خلوّ قائمة افضل500 جامعة على مستوى العالم ، من جامعة مصرية واحدة.. حصول جامعة القاهرة على المركز 28 في ترتيب أفضل مائة جامعة في أفريقيا.. عدم اعتراف بعض الجامعات العربية بالشهادات والدرجات العلمية التي تمنحها جامعاتنا.. التدهور الحاد للبحث العلمي المتميز تأليفًا ونشرًا...
أربعة أسباب دفعتنا إلى التوجه لثلاثة مسؤلين كبار عن التعليم الجامعي في مصر : د. حسام بدراوي رئيس لجنة التعليم بأمانة السياسات بالحزب الوطني ، والعضو البارز في الحزب الوطني الديمقراطي ، د. علي عبد الرحمن رئيس جامعة القاهرة ، د. علي العبد رئيس جامعة عين شمس .... وطرحنا عليهم هذا السؤال الصادم : هل نهدم جامعاتنا ؟!
د.حسام بدراوى أفتتح القضية بقوله : وجهة نظري أن مبدأ الهدم غير منطقي ؛ لأن لدينا تاريخًا أكاديميًا محترمًا ، وخبرات وتجارب ومصادر غير مستغلة على الوجه الأمثل ، وأعتقد أن تفتيت الجامعات كبيرة الحجم إلى جامعات أصغر ، بدلا من حالة الترهل الموجودة حاليًا. سوف يقلل من عدد طلابها ، وتصبح درجة الاستفادة العلمية أكبر ، وقتها فقط يمكن أن نطبق عليها معايير الجودة.
ما يدفعنا إلى هذا الرأي أن الجامعات المصرية تمتلك ثروة هائلة من أعضاء هيئة التدريس ، يجب أن تستغل في جامعات أصغر وأكفأ ، فإذا أصبحت جامعة القاهرة أو عين شمس أربع أوخمس جامعات مثلا ، وأن يساهم القطاع الخاص بنسبة 50% في إنشاء هذه الجامعات الجديدة ، سيكون العائد أجدى وأنفع للجميع.
المشكلة الحقيقية أننا مواجهون بأرقام مخيفة ؛ في غضون عشر سنوات فقط ، سيكون هناك 4 ملايين طالب في حاجة إلى 50 جامعة حتى عام 2015، ويصبح السؤال اليوم هو : ما الذي يجب علي فعله حتى أصل إلى هذا التاريخ ؟ ثم ما هو هدفي الأساسي ؟. عليّ أن أشجع ـ كدولة ـ الجامعات الخاصة ،
وفقا لأهداف واضحة ومعلنة ، وعليّ أن أساهم ايضا في التكلفة مع من يبني جامعة في العريش أو الغردقة أو جنوب الوادي في السنوات الخمس الأولى من 2007 حتي 2012 ؛ كنوع من التشجيع والمشاركة ، على أن أطبق عليه في الوقت نفسه معايير الجودة..
وماذا عن استقلال الجامعات ؟
أنظر بعين الاهتمام لرؤية الاتحاد الأوروبي في التعليم العالي؛ حيث تستقل الجامعة استقلالا أكاديميًا وماليًا ، ودون هذا الاستقلال ـ حسب رأيي ـ لن نحقق شيئًا ، وكذلك لا مناص من إلغاء وزارة التعليم العالي سريعًا ودون تردد ، حتى نستطيع تحقيق مرونة وتنوع واستقلالية للجامعات المصرية بالفعل.
ويكفي أن نعرف أن قانون الجودة والاعتماد لم يعمل به حتى هذا العام ، بسبب اصراري الشخصي علي استقلالية هيئة ضمان الجودة والاعتماد ، بينما تصر الحكومة علي إخضاعها إداريًا لها ، سواء للمجلس الأعلى للجامعات، أو لرئيس مجلس الوزراء ، وهو ما رفضته.
في العالم كله محور العملية التعليمية هو quot; الإدارة quot;؛ وتنسب مسؤولية هذه الإدارة إلي مدير محترف دارس لفنون الادارة ، وليس للأستاذة أوالمدرسين بالجامعة. وقانون تنظيم الجامعات الحالي ، للأسف الشديد ، يعمل علي العكس من ذلك تماما ، إذ حوّل الأستاذ الجامعي إلى موظف إداري ؛ لأنه في نظر القانون 49 لسنة 1972 هو موظف حكومي ، وبالتالي فهو ـ في حدود الوظيفة ـ خاضع لشروطها ولوائحها.
ولا يمكن أن نطالب الاستاذ الجامعي بأكثر من دوره كمعلم وباحث ، أو أن نحاسبه علي ما لا يدخل ضمن اختصاصاته.

أما د. علي عبد الرحمن ، رئيس جامعة القاهرة ، فيرى أن في الجامعات الحكومية الحالية مقومات وتجهيزات وإمكانيات لا يمكن إهدارها ، بالإضافة إلى القوى البشرية التي تعتبر من أثمن الأصول في عملية تنمية المجتمع ، السؤال هنا : كيف نستغل هذه الإمكانيات وهذه الأصول ؟
الأمر الثاني؛ أن النظم التي بنيت عليها الجامعة بعضها يتلاءم مع العصر، وبعضها الآخر خارج ايقاع العصر ! ومع ذلك فأنت مطالب بالتحديث والتطوير في المنظومة ككل ، وتلك مشكلة تبحث عن حل.
أتصور أن استكمال التطور والتقدم السريع ، يكون أجدى في الجامعات الأصغر عددًا، والتي تؤسس منذ إنشائها على الاستفادة من التكنولوجيا ونظم الاتصالات الحديثة.
الأمر الثالث هو ضرورة الانفتاح على العالم ، وضخّ دماء جديدة وخبرات حديثة علميًا وتعليميا لاستيعاب التطور المذهل حولنا ، فما ينقصنا حقيقة هو التدريب على المهارات التي تضع خريجنا على نفس الدرجة والمستوى العلمي في الخارج ، ليس المحتوى العلمي فحسب ، فنحن متفوقون بالفعل في نواح كثيرة ، ولذلك لا أنزعج من وجود الجامعات الأجنبية أو الخاصة إلى جانب الجامعات الحكومية ؛ لأن صورة التعليم الجامعي لا تتكامل إلا بهذه الطريقة ، ونحن ننافس في سوق واحدة. والذي يبني جامعة جديدة ، عليه أن يبني سمعةً لنفسه ، أما من يريد أن يشاركني ، ويستفيد من سمعة جامعة القاهرة أو عين شمس فوفقًا للغة السوق ، عليه أيضًا أن يدفع ثمن ذلك.
والقطاع الخاص له دور مهم جدًا ؛ فكيف نقنعه بمردود البحث العلمي، فإذا كنا نحمل الدولة نسبة من الميزانية العامة للبحث العلمي ، فعلي الأقل علينا أن نقنع القطاع الخاص المساهمة بنفس النسبة ... كيف ؟ ، إذا تخلينا عن الفكر التقليدي ، وربطنا البحث العلمي بالمشاكل الحقيقية في مصر ، فلا يعقل مثلا أن نصرف من ميزانية البحث العلمي ملايين الجنيهات لبحث ظاهرة الزلازل في اليابان ، أو لتذويب الثلوج في نيويورك ، وهذا يحدث باسم البحث العلمي.. أين مشكلة الدواء في مصر، أو المناخ الذي أصبح متغيرًا، هذا هو ما يجذب رأس المال الخاص.
وأنا أتعجب من الذين ينشغلون بتصنيف أفضل 500 جامعة ، والتي خلت منها جامعة مصرية واحدة، ففي رأيي ؛ سواء كانت المعايير التي اعتمد عليها التقرير، موضوعية أم غير موضوعية ، علينا أن نبحث عن أسباب وآليات التقدم ، وأن ننظر إلى الأمام ، لأنه ليس أمامنا أي بديل آخر ، يجوز أن يكون ترتيبي هو (501) لكن إذا انتظرت ولم أعمل بشكل جاد من الآن سيصبح ترتيبي الألف !!.
ونحن في جامعة القاهرة بدأنا العمل منذ اليوم استعدادًا وتجهيزا للأعوام القادمة ، فقد اتصل بي أحد الباحثين المصريين الكبار في إنجلترا ، والمتخصصين في تصنيف وترتيب الجامعات على مستوى العالم ، وعرض علي الخطوط العريضة للنهوض واللحاق بأفضل جامعات العالم المتقدم في فترة وجيزة.

من البداية يتحفظ د. علي العبد، رئيس جامعة عين شمس ، علي مقولة الجامعات الأجنبية في مصر، فلا توجد برأيه غير جامعة أجنبية واحدة، هي الجامعة الأمريكية، أما مسميات الجامعات الأخرى، كالكندية، والفرنسية، والألمانية، والإنجليزية..... الخ، فإنها تأخذ الاسم فقط وليس الجنسية، وهي في نهاية الأمر جامعات مصرية برأسمال مشترك مع استقدام بعض الأساتذة من الخارج.
أما الرأي القائل بترك الجامعات الحكومية على حالها، والتفكير جديًا في جامعة أهلية جديدة بمقومات جديدة، فيؤكد د. العبد أن الأمر لن يختلف كثيرًا؛ فالأساتذة ما زالوا هم أنفسهم. أما الجامعة الأهلية المرجوة فهي التي تكون الدراسة فيها عن بعد، وليس بنظام الفصول الدراسية ، وأنا مع التطوير على طول الخط، وأول خطوة للتطوير تغيير قانون الجامعات ؛ الذي يحرم رئيس القسم ، والعميد، وحتى رئيس الجامعة من سلطته الحقيقية ، ويفرّغها من محتواها ، وفتح جامعات جديدة باستمرار، وتفعيل نظام الريادة ؛ بمعنى تقييم الأستاذ على دوره في الريادة ، وربط الأستاذ بالمكان عن طريق عائد مادي واقعي وكريم ، وإعادة النظر في كل المقررات العلمية الموجودة، فلا يعقل بعد ذلك أن يظل قانون تنظيم الجامعات ثابتًا بينما العلم والواقع متجددان ومتغيران علي الدوام.
أضف إلى ذلك أن قانون الجودة والاعتماد يجب أن يرتبط بقانون الجامعات في صورته المرجوّة، وليس بشكله الحالي، ومنصب العميد، أو رئيس القسم يجب أن يكون بالإعلان عن هذه الوظائف، وليس بالتعيين، وعلى المتقدم للوظيفة أن يعلن عن برنامجه، وكيف ينفّذ هذا البرنامج، وأنا ـ كجامعةـ أختار الأصلح؛ في ضوء احتياجاتي ، وأهدافي، وخططي المستقبلية.
ما هو رأيك بالنسبة لمستوى خريج الجامعة ؟
لست قلقًا ؛ فخريج الهندسة عندنا تعادَل شهادته في الخارج ، وفي كندا يتبوأ المصريون مناصب أكاديمية رفيعة، وهم خريجو الجامعات المصرية. أما إذا كنت تقصد تقرير الـ500 جامعة، فأقول لك وبصراحة: إن السبب ليس علميًا أو بحثيًا ، وإنما يتعلق أولا وأخيرًا بالميزانية، وبالاستقلال المالي للجامعات. هذا التقرير يقوم على عدد الأساتذة الأجانب الذين يعملون داخل الجامعات المصرية ، وعدد الأساتذة المصريين في الخارج، وعدد الحاصلين على جائزة نوبل في جامعاتنا، أو ممن كانوا عندنا، وعدد الأبحاث المنشورة في مجلتي نيتشر، وسينس، أو الذين أجروا أبحاثًا مشتركة ، كل هذا تلخصه كلمة quot; الميزانية القاصرةquot;، وهنا يصبح الاستقلال المالي للجامعة أمرًا حتميًا.
كيف نغير نظم التعليم، وقانون تنظيم الجامعات، دون المساس بالمجانية؟
سوف أضرب لك مثلا ؛ الكل يشكو من ارتفاع نسب المجاميع، وخاصة كلية الطب، وأنا أقول: لو ألغي تكليف الأطباء لن يدخل أحد كلية الطب، لماذا ؟ لأن المسألة لم تعد وجاهة اجتماعية، ولكنها مرتبطة بالتوظيف؛ فمن يدخل كلية الطب ضَمنَ الوظيفة الحكومية. وانظر إلى أعداد الطلاب في الكليات التي ألغت التكليف ستتأكد مما أقول، وبالتحديد كلية التربية، ثم الهندسة.
وماذا عن القطاع الخاص ودوره في البحث العلمي ؟
القطاع الخاص في مصر لم يتعود على العطاء؛ فهو يبغي الربح من أجل الربح فحسب، فكيف تطالبه بما ليس عنده ولم يتعود عليه ؟

[email protected]