقدم الولايات المتحدة خطتها الاستراتيجية الجديدة لتكون مشروعا للتغيير وتثّبت فيها جدولا بوجودها وكيفية انسحابها من العراق.. واقترح عليكم ايها الاصدقاء تأسيس فريق عمل منذ الان لمعرفة وقياس طبيعة الاحداث التاريخية التي تمر بها البشرية في نهاية كل عام.. واشكر الصديق القديم الدكتور توماس لنك على تقديمه الذي افرحني كثيرا.
مدخل : نعم، انه انقسام في العالم الاسلامي!!
ان جواز مرورنا نحو العام 2007 يؤشر لنا علامات استفهام كبيرة حول ما جرى في العام 2006 وادوات اتصاله بالعام الجديد الذي اتوقع فيه تفاقم حدة الانقسامات وازدياد الصراعات ليس في العالم الاسلامي، بل في واحدة من اكثر مناطق العالم سخونة، هي منطقة الشرق الاوسط التي تغرق اليوم بمشكلات صعبة ربما لم تمر بها سابقا بتحوّل ازمات القرن العشرين السياسية وصراعات المؤدلجات الفكرية الى حالات جديدة من الانقسام الثنائي في العالم الاسلامي وبواجهات ليست سياسية حقيقية، بل بمضامين طوائفية ودينية وعرقية ممّا قاد وسيقود المنطقة حتمااجتماعية نحو انقسامات خطيرة.. وكأننا نعيش حالات اوربية كسيحة كالتي مّرت في القرن السابع عشر، والمشكلة ان الكنيسة في اوربا كانت مستمرة في سلطتها المتوارثة منذ العصور الوسطى، في حين ان العالم الاسلامي لم يمر بسلطة كهنوتية ولا بصراعات هرطقية، وقد انقلبت المجتمعات على عقبيها اليوم، لكي تمر بصراعات طوائفية لأن السلطة اصبحت بأيدي رجال دين.. ان مجتمعاتنا كأي مجتمعات متخلفة لا تعرف حدود مخاطرها في عواملها الداخلية واستنادا الى افكار كارل مانهايم، فان المجتمعات تتّقبل بسرعة ما يدغدغ احلامها، فتعيش سرابا وهي تعتقد انها فوق الجميع.. في حين انها متهرئة ومتهتكة ولا تعرف معالجة اوضاعها الا من خلال شعوذات سايكلوجية او من خلال صراعات هرطقية!
من صراع الدول الى تفكك المجتمعات
واذا كانت السنوات الاربع الماضية ومنذ سقوط النظام السابق في العراق واحتلال العراق قد غّير المعادلة بالانتقال من كل ترسّبات الايديولوجيات اليسارية وفراغات التنظيمات الحزبية سياسيا الى انقسام واضح بين السنة والشيعة طائفيا، أي بمعنى تفكك المجتمعات واقعيا.. ولم يكن بوسع أي فكر سياسي ليبرالي ان يسد الفراغات الناتجة عن افول الانتماءات الوطنية والقومية، بحيث كانت الامتلاءات الطائفية اكبر بكثير من افكار الاحرار المؤهلنة وهي قليلة ومحاربة، بل والانكى من ذلك انها اتهمت من قبل قوى اليسار سابقا واليمين الديني لاحقا بالعمالة للامريكان.. اريد القول ايضا ان السياسة الامريكية قد ارتكبت اخطاء فاحشة في التعامل مع الواقع كي تذكي روح الطائفية والكراهية بين الاعراق باستخدام شعار quot; المكونات quot; بدل مبدأ quot; المواطنة quot;.. اي بمعنى التحّول من الصراعات السياسية التي عرفناها في القرن العشرين الى التصدعات الاجتماعية التي سيعرفها القرن الحادي والعشرون.. وفي هذا خطورة لا يشعر بها الا من يتأمل طويلا في متغيرات المعادلة في الصراع المتحول من الخفي الى المكشوف.. واللعبة الدموية هنا هي بين الاكثريات لا بين الاقليات، فعلي الاقليات ان لا تتدخل في الصراع ازاء هذا او ذاك لأنها سوف تحترق مباشرة!
وبقدر ما يحدث اليوم من صدام واسع في الثقافات، فان الانقسام بدأ يترسّخ شيئا فشيئا في المجتمعات الاسلامية قاطبة بعد ان استثمرت خفاياه ومسكوتاته طويلا فينفضح علنا في القرن الواحد والعشرين.. ان من يراقب ما يحدث يوما بعد آخر منذ 11 سبتمبر 2001 واحداث تلك الهزة العالمية التي لم تزل يكتنفها الغموض والشكوك والريبة كما يوضح ذلك العديد من المحللين والكتاب الغربيين، سيراقب تداعياتها السريعة وما نتج في العام 2002 باحتلال افغانستان، وما نتج في العام 2003 باحتلال العراق، وما نتج في العام 2004 من العمليات الارهابية واسعة النطاق في منطقتنا.. وما نتج في العام 2005 من مذابح في مناطق عدة من المنظومة الاسلامية.. وما نتج في العام 2006 بانقسام لبنان والحرب، وما سينتج في العام 2007 من تعميق الهوة والانقسام في العالم الاسلامي الذي تتبلور اثقل مشكلاته في الشرق الاوسط.. من يراقب ثقل المركبات الاجتماعية والتعقيدات التي تتفاقم الانقسامات من جرائها ليجد انها تزداد ثقلا ودموية بفعل ازدياد التعصبات يوما بعد آخر.. وكأن ثمة سياسة مخطط لها ان تكون والشرق الاوسط في رعايتها تماما.. ان ازدياد الشروخ ومشروعات التمزق وعمليات القتل وكل عمليات الارهاب والتفخيخات والاعمال المضادة هي في الحقيقة تنفيذ لخطط موضوعة على الارض من اجل تمزيق نسيج المجتمعات في المنطقة، او الاسراع بخلق الصراعات الداخلية وتفاقمها سريعا الى حيث المواجهة الكبرى من خلال حروب اهلية مسعورة! وعلى من يبحث عن المسبب والمنفّذ عليه ان يبحث عن المستفيدين الاساسيين من ذلك.
بعد خمسة قرون من الانقسام التاريخي للعالم الاسلامي
يكاد ما يحدث اليوم شبيه الى حد كبير بالذي حدث في اوائل القرن السادس عشر في منطقتنا، اذ كان هناك انقسام خطير في العالم الاسلامي بين السنة والشيعة ممثلا بامبراطورتين مثقلتين بالاحقاد والكراهية واحدتها ازاء الاخرى.. العثمانية السنية والصفوية الشيعية، وقد دام الصراع قرابة اربعة قرون وكانت ساحته الفعلية بين الجانبين في كل من ارمينيا والعراق، بل وجنى ذلك الصراع المزمن على العراق نفسه وبالرغم من الحفاظ على نسيجه الاجتماعي، الا ان تأثيرات ذلك الانقسام كان كبيرا جدا من قبل الطرفين على التركيبة الاجتماعية والثقافية العراقية.. الفرق بين الامس واليوم هو الفرق بين وجود امبراطورتين قويتين تصارعتا حربيا واقتصاديا قبل صراعهما اجتماعيا وثقافيا، ولم يسمحا بتدويل الصراع، اليوم نجد الصراع اخطر بكثير جدا من صراعات التاريخ الحديث بفعل الحجم السكاني وتكنولوجيا الاعلام وتدويل المشكلات وازدياد التعصبات وتنازع الدول العديدة وتباينات النسيج الاجتماعي.. واضيف ايضا ان الصراع ذاك لم يتدخّل فيه العراقيون وبقي المجتمع العراقي يحافظ على اجزائه.. في حين اجد العراقيين اليوم وقد اصبحوا مادة للصراع، بل وقودا للحرب والانقسامات!
لا اريد من استدعاء التاريخ الا رسم صورة مشابهة لما يحدث اليوم بتأثير الانقسام التاريخي الاول للعالم الاسلامي في القرن السادس عشر.. صراع اليوم لم يزل في طور التبلور، واعتقد ان السنة 2007 ستشهد تفاقما في حدة الخلافات الاجتماعية في منطقتنا والتي ستزيد من وتيرة اعمال العنف التي اعتقد انها ستبدأ بالانتشار شيئا فشيئا متخذة العراق بؤرة او قعرا للتشظيات والدمار بفعل استراتيجيته الكائنة في قلب الشرق الاوسط.. الشرق الاوسط سينقسم شئنا ام ابينا الى قسمين اثنين لا ثالث لهما وما بينهما اسرائيل التي ستشهد مسرحية الصراع الطويل.. انه صراع طوائفي بالدرجة الاولى وبين قوتين اجتماعيتين تسعى كل واحدة منها لالغاء الاخر، او بالاحرى منظومتين اجتماعيتين ترعاهما دول ذات كيانات سياسية.. ليرقب المرء حالة التخندق وافتقاد اغلب السياسيين وحتى اعلى المثقفين قناعاتهم المدنية ومبادئهم الوطنية كي تغدوا الهوية الطائفية ابرز عناوينهم واغرب همومهم.. تجدهم يتشدقون باسم الوطن والوطنية او العروبة والقومية او الاسلام والروح المحمدية او الاتحاد والوحدة الاسلامية.. ولكن اولوياتهم مع النزعة الطائفية والتحسس منها.. لقد ازدادت الاصطفافات مع هذا التخندق او ذاك في حقيقة الامر بالرغم من كل الاكذوبات التي نسمعها اعلاميا والتي تتحدث عن الاخوة والمحبة والتعايش.. ان هذا كله سيزداد بشكل لا يصدق في العام 2007 ndash; 2008 وستزداد المواجهات الدموية، بل وستتسع مدياتها الى مناطق اخرى، فالمشكلة لم تعد محلية او حدودية او مناطقية، بل ان التخوفات تعّم كل ارجاء الشرق الاوسط من امتداد ليس التطرف الديني بحد ذاته، بل من التعصّب الطائفي بأقسى صوره.. وثمة دلالات لما اقول كالذي يأتي على لسان عدد من القادة في المنطقة، ومنها ـ مثلا ـ ما اشار اليه كل من الملك عبد الله الثاني من خلق هلال شيعي او تصريح الرئيس حسني مبارك من ولاء كل الشيعة لايران.. وعلى الطرف المقابل صّرح الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد انه لا يريد الدفاع عن حدوده الوطنية بل الدفاع عن حدوده الشيعية .. ناهيكم عن استماتة السيد عبد العزيز الحكيم من اجل حوار ايراني ـ امريكي لترتيب اوضاع العراق والمنطقة وبعد تدخل ايران السافر في العراق. هذه دلالات واضحة لكل محلل او مفكر حيادي عن حرب باردة ستشتعل آجلا ام عاجلا وتغدو حربا أهلية شاملة.. وهنا انبه الى ما سيحدث متمنيا ان يسمع كل الفرقاء لما اقول..
الانقسام الثنائي وراء التمزقات الاجتماعية
ان الانقسام في العالم الاسلامي هو وراء كل التشققات التي ستصيب بنيوياتنا الاجتماعية بدءا بالعراق الذي سيكون ساحة لصراع السنة والشيعة، ذلك quot; الصراع quot; الذي ستفجره التحديات والاستجابة لها عن بعد او قرب، واطالب بوقف الزيف الطائفي في العراق مهما كانت الاثمان.. ان الانقسام سيصيب المنظومة الشيعية ازاء المنظومة السنية المتشظية دوما بعد الحرب الباردة ونزاعات الدواخل والاستصال والتهجير الى حيث يقع الانفجار باعتى صوره الدموية.. انني اعتقد بأن كلا من المنظومتين قد زادت من شحناتها العدائية ضد الاخرى بفعل وصول الاحزاب الدينية الى السلطة في العديد من دول المنطقة، وهذا ما نبهّت اليه عندما اجتمعنا في بوردو وكما ذكرّكم الصديق توماس لنك في مقدمته.. قلت ان سنة 2006 ستشهد وصول احزاب دينية الى السلطة في بلدان ومجالس نيابية عدة وسيزيد ذلك من اشتعال المنطقة.. وبطبيعة الحال انه منطق التاريخ ان تصطدم العقائد ان وصل اصحابها الى سدة الحكم وصنع القرار، فانظروا ماذا حدث في العراق ولبنان وفلسطين والصومال ومصر والبحرين والكويت وغيرها..
ان الشحن الطائفي واللغة الطائفية هما تعبيران عن ارادة تريد ان تحيا لوحدها في السلطة، ولكن اي نوع من السلطة ؟ انها السلطة السياسية والاجتماعية معا.. ولماذا ؟ لأن كل طرف يسعى لكي يقول انا الافضل على الاخر وبفضل التشبّث بالوازع الديني، والابقاء على كل عفونات التاريخ تتحكم في مصائرنا ومستقبلنا.. تصبح الطائفة هي المقدسة بنظر اصحابها ضد الطائفة الاخرى التي تعدها كافرة لا تستقيم مع الحياة لا في الدنيا ولا في الاخرة!
استطيع القول ان العام الجديد 2007 سيولد وقائع واحداث خطيرة وهي امتداد لاحداث 2006 ووقائعها.. وربما لا يعرف حتى بعض المسؤولين من الحكام وصناع القرار في منطقتنا لما يخبئه العام الجديد ويحمله في طياته من أحداث على مختلف الصعد. ان حدثا تاريخيا مخيفا سيحدث وسيؤثر على سيرورة ليس الشرق الاوسط وحده، بل كل العالم خصوصا ونحن نعلم بأن الشرق الاوسط خاصة والعالم الاسلامي عامة يحتلان قلب العالم كله.. وبعيدا عن الاقليم، فان ثمة اضطرابات واسعة النطاق ستحدث في بعض المدن الاوربية وهي متصلة بتلك الاضطرابات التي حدثت بفرنسا سواء بباريس ام في مدن فرنسية اخرى خلال العام 2006 نتيجة تصادم الثقافات الذي نشهده بشكل واضح في نقل التناقضات من العالم الاسلامي الى العالم الغربي.
لا نهاية للحرب في العراق؟
انني اعتقد بأن الحرب في العراق سوف لن تضع اوزارها في العام 2007، وبالرغم من الجهود التي ستبذلها الولايات المتحدة الامريكية رفقة الحكومة العراقية التي تقف اليوم رهينة وفق الارادة الامريكية ورهينة بيدها، فان عملية الصراع الداخلي في العراق قد اخذت لها مديات اجتماعية يصعب على اي حكومة الان ان تسيطر على الموقف تماما.. ذلك ان العواطف المذهبية قد مست بالصميم.. وان أي معالجة أمنية من الحكومة مهما كانت قانونية فانها ستكون موضع اتهام من قبل السنة العراقيين واعتقد ان الولايات المتحدة الامريكية لم تكن تتوقع كل هذا الذي يحدث على التراب العراقي، او ما يحدث من صراعات اجتماعية متبادلة تحت اتهامات ومسميات كل طرف يلقيها على الطرف الاخر، وكل طرف يبرر لنفسه ذرائع متعددة ضد الاخر، وانها تتفاقم الى حرب الانتماءات والاعراق، ولكنها لم تستطع ان تقاوم لوحدها، الا بفرض صياغات اخرى للحرب او ترجمة الاحقاد اللامتناهية بين السنة والشيعة من اجل ان يبقى كل طرف ينكّل بالطرف الاخر!
ولا اعتقد ان الولايات المتحدة ستسحب قواتها من العراق في شهر مايو / ايار 2007 ولا حتى في العام 2008.. ربما ستبدأ بتنظيم وجودها على التراب العراقي ضمن خطط جديدة وحملات قصف او ضرب مصالح ايرانية كي تحافظ من خلالها على امرين اساسيين : الحفاظ على اقل ما يمكن من الخسائر، ثم الحفاظ على اكبر ما يمكن من المصالح! والمشكلة في الامريكان انهم غير محايدين في معالجة الوضع العراقي ابدا.. وبالرغم من ذلك، فان العراقيين هم المسؤولون مسؤولية كاملة عن وضعيتهم التي وصلوا اليها.. وانني اناشد كل المثقفين والكتاب والمحللين العراقيين والعرب ان يكونوا حياديين في معالجة هذا الانقسام والصراع.. عليهم ان لا ينكروه كيلا تأخذهم العزة بالاثم، وعليهم ان لا يرموا بالذرائع على طرف دون طرف آخر.. وعليهم ان يخرجوا من اطواقهم السياسية ليكونوا اصحاب معرفة ولو لمرة واحدة ويعترفوا بأن اذكاء الصراع الذي يمتد اليوم في العالم الاسلامي بسرعة شديدة ليس بسبب مجموعات مسلحة او قوى تكفيرية او جماعات ارهابية او تنظيمات صدامية.. وانها ليست كما يقول الطرف السني كونها حكومة مالكي او سياسة اطلاعات او طابور صفوي.. الخ انها عوامل اعمق بكثير مما يتصورون.. انها ظاهرة انقسام طوائفي تشترك كل العوامل لاذكائه كي ينهي كل طرف الطرف الاخر.. ان منطق بعض المثقفين العراقيين في الوقوف والاصطفاف طائفيا هذا اليوم سيسهم في المحرقة.. وعلى كل طرف ان يتنازل عن شعاراته وحتى عن معتقداته الطائفية!
انني اعتقد بأن الحرب الامريكية المدولنة ستمتد الى طرفين اساسيين، ولكن تحت غطاء اقليمي وضمن غلو الصراع الطائفي، الطرف الاول تحالف ايراني شيعي والطرف الثاني تحالف عربي سني، واعتقد ان تركيا سوف لا تدخل أي تحالف، ولكنها ستبقى متربصة لما سيحدث في كردستان العراق وسيكون لها اوراقها التي ستلعبها وهي تنتظر لعبتها منذ العام 1926.. اما انقسام العالم الاسلامي فسوف تتبلور عن ذلك تحالفات لكل طرف من الطرفين الاثنين، اي بمعنى: خلق جريمة الحرب الدينية الاهلية في المنطقة بين طائفتين من المسلمين وكأن امريكا غائبة، ولكنني اعتقد انها ستحرك ماكنة الحرب بعد ان تشعل وقودها من دون ان تتركها، ولكن الشرق الاوسط سيخرج منها معدما اقتصاديا محطما عسكريا ممزقا اجتماعيا وهو الاضعف سياسيا..
ان مشاهد تاريخية القرن السادس عشر خلال العقود الاول والثاني والثالث منه ستعيد سيناريوهاتها ضمن سيرة ثانية، ولكن بالبسة جديدة وشخوص مختلفة وباليات متباينة وبقوى متنوعة وبكيانات وتحالفات اخرى.. وبطبيعة الحال، سيكون هناك الاقوى والاضعف ولكن مع غياب الخاسر والمنتصر.. سيكون هناك كم هائل من المآسي والانسحاقات الاجتماعية واستئصال الانسان وغيبوبة الاقليات التي ستدفع اثمان باهضة من ضرائب الدم وهي واقعة بين مطارق هذا الطرف وسنادين الطرف الاخر!
العراق يحدد مصير المنطقة كلها
ان العراق هو الذي سيحدد مصير المنطقة بشكل كامل، وهي لن تتخلص من ان تجد نفسها بين قواعد عسكرية امريكية هنا وهناك.. ربما كان تموز/ يوليو القادم نقطة تاريخية فاصلة في الصراع بالعراق، اذ ستأخذ الحرب الاهلية لها مدى جديد من التطور المأساوي مع ما يمكن تحديده حول مصير القوات الامريكية.. وسيكون تموز / يوليو 2007 نقطة فاصلة في تاريخ العراق بعد ان يعدم صدام حسين للخلاص من اسراره وحدوث انشقاقات في البنية البعثية الخفية التي تشتغل اليوم تحت الارض. واعتقد ان آلية الحكم الحالي في العراق سيصيبها التغيير ومن المحتمل ان يأتي الى السلطة رجل قوي كي يحكم العراق الممزق، وسواء حدثت تعديلات على الدستور الذي اقر في العام 2005 ام لم تحدث، فان الزمن سيطفئ الكثير من بنوده التي لم نعد نسمع نغمات ما كنا نسمعه في العامين 2004 و 2005. واعتقد انه حتى مع حدوث اي تغيير في آليات الحكم في العراق، فان مشكلات العراق اكبر من ان تحل في الداخل فقط، ما لم تجد لها حلولا جذرية حاسمة في الاقليم وخصوصا تدخلات الدول المجاورة وجعل العراق ساحة للصراع وتكريس انقسام العالم الاسلامي.
ان مشكلات العراق الداخلية لا يمكن ان تحل ان لم يتنازل الفرقاء المحليون عن طموحاتهم ومشروعاتهم التي ستودي بحياة العراق ويا للاسف.. وانها بوابات مشرعة للتدخل وخصوصا من قبل دولتين قويتين لهما حدود طويلة مع العراق ولهما ميراث تاريخي من الصراع القديم. هذه المعادلة لم ولن يفهمها العراقيون حتى الان بالرغم من مناداتي بها ـ كما يعلم العديد من الزملاء الموجودين هنا الان ـ منذ 25 سنة مضت، وكتبت عنها العديد من الابحاث العلمية وخصوصا حول انقسام العالم الاسلامي لأول مرة في التاريخ الحديث وكيف كان العراق ساحة للصراع التاريخي.. ان مشكلتنا مع تركيا لا تقل ابدا عن مشكلتنا مع ايران وكل الحلول بالمعاهدات والاتفاقات او بالحروب والصراعات لم تنفع حتى يومنا هذا.. وليعلم كل عراقي بأن مشكلاتنا الحدودية مع كل من سوريا والاردن والسعودية والكويت لا يمكن ان تقارن ابدا بمعضلاتنا التاريخية الحدودية مع ايران اولا وتركيا ثانيا. وان من يريد ان يتفلسف ويدلي برأيه حول هذا quot; الموضوع quot; من العراقيين ايا كان قائدا سياسيا او مثقفا مؤدلجا او مواطنا عاديا عليه ان يتسّلح بالمعرفة التاريخية الدقيقة لتطور مشكلاتنا التاريخية مع الجوار وحول هذا quot; الموضوع quot; بعيدا عن عواطفه المذهبية او نزعاته القومية او تشظياته الطائفية او تحزباته العروبية!!
توقّعات لاحداث مصيرية
اعتقد ان سوريا ولبنان سيدخلان معترك تاريخي جديد في العام 2007، وربما كانت اسرائيل طرفا لحسم قضايا معلقة كثيرة بعد احياء عملية السلام، ولكن سيكون اللعب باوراق جديدة ضمن مباحثات من طور خاص، ولكنها ستتعثر مع الفلسطينيين الذين ستحدث لديهم مفاجئات غريبة.. ان الشرق الاوسط برمته سيشهد مفاجئات غاية في الدهشة كما اعتقد وكلما ازددنا اقترابا من العام 2009، ستزداد المفاجئات كثيرا كما تخبرني بذلك احداث تاريخية مشابهة حدثت متسلسلة في تداول ما اسميته في نظرية الاجيال بـ سلاسل التاريخ! اغرب المفاجئات اعتقد انها ستحدث في ايران ومن قبل الرئيس محمود احمدي نجاد الذي سيزيد من تحديه للعالم باسره.
ستشهد سنة 2007 عدة اعمال ارهابية في اكثر من مكان في العالم ضمن سلسلة التهديدات التي تطلقها منظمة القاعدة.. مع سلسلة احداث مأساوية ومواجهات في القرن الافريقي اولا وفي الشرق الاقصى ثانيا وبطبيعة الحال في الشرق الاوسط باحداثه الدموية المزمنة. ان صورة الشرق الاوسط عند نهاية العام 2007، ستكون مختلفة تماما عن الصورة التي نترك العالم فيها ونحن في نهاية العام 2006.. واقول بأن المتغيرات السياسية السريعة التي ستحدث في السنة 2007 سوف لا توقف حالة التبدل الاجتماعي وعملياته التي تمشي ببطء وهي تخطو نحو نشوب صراع مزمن وانقسام واسع النطاق في العالم الاسلامي. انني اعتقد بأن انقسام العالم الاسلامي اولا : سيخرجه بعد مضي ازمان بأوضاع مختلفة تماما عما الفه تاريخنا منذ مئات السنين.. وثانيا : ان البشرية جمعاء ستستفيد من ذلك وخصوصا من النواحي الاقتصادية.
وثالثا : ستجد المجتمعات نفسها في حالة تفكير جديد يزيد من وعيها باتجاه حياتها في الدنيا بديلا عن طقوسها وعاداتها وتقاليدها الرثة.
وأخيرا : سنة 2007 لا تقرر مصير العالم!
نعم، سنة واحدة هي لا شيئ في سيرورة التاريخ البشري.. ربما ستمتلك حدثا مهما او عدة احداث تاريخية، ولكن ليس معنى هذا انها ستكون سببا في انقسام العالم الاسلامي.. فهذا العالم الاسلامي الذي يتراجع يوما بعد آخر الى الوراء ليس بحكم تخّلف ابنائه ولا بسبب بلادة حكامه، بل بازدياد حدة التناقضات فيه يوما بعد آخر وخصوصا منذ بدء انطلاق ثورة المعلومات قبل عشر سنوات وحالة تقف ازاءها اسموها بـ quot; الصحوة الدينية quot;، وكل سنة تتفاقم مشكلات العالم الاسلامي وتزداد تمزقاته وتكثر التدخلات الخارجية فيه.. الانسان فيه يرتبط ارتباطا عضويا وعاطفيا وبيئيا بكل موروثاته وتقاليده وطقوسه.. وفجأة يجد نفسه عاريا تنفضح كل اسراره وتتدفق كل مكبوتاته وتتصادم كل افكاره على كل شاشات التلفزيون وكل شبكات المعلومات الدولية.. عالم لم يزل يستهلك اقواله وحكاياه.. وعالم يعبر عن واقع مأساوي بكل ما تحمله الكلمة من معان.. عالم مضى عليه مئة سنة وهو يشهد تحرر العالم كله من دون ان يتحرر هو من كل قيوده واصفاده ومركباته وتعقيداته.. عالم تكثر فيه الكوارث والاضطهادات وكل مظاهر العصور الوسطى.. عالم موبوء بالامراض والمجاعات والطواعين والجهل والسايكلوجيات الصعبة والحروب والتقسيم على مفاصل قبلية وعشائرية وطائفية وجهوية يتفاخرون بها.. عالم تمارس فيه كل الطقوس الجنونية المضمخة بالدماء الحمراء القانية.. عالم لم تزل مجتمعاته تؤمن بالهلوسات والخزعبلات وتسحق فيه النساء ويمتهن فيه الرجال وتعذب فيه الاطفال.. عالم يستهلك وقته كله بالكلام الفارغ والمواعظ الرتيبة والاحاديث التافهة.. عالم بلا آليات ولا خطط ولا برامج.. عالم لا يعرف الا الكراهية والاكاذيب وتوافه الامور.. عالم ملئ بكل التناقضات والمزدوجات بحاجة الى ان يقف كل العالم معه ليخرجه من المحنة.. يقف معه ليرسم له طريق الخلاص.. يساعده من كوارثه ومجاعاته وامراضه ونكباته.. عالم بحاجة الى ان تعالج مآسيه البشرية قاطبة.. عالم بحاجة ان يختزل الزمن بواسطة من يقف الى جانبه ليخلصه من الحروب والمآسي.. عالم يضم الالاف المؤلفة من اهم المثقفين وابرع الفنانين وابرز المبدعين الذين ينتظرون احلامهم تتحقق باوطان هادئة ومنتجة وعاملة ومسالمة ومتعايشة.. عالم اسلامي ومنطقة شرق اوسط نريدهما بلا احتلالات وبلا ارهاب وبلا غزوات وبلا ملل ولا نحل وبلا طوائف وبلا تقاليد وعادات بالية.. دعونا ننتظر ما سيأتي به العام 2007.. ونردد قائلين : لا تصفقوا يا اخوان، فالمهزلة لم تنته بعد!
شكرا لاصغائكم ودعوني استمع الى اسئلتكم
مختصر مترجم للمحاضرة التي القاها الاستاذ الدكتور سّيار الجميل في منتدى دراسات المستقبل المنعقد في طوكيو 26ـ28 ديسمبر 2006 وقدّمها البروفيسور توماس لنك، وقامت بتعريب النص : د. سمر ماضي / المانيا.
التعليقات