أن تكون هندياً مسلماً، معناه إما أنكَ مهاجرٌ مؤاجر أو فقيرٌ لا تملك شروى نقير، شروايَ يعني؛ أنا المقيم في إحدى القرى الضائعة، في شبه القارة هذه. أنا جائعٌ، إلى حدّ الهذيان. إلا أنّ حالي لا علاقة له بما سأقصّه عليكم من معجزة، تخصّ صورة صدّام حسين. ربما لن تصدقوا ما أبثه لكم، مع أنه من المعتاد لدينا في العالم الإسلامي أن نصدّق ما هبّ ودبّ ! المهم أن تتأكدوا من أنني لا أهذي اللحظة، بفعل الجوع : فصلاتي التي أنهيتها للتوّ، دليل على صحوة ذهني، كما أنّ الله موجودٌ، سميعٌ بصير، وهوَ خيرُ شاهدٍ. أنذركم، منذ البدء، بأنّ حكايتي ربما ستنكأ جراحكم وتثير مواجعكم. ولكن لا مفرّ من ذلك، بما أنّ شهادتي هذه للتهريج.. أقصد، للتاريخ ! أعدموا بطل أمتنا، إذاً، وجعلوا مشهدَ شنقه فيلماً يدلّ على غلهم وحقدهم وتشفيهم، أولئك الأمريكان والأرفاض والأكراد؛ أعداء ديننا الحنيف ! بيدُ أنه لم يخطر لجهلهم، أنّ ذلك الفيلم سيكون بمثابة الرؤيا للمسلمين أجمعين، بفلاشاته وكاميراته؛ والأهم، ببطله صدّام الذي كان فيه أشبه بشامي كابور، نجمنا الهندي، السينمائي..

قرأتم ربما عن تلك القرية الهندية، التي أصبحت معروفة إعلامياً بفضل عدد مواليدها، الكبير، الذين يحملون إسم quot; صدّام quot;، بطل الإسلام العظيم : إنها قريتي بالذات، حيث أكتب لكم من إحدى بقاعها المشمولة بالظلمة.. بالفاقة والظلم، أيضاً. شيخ الجامع، الذي أمّنا قبل قليل، لا يجدها بدعة ً رؤية صورة صدّام على وجه القمر، كما أكدها كثيرون في قريتنا. ولكنني لم أجرؤ على مساءلته فيما يخصّ رؤيتي لتلك الصورة، بل وأخفيتها عن الجميع. أما أنتم فلا أظن فيكم سوى الخير، وأنكم ستصدقوني. الجوع، غالباً ما يهيء لي الرؤى ! غير أنّ ذلك لا علاقة له بما أقصه هنا، أؤكد لكم مجدداً. ما حدث في تلك الليلة الفضيلة، في اليوم الأخير من عيد القربان المبارك، يُشبه فيلماً هندياً. كان بطله صدّامنا نفسه، أما بطلته فكانت بقرة.. نعم بقرة، فلا تعجبوا ! راقبتها وقتئذٍ وهي تتسكع في حواري القرية، بكل غرورها وصلفها وثقتها بنفسها. حاذت ضجعتي، المتكئة على حزمة من القش، وإذا بها تتوقف هنيهة وترفع رأسها نحوَ القمر. ما رأته تلك البهيمة لحظتذاك، لا يمكن لمثلي طبعاً أن يتكهن به. غير أنها ما أسرعَ أن حولت نظرها نحوي مثبتتة عينيها بعينيّ : quot; ها، هل أنتَ جائعٌ الليلة، أيضاً !؟ quot;، خيّل إليّ أنها تبوح لي بخبث وتشفّ. ثم ما لبثت أن أعقبتْ ذلك بفعلة قبيحة. رفعت ذيلها ـ بلا مؤاخذة ـ وعملتها ! بدوري، كنت أحدق بلا وعي في مؤخرتها القذرة، حينما بغتتني الرؤيا : كانت صورته، ما غيرها، تلتمع هناك؛ بكل جلالها وهيبتها وأنفتها.. ونورها ! تأكدتُ من الرؤيا، لاحقا، حينما أعملت فكري برويّة وهدوء، فتوصلت إلى يقين أنّ البقرة تلك، الملعونة، قليلة الأدب، إن هيَ إلا أمريكة ! كاوبوي ، راعي البقر : أليسَ هذا لقب جدّ أجداد بوش؟

إمامُ الجامع، علاوة على أهالينا، حذرونا ومنذ الصغر، من التعرّض لهذا الحيوان.. أعني، البقرة ! أنتم أدرى بخرافة الهندوس، عن إلههم الشبيهة عينيه بعينيّ بهيمتنا تلك. هذه الخرافة، نكدت دوماً عيشنا، نحن مسلمي الهند. ويكاد لا يمرّ عام دونما حصول مجزرة، ما إن يُكتشف رأس بقرة أو حتى كسرة من عظامها، مرمية في الشارع. حينها، نتهم نحن بذبح حسناء الشاشة، المقدسة ! نهذي جوعاً، بينما إبنة الحرام هذه تتسكع في كل مكان، آمنة مطمئنة وفوق ذلك، شبعة حدّ التخمة. شيخ جامع قريتنا، الذي قصّ علينا الكثير من مآثر صدّام وبطولاته في سبيل الإسلام، كان قبل ذلك قد حذرنا من مؤامرة حقيرة على ديننا الحنيف : quot; جنون البقر وانفلونزا الطيور، ما هما إلا أدوات المؤامرة المذكورة. فبنشر فيروسات هذين المرضين، يريدُ الغرب الملحد دفعنا نحن المسلمين لأكل لحم الخنزير quot;. قلنا له : quot; ولكن، يا مولانا، لدينا الغنم والماعز والسمك، لحومها مكدسة على البسطات وفي الدكاكين، لا تجد أحداً يشتريها بسبب الفقر والغلاء quot;. فينهرنا الشيخ إذاكَ، محنقا : quot; صه ! سيأتي الدور على كل اللحم الحلال، ويجدون له فيروسات قاتلة quot;. لم نجادله أكثر، خشية أن نقعَ في الضلالة. معه حق. إنها مؤامرة من ألد أعداء الإسلام، بدأت بإبادة لحيوان محلل وإنتهت بمشنقة لحيوان.. أقصد، لحياة بطل !!

[email protected]