تدور وراء كواليس السياسة العراقية، هذه الأيام، أحاديث ليست سارة، عن خلافة محتملة للرئيس جلال طالباني، الذي يعاني من وضع صحي صعب. وتطرح، كالعادة في مثل هذه المواقف، أسماء وترشيحات محتملة للخليفة المنتظر، تتمحور كلها، من الواحد إلى العشرة تقريبا ً، حول رفيقه في النضال، رئيس إقليم كـُردستان السيد مسعود بارزاني.
كما السليمانية وquot; الإتحاد الوطني الكردستاني quot; وأجزاء أخرى من العراق بالتأكيد، أنخرط في نوبة بكاء وتضرع، إلى العلي القدير، داعيا ً الله أن يحفظ لنا رئيسنا الفكه الطيب، متسائلا ً في الوقت ذاته: أهو قدر مقدور وكتابة على الجبين، لازم تشوفها العين، أن لا يكون الشيعي quot; رجلا ً أول quot; في بلاده!
في التقسيم الذي أسس له الحاكم الأميركي السابق بول بريمر على أساس محاصصة طائفية واضحة، قيل أن رئاسة الحكومة هي المنصب الرئاسي الفعلي، والقيادة العامة للقوات المسلحة (التي لايسمح لها إلا بحمل أسلحة خفيفة وتواثي ومكاوير! )، لكن رئاسة الدولة ( وهي منصب إسمي وتشريفاتي ) ينبغي ألا تخرج العراق عن الإجماع العربي، الذي يهيمن السنـّة تاريخيا ً على قيادته. ولما كان ساسة المنطقة الغربية لم يتمـّوا تجربة العنف للإطاحة بالوضع الجديد، انتقالا ً إلى محاولة إطاحته عبر المشاركة في العملية السياسية ذاتها، فقد كان متعذرا تسويق رئيس من أعالي الفرات، ولم يتبق ّ أمام المطبخ الديبلوماسي البريمري إلا الصحن المبتكر: رئاسة سنـّية.. لكن كردية. وعلى العموم، فالصحن فيه شيء من الإقناع مهما كان من أمر، فيوسف بن أيوب التكريتي الذي يسميه العرب والأكراد معا ً صلاح الدين الأيوبي، ويتبركون بنسره المقدس شعارا ً على راياتهم هو من غلاة السنـّة وكردي أيضا ً كما يقولون، فالمهم أن لا ينازع شيعي ( عربي.. كردي.. هندي ) الرؤساء والملوك العرب على قيادتهم التاريخية ( وللقيادة معان شتى منها الرفيع ومنها الوضيع ).
الآن، وقد حزم الرئيس العراقي أو كاد ( لاسمح الله ) حقائب السفر إلى الأعالي، فهل عسيتم إن تولـّيتم أن تقطـّعوا أرحامكم، ولا تعيدوا النظر في أي قرار بريمري جائر. لماذا لايكون رئيس العراق كرديا شيعيا أيضا ً، أو تركمانيا شيعيا، أو عربيا شيعيا، أو عراقيا من أية طائفة ودين ومذهب، أم أن الله اتخـّذ عهدا ً أن لايولـّي على الناس إلا طائفة بعينها. ألم يستكثر القوم على الرسول أن يوصي ويورث وأغرقونا في بحار من الدماء، فمن أين أتوا بجزميات السلطة والقيادة التاريخية؟
قيادة تاريخية؟ صدقوني إنها ليست أكثر من مزحة إنكليزية ثقيلة. فعن السيد محمد الصدر ( رئيس وزراء عراقي أسبق ) تقول المس غرترود بل مؤسـِّسة الدولة العراقية بشكلها الحالي في العشرين من تموز ( يوليو ) العام 1921 quot; إن معكـّر صفو السلم هو السيد محمد الصدر، وهو عالم طويل القامة، أسود اللحية، ذو تقاسيم شريرة، قفز إلى الظهور البغيض بصفته رئيس المحرّكين خلال الاضطرابات (... ) وكان في نيته أن يكون الرجل الثاني بعد فيصل، إذا لم يكن فيصل هو الثاني بالنسبة له quot; لكنها تقول عن فيصل ( 31/7/1921 ) quot; هو رجل عظيم من رجال القبائل يحل ّ بين قبائل معروفة، وسنـّي عظيم بين السنـّة quot; ( تتحدث عن زيارته للرمادي والفلوجة ) وعن وزير المعارف في وزارة جعفر العسكري الحاج محمد حسن أبو المحاسن جدّ رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي لأمـّه تقول في 22/1/1924 إنه quot; لايحتمل بالمرّة quot; لكنـّها تشيد في 5/6/1921 بقول ناجي السويدي quot; أرجو أن تعلمي ياخاتون أن المندوب السامي هو مثل الله سبحانه وتعالى وأنت بمقام النبي عيسى، فكيف يستطيع الله أن يعلم ( !؟ ) مايجري في العالم إذا لم تكوني أنت فيه quot;!. وفيما تعبـّر عن موقفها المعتز ّ بعلماء السنة، تهين بمناسبة وبغيرها علماء الشيعة، فتقول عن محمود شكري الآلوسي في 1/11/1920 quot; هو يعتبر أمثل العلماء وأعظم المتنسكين... ومن دواعي الاعتزاز العظيم لي أن يكون بوسعي الذهاب إلى داره متى شئت quot; لكنها تقول عن الميرزا محمد تقي الشيرازي في 23/8/1920 quot; ليست هناك أنباء سارة بوجه خاص عدا وفاة المجتهد الأكبر الميرزا محمد تقي بتعفـّن شيخوخي (... ) وهناك شائعة أن خلفه المنتظر، وتكاد تكون له نفس الأهمية، قد قضى نحبه في أثناء سفرته من النجف إلى كربلاء للصلاة في حفلة تأبينه، أتأمل أن تكون صحيحة quot;!!
وعن المجتهد الأكبر شيخ الشريعة تقول في 3/10/1920 quot; إن المجتهد الأكبر الحالي يسير الآن مترنحا إلى قبره ndash; وكان من المؤسف جدا أن يـُحال دون وقوعه فيه قبل سنة، حينما أنقذه ضابطنا الطبيب في النجف quot;.
وحتى نتأكد من أن الانكليز هم الذين صنعوا السلطة والقيادة التاريخية إياها يكفي أن نختتم الكلام المباح بهذا المقتبس ؛ تقول المس بل في الأول من تشرين الثاني ( نوفمبر ) العام 1920 متحدثة عن أول اجتماع لأول حكومة بعد تأسيس العراق: quot; إن مجلس وزراء أول دولة عربية تتأسس منذ زمن العباسيين سيجتمع غدا quot; !
( المقتبسات نقلا ً عن: العراق في رسائل المس بل 1917-1926، ترجمة جعفر الخياط، الدار العربية للموسوعات، بيروت، الطبعة الأولى، 2003 )
عيون الكلام: الإمام علي ّبن أبي طالب: ليس يفهم كلامك من كان كلامه لك أحـَبَّ إليه من الاستماع منك، ولايعلم نصيحتك من غلب هواه على رأيك، ولايسلـِّم ُ لك من اعتقد أنـَّه أتم ُّ معرفة ً بما أشرت َ عليه به ndash; منك.
علاء الزيدي
[email protected]
التعليقات