الامال والتوقعات التي صاحبت رحيل الاسد الاب وقدوم الاسد الابن، بامكانية حدوث انفراج وانفتاح في الحياة السياسية السورية، تبين انها كانت مجرد أوهام وأضغاث احلام، ذهبت ادراج الرياح بعد مرور سبعة اعوام من حكم هذا الاخير، الاسد الصغير، ولم يعد وارداً اليوم، الرهان على النظام في القيام باصلاحات جزئية او حتى ترقيعية، أو حصول اي تغيير أو تحسن في سياساته الاستبدادية القمعية، والواقع بحقائقه قطع الشك باليقين لدى الغالبية العظمى من أطراف المعارضة السورية، ليؤكد ان لا تغيير ولا تطوير الا بتغيير النظام، لكن ازاحة البعث عن السلطة في سوريا، امر صعب المنال وشبه محال، نظراً لضعف المعارضة وتخبطها، وضبابية مواقفها وتأثرها بالمفاهيم والقيم المشوهة والمشوشة المقلوبة، التي افرزتها عقود الزمان من حكم الطغيان.

نشرت الزمان اللندنية في عددها الصادر يوم الخميس 8 اذار مارس الحالي، خبر صحفي تحت عنوان quot;ناشطون سوريون يدينون لقاء معارضين مع جنبلاط في واشنطنquot;، وجاء في حيثيات الخبر ان هؤلاء quot;الناشطونquot; قد اصدروا بياناً مشتركاً، ينددون فيه اللقاء الذي جمع ممثل جبهة الخلاص مع السيد وليد جنبلاط، ويعتبرون ذلك اللقاء تدخلاً في الشأن السوري وخرقاًquot; للمبادئ الاخلاقية الاساسية في الخطاب السياسي الرزين الذي يفترض ان يبتعد عن اللهجة التحريضية الملتهبةquot;، واعلن هؤلاء quot;الناشطونquot; ان جنبلاط يتدخل في الشأن السوري للتوسط لدى الولايات المتحدة والترويج لجبهة الخلاص المعارضة، وان الاصلاح شأن داخلي سوري بحت، والتدخل فيه يعتبر بمثابة خرق للسيادة الوطنيةquot; للشعب السوري العظيم ولسوريا الحبيبةquot;.

في الحقيقة لا اجد غرابة في موقف هؤلاء النشطاء اصحاب البيان، فالفهم الخاطئ للسيادة الوطنية هو الغالب لدى معظم الساسة والمثقفين العرب، لكن الغريب في الامر، ادعاء البعض انهم quot;ناشطون ليبراليونquot;، في الوقت الذي يتباكون فيه بحرقة على السيادة الوطنية، بعقلية القرون الوسطى وحقبة ماقبل الليبرالية وقبل ولادة جان جاك روسو، ويضفون هالة من القدسية على السيادة الوطنية على الطريقة البعثية، حالهم في ذلك حال النظام السوري، ولا استغرب ان يخرج هؤلاء غداً ببيان اخر، يبررون فيه، قيام النظام السوري بالقاء القبض على مجموعة من النشطاء السياسيين السوريين quot;الحقيقيينquot;، بذريعة التعدي على السيادة الوطنية اثر توقيعهم على quot;اعلان بيروت ـ دمشق quot; ايار 2006، وما زال العديد منهم رهن الاعتقال وقابعون في غياهب سجون اصحاب السيادة.

الحقيقة الثابتة والامر الذي لا خلاف عليه، ان السيادة الوطنية تعني السلطة العليا للدولة في ادارة شؤونها، لكن الامر الاهم والذي لا يتذكره ويتناساه البعض، ربما عن قصد او جهل، غياب المصدرالحقيقي للسيادة بأنواعها وهوquot;الشعبquot; والعقد الاجتماعي الذي يربط المواطن بالدولة، ولان السلطة في سوريا لا تستمد شرعيتها من الشعب كونها سلطة غير منتخبة بل مغتصبة للدولة والسيادة الوطنية، فالحديث عن السيادة الوطنية في سوريا مجرد هراء وكذبة كبرى، وجعجعة صوتية يخاطب اصحابها اصحاب السيادة والسلطان، لنيل الرضى وما يعنيه من جاه ومال ومقام، وبالتالي المعارضة السورية امام مسؤولية تاريخية بالعمل على اعادة السيادة الوطنية المفقودة، بكل الوسائل والسبل المتاحة.

السيادة الوطنية كلمة حق يراد بها باطل، فالنظام السوري يستخدم مبدأ السيادة الوطنية كأداة رخيصة لابتزاز الشعب السوري، وقمع خصومها من المعارضين، والمؤسف حقاً ان العديد من القوى المعارضة للاستبداد، تأثرت بالمفهوم الخاطئ لمبدأ السيادة الوطنية، والمعارضة السورية تشكل نموذجاً فظاً لهذه الحالة، ولا تدرك حتى اليوم انه لا وجود للسيادة الوطنية في سوريا لان الدولة في سوريا منتهكة، من قبل مجموعة من الاشخاص غير الشرعيين، تحت مسمى قيادة الدولة والمجتمع، وللاسف ماتزال المعارضة السورية تعتمد المفهوم الخاطئ للسيادة، وهذا الامر بحد ذاته يؤثر على خيارات المعارضة في صراعها مع النظام السوري، كما تؤثر سلباً على تحالفاتها من اجل احداث التغيير المنشود.

لاشرعية النظام السوري وتمسكه بالاستبداد كخيار وحيد في حكم البلاد، يعطي الحق للمعارضة السورية باتباع كل انواع المقاومة من اجل عملية التغيير، السلمي وغير السلمي، وأقامة كل انواع العلاقات مع اطراف وقوى خارجية تساعدها في مسعاها، فلا مكان لخطوط حمراء محددة في وجدان المعارضة السورية تقيدها وتحدد نطاق تحركها، بل على العكس تماماً، لا بد من الفصل بين سيادة النظام والسيادة الوطنية وعدم الخلط بينهما، وفي الحالة السورية لا اندماج بين السيادتين والتناقض والتنافر هي العلامة الفارقة التي تحكم تلك العلاقة.

فعلى سبيل المثال لا الحصر، السيد وليد بيك جنبلاط خصم للنظام السوري وصديق للشعب السوري، والفارق كبير بين الحالتين، فاعداء النظام هم اصدقاء للشعب السوري، واصدقائه هم خصوم للشعب السوري، وبالتالي التعامل مع السيد وليد جنبلاط والمعروف بعدائه للنظام السوري، يعتبر من ضرورات عملية التغيير، ويصب بشكل مباشر في مصلحة الشعب السوري، وبدون ادنى شك، التعامل مع الجميع وطرق كل الابواب، حق مشروع وواجب مفروض على المعارضة السورية، اذا كانت صادقة ووفية لشعبها.

المفهوم التقليدي للسيادة الوطنية في طريقه الى الزوال، شئنا ام ابينا، وفي حالة تراجع دائم امام المفهوم الجديد للسيادة الوطنية في الفكر السياسي الحديث، الذي يعتمد على مدى احترام السلطات لحقوق الانسان والالتزام بالنهج الديمقراطي، كما ان العالم المتحضر وخاصة الدول والمجتمعات الغربية، دخلت فعلا في طور التنازل عن السيادة الوطنية للدولة لتحقيق مصالح شعوبها، في الوقت نفسه نجد في منطقة الشرق الاوسط، ثقافة الاستبداد لاتزال هي السائدة وتسيطر على الجميع تقريباً، المعارض والمهادن، الاسلامي والليبرالي، اليساري واليميني، والجميع الى حد ما، يطالب المعارض المظلوم ان يكون بطيبة غاندي مهما كانت بشاعة وبطش الحاكم الظالم، بحجة الحفاظ على السيادة الوطنية والتي لا تعني لدى البعض سوى سيادة الحاكم فقط لا غير.


درويش محمى


كاتب كردي سوري


[email protected]