سنتان من الشقاق!
كمواطن سوري أولا وكمعارض سوري ثانيا وسأترك بقية الانتماءات سواء منها الديني أو الطائفي أو القومي. كمواطن لم أوجد بعد لا في الهوية ولا في الدستور ولا في الواقع. وكمعارض تعرضت كما تعرض عشرات الألوف غيري من السوريين لعقود طويلة ومريرة من السجن والملاحقة والعسف ليس أقل من أي لبناني تعرض لما تعرض له أثناء وجود جيش بلدي فوق أراضي الدولة اللبنانية.
كما يتعرض وطني للنهب والإفقار المستمر وفوق هذه وتلك لديكم الحرية ولدينا السجون والمنافي. ونحن كنا ولازلنا نتنسم عبير حريتكم وكنتم ولازلتم تحاولون ألا تتنازلوا عن هذه الحرية. حريتكم كانت وستبقى هي السبب الأساسي في كل ما يحدث لكم من سلطة بلادي. سلطة بلادي عاهدت ربها بألا تترك الحرية تسير نحو بلدان مجاورة فكيف بها تقبل أن تسير الحرية نحو سورية وهو ما تساهمون به من خلال أصراركم على دولة علمانية ديمقراطية لا أحد فيها فوق القانون؟! رغم كل ما حدث ويحدث وممكن أن يحدث لشعب لبنان ولشعبنا السوري فإن النظام في بلدي قد قطع خيوط الأمل مع الحرية وإلى غير رجعة ولا حتى لمجرد الضحك على الذقون. وكما تعرفون فإن التبرير الذي يقول به هذا النظام أن الشعب السوري غير جاهز للديمقراطية ولا جاهز للحرية!
ومع ذلك نقول ليكن ولكن هل هذا يمنع قيام دولة قانون؟ إن أشد خطر على الحرية هو في غياب القانون! وغياب القانون عندنا يعود إلى أن المساحة اللاقانونية لسلطة مطلقة تمتلك كل أدوات القمع والعسف، وغياب القانون والحرية يعطيها المساحة المناسبة لكي تدير البلاد والعباد بالطريقة التي تشاء دون حسيب قانوني أو رقيب إعلامي، هذا الرقيب الإعلامي لايمكن إيجاده إلا في ظل الحرية الفكرية والإعلامية. وهذه متوفرة لكم وغائبة كليا عندنا وهذا ما يثير كثيرا حفيظة نظام بلادنا الغائب شعبها عن المشاركة بأي فعل إنساني حقيقي، يخص مستقبله ومستقبل شعوب المنطقة.
فلا خيارات لديه مطلقا لا في علاقة سلطته مع الخارج ولا في علاقتها مع الداخل المعمم بالقمع والفساد. ونحن في الغالب لم يكن هنالك إعلاما يسمح لنا بالحديث عن إشكالية الوضع السوري سوى الإعلام اللبناني قبل أن يتدفق إعلام دول الخليج مشكورا ويتيح لنا بعض الفسحة. وليس سرا في أن الشعب الذي خضع لعقود أربعة من القمع والفساد مطلقا لن يكون موقفه من الأحداث سويا؟ فالخوف والدجل الأيديولوجي الذي ربيت عليه أجيال وأجيال ها نحن نحصد نتائجه في الحقيقة فالنظام مرتاح من أية تحركات داخلية ضده.
بحيث تجعل الشعب السوري يقول على الأقل جزءا من كلمته إن لم يكن كلها. ما يخيف النظام الآن هو أي تدخل عسكري من الخارج وهذا أمر قد حسمه النظام منذ أن غرقت أمريكا في مستنقع العراق. لهذا هو يحاول بكل السبل والوسائل لمنع قيام محكمة دولية تحقق في الاغتيالات في لبنان. والتي يخاف منها لسببين:
الأول هو أن تزيل هذه المحكمة الغطاء نهائيا عما تبقى له من علاقات داخليا وخارجيا في حال تم اتهام بعضا من رموزه.
حتى لو لم يتهم الرئيس مباشرة فإن اتهام أي رمز من رموز النظام في اغتيال الشهيد رفيق الحريري تعد بحد ذاتها فقدانه لآخر ورقة توت تستره في الحقيقة. والثاني في استمرار مشروع الراحل الحريري عبر قوى الأكثرية هذا المشروع كان مشروع رجل برجوازي وطني بما تحمله هذه المفردة من دلالات من طبيعة اعتدنا عليها نحن اليسار عموما أن نبحث عن دور لمشروع برجوازية وطنية!مع الأخذ بعين الاعتبار أن الوطنية هنا مأخوذة من شكل الدولة ومضمونه الذي حاول الراحل الوصول إليه بشتى السبل والوسائل ماعدا أنه لم يلوث يديه بدماء أحد من اللبنانيين.
في الحقيقة تكفي الرجل أنه أبدا لم يكن صاحب مشروع لاميليشياوي ولا طائفي. أما الحديث عن أخطاء سياسية ومساومات سياسية في ظل تعقد الوضع في المنطقة لايخلو منه أي سياسي، ومع ذلك فهذا متروك لمن سيكتب سيرة حياة الرجل وهو يستحق من هذه الزاوية. في لبنان كان يدرك الجميع أن الحريري مشروع لكل لبنان مشروع له ربحيته بالنسبة له رمزيا وهذا من حقه ومن حق أي برجوازي أن يكون له مشروع دولة برجوازية ليبرالية تؤمن بالحرية والقانون.
كان الرجل يعرف أن حياته مهددة بالخطر وهذا أمر لم يكن يخفى على أحد أيضا. فهنالك ربما أطراف كثيرة متضررة من مشروع الحريري ولكن المتضرر الأكثر كان سلطة بلادي ولاعتبارات كثيرة ولكن أهمها على الإطلاق أنها لم تكن تريد شخصية لبنانية أفقها مفتوح بمشروعية نحو أن تكون مشروعا لكل اللبنانيين في دولة مدنية وقانون وديمقراطية.
لا اتحدث عن الأمر بوصفي قاضيا أتهم أحدا أو أحكم على أحد ولكنني أتحدث عن الأسباب التي تجعل سلطة بلادي وصلت إلى مرحلة باتت تعتبر فيها أن الحريري مشروع لاستقلال لبنان ولكنه ينتظر نتائج سياسته وعمله على مدار ثلاثة عقود تقريبا. وكاد أن يقطف ثمار هذا العمل خصوصا بعد صدور القرار 1559 وتمكنه من رفض التمديد للحود رغم انه صوت له في النهاية ولكنه يعتبر قد رفض التمديد منذ أن غادر الحكومةهذا كان المؤشر الأخطر على حياته.
ما نريده من هذه المقدمة عن الرجل أن نقول أن على اللبنانيين أن يكملوا في مشروع الحريري فهو وحده الذي ينقذهم من مخلفات الماضي نحو دولة ليبرالية علمانية. وأيضا هذا لايمنع مطلقا ابتداع وسائل عمل جديدة في كل المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية من أجل أتمام هذا المشروع. ونحن نعتقد الآن أن أهمية القرار 1701 تكمن في أنها وضعت حدود لبنان مع إسرائيل وتدخلاتها في أقل حجم ممكن لصالح قوى المجتمع الدولي الذي يجمع على أن يعود للبنان عافيته وهذا فضاء تستطيع القيادات اللبنانية استثماره كما فعل رئيس الوزارء اللبناني فؤاد السينيورة في باريس 3.
لأن في هذا الطريق وحده يتحول لبنان إلى دولة صديقة لشعب شقيق. وفي هذا أيضا خدمة لمعركة الشعب السوري من أجل دولة ديمقراطية حقيقية. وهذا ما يعيد صياغة العلاقة بين الشعبين الشقيقين وبين الدولتين الصديقتين..
غسان المفلح
التعليقات