لم أكن أرغب بالتعليق على خطة بغداد الأمنية التي أعلنها رئيس الوزراء نوري المالكي قبل أن ألمس نتائجها على الأرض..فلم أرد أن أستبق الأحداث في إطلاق الحكم على مدى نجاح وفشل تلك الخطة لحين وضوح معالمها ومن ثم نتائجها من حيث تقليل وتيرة العنف الطائفي، وإنهاء العمليات الإرهابية وجرائم القتل والتفجيرات التي تسال بسببها كل يوم دماء عدد جديد من العراقيين في أرجاء بغداد..
وكنت أمني النفس في لحظة متعمدا إعطاء إجازة لعقلي وحواسي،بجدية حكومة المالكي في إنهاء العنف الطائفي المقيت والقضاء على بؤر الإرهاب لكي أستريح ويستريح العراقيون من مشاهد الدم الغزير الذي يسيل كل يوم في شوارع بغداد!.
ولكن بدا لي أخيرا أن ( الأمير) نوري الملكي وهب ما لا يملكه للعراقيين من آمال عريضة لتحسين الأوضاع الأمنية في العاصمة، وظهر لي جليا أنه لا المالكي ولا حزبه ( الدعوة الإسلامية) ولا كتلته ( الإئتلاف ) ولا مراجعه الدينية، ولا حكومته ( الوحدة الوطنية) قادرون مجتمعين على حل المعضلة الأمنية في العراق، والسيطرة على العنف الطائفي المنطلق بالأحقاد المتراكمة منذ عدة قرون، لأن حكومة المالكي هي أصل الداء لطائفيتها، وليست أصل الدواء لوطنيتها لمعالجة الجرح العراقي النازف!..
و لا أدري كيف يمكن لهذه الحكومة أن تحل المشكلة الأمنية وتوقف عمليات القتل الطائفي، ورموز العنف الطائفي موجودون داخل الحكومة ويحتلون مناصب وزارية ويسيطرون على جميع مرافق الدولة في بغداد والعراق كله؟؟..
فالعديد من هذه الرموز متهمون بإرتكاب جرائم طائفية وقتل الناس على الهوية،ويحتل العديد من أنصارهم حقائب وزارية في الحكومة العراقية، وإذا ما عرفنا أن هوية الحكومة هي طائفية، فهذا يعني ببساطة متناهية أن هؤلاء هم ( الكل في الكل) لأنهم يجلسون على هرم السلطة التي تنفذ تلك الخطة اللعينة المسمى بخطة ( فرض النظام)، فلا أدري كيف يمكن فرض النظام في دولة تترك حكومتها قادة الميليشيات أن ينفلتوا من وجه خطة أمنية أعدت أساسا لملاحقتهم ومحاكمتهم؟؟!!..
ووجدنا بدل ذلك،أن حكومة المالكي التي يحتل رموز معروفة بحقدها الطائفي مناصب كبيرة فيها تسهل لقادة ميليشيات طائفية بالفرار والخروج من العاصمة بغداد للنجاة بأنفسهم، لا بل تتوسط حسب نص إحدى الوثائق الرسمية نشرت في الصحف المحلية لدى إيران لإيواء الهاربين من هؤلاء القادة لحين ( الإنتهاء!!! ) من الخطة الأمنية لبغداد. وكانت النتيجة أن فر معظم هؤلاء الملطخة أياديهم بدماء سكان العاصمة الى مدن العراق الأخرى التي ظهرت فيها جثث مجهولة الهوية، وإزدادت فيها وتيرة العنف، فيما لجأ بعضهم الى إيران؟؟!!.وهناك أحاديث تدور بوجود بعضهم هنا في كردستان يتخفون تحت غطاء مشاركتهم في دورات تدريب للشرطة العراقية؟؟!! ولا أدري كيف يمكن لرجل القانون أن يطلب من المجرمين الخروج والنجاة بدل إعتقاله وتقديمه للمحاكمة، ألهذا الحد وصلت صفاقة الصفقات السياسية بين الكتل البرلمانية في العراق الجديد؟؟!!.
بالمقابل وفي الإطار ذاته، كان من المفترض على البرلمان العراقي أن ينتزع الحصانة البرلمانية عن كل عضو سنيا كان أو شيعيا متهم أو مشتبه بتورطه في أعمال العنف الدائرة في العراق، لحين إجراء التحقيقات الأصولية معهم.. لأن العنف الذي يضرب العراق يأتي قليله من خارج العراق عبر الحدود السائبة، ولكن النسبة الأعظم تأتي من أطراف عراقية تحتل معظمها مقاعد في البرلمان العراقي وحقائب وزارية في حكومة الوحدة الوطنية!!.
ولكن ماذا نقول عن حكومة تسعى جاهدة لإشراك سوريا وإيران في مؤتمر بغداد لمعالجة الوضع الأمني وهما دولتان متورطتان حتى الإذقان في دعم جرائم الإرهاب التي تحصل في العراق، فيا لغرابة هذه الحكومة القابعة في المنطقة الخضراء؟؟!!..
لقد غضبت كثيرا عندما سمعت قبل يومين من المتحدث باسم الحكومة العراقية تصريحه القائل بأن quot; الخطة الأمنية في بغداد ناجحة، رغم العنف المستمرquot;. وتحول غضبي المشتعل الى ضحكة مجلجلة لسذاجة هذا المسؤول ومن يمثله، فكيف تكون هذه الخطة ( ناجحة!! ) وهي قد وضعت أصلا لإستئصال العنف في العراق؟!!. فهل وصل الغباء بالمسؤولين في الحكومة العراقية الى حد الضحك على ذقون العراقيين بعد أن إنتشوا فرحا برؤية مشاهد الدماء الغزيرة التي سالت كالأنهار في شوارع بغداد منذ أن تبؤأت حكومات الطائفة مقاليد الحكم في البلد المتحرر من الدكتاتورية الصدامية؟!.
لقد فشلت الخطة الأمنية بكل المعايير، وآن الأوان لهذه الحكومة العاجزة أن ترحل غير مأسوفا عليها بعد أن خلفت ورائها بركة من الدماء بإثارتها النزعات والأحقاد الطائفية التي إستطاع صدام الدكتاتور أن يخمدها طوال 35 سنة من حكمه الأسود في العراق، وجاءت حكومة الطائفة لتبعثها من جديد في ظرف ثلاثة سنوات ونصف؟!!.
ولا تفيد عنتريات المالكي بزيارات المدن العراقية ( تحت حماية الأسطول الأمريكي ) في إعادة ثقة الشعب به، فهذه الحكومة المريضة لا ينفع معها إلا أبرة الموت الرحيم، وقد آن الأوان لهذه الحكومة أن تريح وتستريح، وكفى الله المؤمنين القتال...

شيرزاد شيخاني

[email protected]