لا تستند الأحداث والتطورات، في العالم الكُردي إلى المقاييس والموازين العامة التي تعرّف مراحل تاريخ تطور الأقوام والشعوب. لذلك يصعب على المرء الانتماء إلى أمة كلّما تناكبت بحدة لاعتلاء سدّة إثبات الذات على الخشبة، كلّما بدا الوجه الأكثر غموضاَ في معالم وجودها وهويتها، فيستحيل الأمر بمثابة ركض وراء السراب. فالكرد لديهم حساسية مفرطة تجاه العناصر الأخرى، حين يجري الحديث عن الهوية القومية والوطنية، فتندفع مجاميعهم بشتى اختلافاتهم الثقافية واللغوية والسياسية إلى رفع العقيرة وادّعاء أنهم جميعاَ كتلة واحدة، متجانسة ذات لغة واحدة وثقافة واحدة وتاريخ واحد. هذه الوحدويات والآحاديات تفرض نفسها على المستوى النظري والدعائي في مواجهة وجود هويات متعددة، حول المجاميع الكُردية.
وما ينفك المرء مندهشاَ بضراوة الحماسة الكُردية، المتعددة الأوجه والألوان، في الظهور الغليظ بمظهر الواحد المتحد لدى وقوع سمعه وبصره على الواقع الكُردي.

الأكراد يتفننون في شرح حالهم و يبدعون في تفسير واقعهم الحزين المتخلف، وإرجاع الأسباب إلى العالم الخارجي لا إلى المكنون الكردي ذاته، كمثل الساحر يبدد الدخان حول كرة شعوذته وسحره، وهو يخفي عن الأنظار حقيقة ما يعرضه من سحر ليجعل منه (واقعاَ مرئياَ)!
والحال فان التظاهر بما هو خلاف الأمر الواقع، أصبح جزءاَ من شخصية الانسان الكردي الذي يعيّن لنفسه الصفة القومية، التي لا ينتمي إليها في عالم المكنونات الذاتية ولا هو يطورها إذ يدّعيها، بل يجعلها سلاحاً ذو حدّين يضرب به نفسه والآخر في آن واحد.
وإذا ما حدث أن اخذ المرء بيد الكردي ليطلعه على حقيقة الأحوال والأوضاع في كُردستانه التاريخي، حتى لا يبرح يجمع كلّ صنوف التبرير لتاريخه المأساوي، لدفع الشكوك التي تتسرب إلى أوهامه التي خلقها وحافظ عليها بمرور الزمن، والتي أصبحت هي الأخرى جزءاً من شخصيته التاريخية.
الأكراد منقسمون بحدة بالغة في ما بينهم. وإذا ما قدّر لهم أن يلتقوا على اختلاف صنوفهم وألوانهم ولغاتهم حتى أدركوا أنهم ليسوا كتلة واحدة، ذات لون واحد.

فالأكراد قلّ ما يحدث أن يكون لديهم المقدرة على التفاهم في ما بينهم بلغة كُردية مفهومة حين يلتقون ببعضهم البعض. وكذلك يستحيل عليهم الإفصاح عن المشاعر والأفكار في ما بينهم بلغة كُردية، فيتوسلون عوضاً عن ذلك بالترجمة عبر لغة من لغات الجوار الكُردي المعرّف كُردياً بـ (المعادي). ومن هنا ينشأ سؤال كبير جداً، وهو يشكل خوفاً باطنياً عظيماً لدى الإنسان الكردي الذي لا يبرح متجاهلاً السؤال، عافياً نفسه عن الإجابة، تجنباً للحالة الثقيلة التي يذرها الكردي ورائه، ليتماهى مع السير الموجود له واقعاً بالرغم من تمرده أحيانا على هذا الواقع وكرهه له. والسبب هو ما يشكله هذا الشعور المثقل بازدواجية الانتماء في دوائر مغلقة في نفس الإنسان الكردي من ثقل بالغ يجعله يبني أفكاره وتصوراته في عالم المستحيلات لكي يخفف عن كاهله مسؤولية التدبر والتفكير والعلاج.

والسؤال هو: إذا كانت اللغة الكردية تعجز عن ربط الأكراد بعضهم ببعض وهم يتوسلون بلغات أعدائهم ( واللغة هي ترجمان العقل والنفس) فما هو القائم الحقيقي للقومية الكردية في واقع جغرافي مقسوم وتاريخ ملؤه الشقاق والاختلاف، والخيانة، وداخل منقسم بين اتجاهات قبلية وعشائرية وحزبية ودينية؟!

ولمعرفة هذا الجواب يستحسن الرجوع إلى نفس الإنسان الكردي وكيفية التصورات والأفكار لهذا الكائن إلى الذات، والمكنونات، والانتماء، والحياة.
القائم المفترض صحته في بنية القومية الكردية، لهو الأكثر علّة بين القوائم الأخرى.
فالإرادة وهي بمثابة المحرّك لأيّ جسمٍ أو كتلة هي معدومة أو في ضمور. وما تلك الجلبة بين فينة وأخرى والتي تصاحب صخباً إعلاميا وسياسياً إلاّ ردّة فعل ذلك الضمور الدائم في حياة المجتمع الكُردي. فهذا الكائن غريب غربة مزدوجة، فلا هو عربي ولا تركي ولا هو فارسي أيضاً. ولكن كرديته لا تشبع غريزة الوجود لديه الذي من المفترض أن يوصل به إلى مستوى أقوام الجوار. فالكردي الإيراني أقرب إلى الفرس لكنة ولحناً وتقليدا ولغة وهوى، من الأكراد في الأجزاء الأخرى. ومنزلة الكردي في تركيا مع ألا تراك، والكردي مع السوريين في سوريا ومع العراقيين في العراق هي على نفس النسق والمنوال. والأمر يغدو أكثر مأساة إذا عرفنا أنّ الفوارق والحواجز بين أكراد منطقة واحدة تكاد تكون بين قوميتين. فالفارق بين السوراني والباديني في العراق هو فارق شاسع جدا. وكذلك الأمر بالنسبة للهوراميين. وليس الفارق بين الكرمانجي و الزازائي في تركيا بأقلّ من ذلك. وقس على ذلك علاقة المكون الكردي في سوريا وكذلك في إيران.

في داخل كل شخص كردي هناك شخصية أخرى متناقضة نشأت بنشوء الشخصية الكردية، مع ثقافة مهيمنة عليها ركّبتها وفق معايير خاصة تحرّك دوماً التناقضات البائنة في الشخصية الكردية وتدفعها إلى مفازات الضياع على المستوى الثقافي والاجتماعي والسياسي والجغرافي.
ربّ قائل قد نجد أناساً يتثقفون بثقافات أخرى(ويعني التعدد الثقافي) فما الضير في ذلك؟
في الحقيقة إن الحالة الكردية مختلفة تماماً، فهي تشرئب وتنمو بثقافات مغايرة في وسط تراكم فيه صراع قومي و ثقافي لآماد طويلة. ولا يكاد حضور ما هو كردي في حياة الأكراد سوى النزر اليسير، باستثناء ما هو دائم التكرار(يوميات) الذي لا يمكن أخذه كمقياس في إثبات قيامة الأشياء على المستوى القومي، وعلى مستوى الكينونة: كينونة الأمة فضلاً على أنّ هناك صراع ثقافي وقومي بين مكونات الشرق وهو صراع متجاذب مع الصراع السياسي الذي يتغذى الواحد من الآخر.

وهذه الثقافات المختلفة أبعدت الأكراد بعضهم من بعض، وجعلتهم يعيشون في عزلة شعورية خطيرة داخل الدائرة المسماة كُردية. فالكردي - كما قلنا- في تركيا هو تركي أكثر منه كُردياً دراسة، كتابة، قراءة، أغنية، لحناً، وفي مظاهر الحياة في العموم. والمثال ينطبق على أكراد العراق وسوريا وإيران على السواء مع التباين. ولكن يجب الأخذ في الحسبان أن الأكراد على مستوى التكوين لا ينتمون إلى هذه الكيانات الإقليمية، فهي تشكيلات جديدة تمخضت عن نتائج الحرب العالمية الأولى وترسخت في أعقاب (نظام يالطا) بعد الحرب العالمية الثانية. أي أن الفوارق الكردية الجغرافية واللغوية والاجتماعية ازدادت تعقيداً ضمن الدول الإقليمية التي عقّدت شبكة الوجود الكردي على أبعاد أخرى أوسع وأخطر كما حدث لاحقاً بعد نشوء هذه الكيانات.

إن الاختلاف اللغوي بين الأكراد خلق حالة الاغتراب والازدواج بين شرائحهم وفي الانثناء لا يملكون ماكنة لغوية تدير شؤونهم المختلفة من دراسة ومناهج وإعلام واتصالات. وكذلك إذ هم مندمجون مع ثقافات الجوار القوية للدول التي تهيمن عبر شبكة لغوية موحدة على قومياتها، فان الأكراد يتأثرون وينصهرون بسهولة في ثقافات ألـ (غير) مما يجعلهم يشعرون باغتراب مزدوج مرة أخرى كونهم من خلفية كُردية!
والأمر على النحو المذكور يترك أثراً مريضاً في نفوس مجاميعهم مما يدفعهم بنوع آخر إلى مكونات معقدة مليئة بالأمراض الاجتماعية والتي تؤثر سلباً في سير الأجيال سيراً سليماً ومعافى. فالركود والانحطاط لازمانا إلى يومنا الحاضر. وكان لابدّ أن تكون الأحوال على خلاف ما هي عليه الآن ولكننا مرغمون بذائقة هذه الصعاب وهذا الواقع النكد المتسلسل منذ التاريخ.

وهذه قضية مخجلة جداً بالنسبة للوجود الكردي الثقافي. والعلّة ليست لأن الأكراد منقسمون منذ اتفاقية (سايكس- بيكو) في مطالع القرن العشرين فكانت أن قسّمت الأكراد إلى أجزاء، ثم لونتهم بألوان مختلفة. كلاّ، فالوضع الكردي المريض الذي يتغاضى عنه مثقفو الأكراد وأحزابهم عمداً أو جهلاً، يعود إلى ما قبل ولادة (سايكس- بيكو) بقرون. والتغاضي هنا يعني عدم اتخاذ أي خطوة جدية وعملية لعلاج هذا المرض الدائم.
يتباهى الأكراد جميعاً بشعرائهم القدامى والجدد. ولكن أي كردي مثقف يكتشف بسرعة أن لغة شعراء الأكراد مختلفة لا تشبه بعضها بعضاً. فمقارنة بسيطة بين أشعار مولوي الذي كتب بالهورامية ومحوي الذي كتب بالسورانية وأحمدي خاني الذي ألّف بالكرمانجية، تبين لنا أنها بعيدة عن بعضها البعض بُعد لغة من أخرى.

السورانيون الذين يشكّلون قسماً كبيراً من إجمالي الأكراد لا يفهمون الكرمانجية وهي بدورها تشكل مجموعة كبيرة في مناطق الشمال والغرب للناطقين بها في كردستان. وهناك تكوينات أخرى كبيرة أيضاً كالزازائية والهورامية والفيلية وأخرى غيرها. هذه الحالة تمتد الى قرون طويلة وكانت سببا رئيساً لفشل أول مؤتمر قومي للأكراد على يد الشيخ عبيدالله النهري، عام 1880م، حين تعسرّ على الأكراد التفاهم في ما بينهم، فانهار المؤتمر، فضلاً عن التحاسد والتباغض بينهم الذي هو الآخر يعود في جزء منه إلى الاختلاف اللغوي والاجتماعي الذي اصطبغ الأكراد بألوان مختلفة، تميّزهم على تخوم يحتفظون بها دائماً وأبداً لتزيد من معاناة غربتهم المزدوجة.

والأكراد إذ يعيشون هذه الآلام الكبيرة وهي ليست من صنيع أعدائهم، لايريدون التخلص من هذا المرض بتفضيل لهجة ما على الأخريات، تسهيلاً لأمور العباد والبلاد. عوضا عن ذلك يفضلون الإبحار دائماً بقوارب صغيرة لديهم، مما يسهل غرقهم في الاصطدامات الأولى مع الأمواج، بدلاً من تفكيكها كلها وصنع سفينة كبيرة تحويهم جميعاً، على سبيل الممكنات. والاحتفاظ بالقوارب الصغيرة جزء من سيكولوجية الكائن الكردي الذي يزهو ويفتخر بالانتماء إلى الدوائر الصغيرة كالعشيرة والطائفة على مستوى الهوية. وفي هذا المضمار غلبت الارتجالية والعفوية على حياة الأكراد بعيداً عن الرؤية والتخطيط. أي أنّ البنية القومية الكردية اليوم لا تختلف عما كانت عليه في الماضي عبر قرون. وقوام التكوين الكردي في شرذمته يتمأسس على التاريخ الذي أرخى له شرايين الوجود اشتقاقاً منه، من التكوين نفسه وهو المتفرق دائماً وأبدا.
في واقعنا اليوم تذيع الفضائيات الكردية باللهجات كلها، وكذلك الصحافة و الإصدارات الأخرى. وما زاد الطين بلّة أن الألفباء الكردية منقسمة إلى حرف عربي، وحرف لاتيني وآخر روسي. وأطفال الكرد يكبرون منذ نعومة أظافرهم مع هذه الاختلافات الغريبة والمؤلمة. الاختلاف اليوم بين الكرمانجية والسورانية هو تماماً اختلاف بين لغتين. وان لم يكن ذلك صحيحاً فما الحاجة لابقائهما معاً؟!
ولكن حقاً إذا كان الأكراد جميعاً قومية واحدة فما المانع أن تدين كل شرائح الأكراد بلهجة واحدة وتكتب بأبجدية واحدة والتي هي اقرب إلى طموح الأكراد، والقصد هنا توحيد المنهج الدراسي بدءاً بالمراحل الأولى وانتهاء بالجامعات والدوائر الرسمية؟

في الواقع ينبغي الإشارة هنا إلى قضية (الأنا والآخر) وهي قضية قائمة ليست بين الأكراد وغيرهم بل بين أنفسهم كوجود قومي. الكردي أنا والآخر أيضاً في عين الوقت. ولكن يبقيان مختلفين، يتّحدان بحدوث أسباب زوال وجودهم في الاصطدام بالجوار/الألوان المحيطة بالقومية الكردية ( الصراع والحرب) فيتذكر الأكراد ذلك فيحاولون إخفاء الاختلاف الذي يكرهونه، لكنهم بالرغم من ذلك يحتفظون به لأن (الأنا والآخر) لم يحسم أمره في الوسط الكردي - بعد- على المستوى القومي، وليس هناك إشارة في الأفق تدل على ذلك. أو بمعنى آخر فان الانتماء إلى العشيرة والطائفة هو أقوى من الانتماء إلى القومية/الأمة. ولعلّ هذا هو السبب الرئيس في امتداد الحرب الأهلية في كردستان لقرون طويلة.

المثقفون الأكراد ليس من همهم التخلص من هذا (العار) الذي يمنعهم من أن يتفاهموا في ما بينهم. والأحزاب الكردية من جهتها ليس من همومها إيجاد علاج لهذا السرطان الدائم بل تذهب بعيدة في التماهي مع سياسة الجيران الذين يمنحهم التشرذم والتفرق الكردي سعادة كبيرة ومن دون ثمن يدفعونه.

لو سألنا كردياً في السليمانية أو أربيل عن قبوله بالكرمانجية كلغة موحدة توحد الأكراد فانه يرفض ذلك والسبب انه لا يعتبرها لغته. والأمر كذلك بالنسبة للبادينيين الذين أفصحوا أكثر من مرة عن رغبتهم في الدراسة بلغتهم التي تعبر عن حقيقتهم وليست السورانية!
ومن هنا يطرح هؤلاء مسألة دمج اللغتين وهي حيلة يلتجئون إليها لمعرفتهم التامة أن ذلك أمر مستحيل. وتمسي الأشياء على مذاهبها الممتدة من أعماق التاريخ الذي لم يتطور إلاّ ببطء وقلّة على المستوى الكردي.

وجوهرياً فان التكوين السياسي الكردي هو انعكاس لهذا الامتداد الوليد من عمق جغرافي غير متفاعل مع الحضارة.
فاللغات الغريبة من بعضها البعض أو المدمجة، عبر التلاقي والتلاقح إنما تكونت بمراحل تاريخية طويلة وليس بإصدار مرسوم حكومي أو أدبي. وبما أن ذلك لا يحدث، فيبقى الأكراد على حالهم منقسمين غرباء تجاه بعضهم بعضا، وهو ما يتلاءم مع نفسيتهم المشرذمة داخل الدائرة الكردية. كذلك فان المسألة انعكاس عضوي للأفكار والتصورات الكردية في الأوهام التي يسمّونها بالمستحيلات، إضافة إلى انعدام الإرادة لديهم نحو هكذا مشروع يُسّهل الكثير من الأزمات والمشاكل الكبيرة في حياتهم الثقافية والسياسية. في نظر الأكراد يعدّ أمر توحيد لغتهم مثل إقامة الدولة الكردية يدخل في باب المستحيلات. ففي جنوب كردستان الواقع شمال العراق، استطاع الأكراد منذ عام 1991 أن يتمتعوا إلى يومنا هذا بالسيطرة على أراضيهم والعيش من دون أن يمنعهم أحد مما يريدون فعله لتحسين وضعهم الداخلي. ولكن بدل أن يذهبوا في أمر توحدهم ثقافياً- على الأقل- راحوا يصرفون الملايين من الدولارات على قتل بعضهم بعضاzwj;
لذلك فان أطفال الأكراد يكبرون مع الاختلاف المقيت والفوارق ذات الطبائع الحادّة. أما الصحافة الكردية و وسائل الإعلام ولغة الحكومة في الدوائر الرسمية فإنها تقوم على أساس هذه التناقضات والإدامة بها.

وأبناء كلتا اللهجتين السورانية والكرمانجية، يشبهون فريقين من الناس على طرفي نهرِ ما، ينبغي التقاؤهما فيتماشون مع سير النهر بأمل أن ينتهي النهر في موقع ما، دون أدنى محاولة لبناء جسر يوصلهم ببعضهم. والمعضلة تكمن في الأوساط الثقافية والسلطوية. فالمثقفون الأكراد حالهم حال السياسيين يحملون بذور التعصب الطائفي/اللغوي كما القطاعات الشعبية. وفي هكذا حال تنعدم الإرادة نحو خطوة جريئة لسيادة لغة واحدة تربط أجزاء هذا المكون وتأهيله نحو صيرورة الأمة موضوعياً.

نعود إلى السؤال الذي طرحناه في بداية المقال: هل الأكراد أمة؟
في الواقع يرتبط الجواب بمدى إرادة الأكراد لتطبيق مفهومها. لكن مفهوم الأمة له آلياته لربط الأجزاء وجعلها متماسكة. والأكراد اليوم مجزء ون، يحتاجون إلى تطويع آليات توحدهم، ومن أهم هذه الآليات على الإطلاق اللغة التي تخلص الكُرد من الاغتراب والشقاق الداخلي، وكذلك من الضعف الثقافي، والذي ينعكس سلباً على التكوين السياسي بل والقرار السياسي الذي يتأثر بالبنية الثقافية الضعيفة أساساً. والضعف أساساً يعود إلى الافتراق اللغوي الذي يصغّر من شأن الدوائر الثقافية الكُردية المتعددة، ونتاجاتها التي وان كانت كثيرة أحياناً فان ذلك لا يعطيها مكانة ما بين ثقافات العالم لأنها مهمّشة أصلاً لدى قطاعات كردية أخرى فكيف تلقى رواجاً لدى الآخرين من غير الأكراد؟!
والحال فان المجتمع الكردي عبر هذه الشبكة المعقدة، ينكسر على اتجاهات متفرقة ومتباعدة، لا تخلق إلا الفوضى والضياع، وبالتالي فان السياسة في العالم الكردي تظل كسيرة الجناح لعوامل تُليت في ثنايا هذا المقال.