تغميد بعض الجراح التي تئن منه هذه الأمة التي أعياها بلادة إحساس بعض أبنائها. تغميد الجراح إذا أمكن ذلك هوالوصف الحقيقي لقمة الرياض في 28 /29،آذار، 2007، ومابين قمة أنشاص /مصر 1946 ومابين القمة الحالية خروج الإستعمار القديم من الباب ورجوعه بشكله الجديد من النافذة، نافذة الضعف المهين في النظام العربي الرسمي، نافذة أصبحت هي الفتحة الوحيدة لدخول بل التحكم بكمية ونظافة الهواء الذي يجبر المواطن العربي على قبوله مكرها ً منعا ً من الإختناق الفكري والسياسي والوطني والأخلاقي حيث تضيق الجغرافيا العربية إلى حدود قصر أو مزرعة الرئيس أو الحاكم بأمر هذا الشعب التعيس، فتلاشت روابط وأعمدة بناء الأمة ولم يبق منها سوى الجغرافيا شاهدا ً على الإخفاق المهين....جبرية الحقيقة الجغرافية هي الجامع الطبيعي الوحيد العاري من كل محتوى والذي جاء دوره هو الآخر ليدخل إلى صالة التهذيب والتبويب، كينونة ذو بعد واحد مفارقة للعلم والفلسفة و التاريخ، البعد المكاني هو الحقيقة المطلقة والثابتة التي تحاصر نسبية ( أينشتاين )....وتحشرها وتخربط معادلاتها، قمم المتناقضات والإنهيارات المتسلسلة لاجدال فيها ولا عليها!.


قبل أكثر من نصف قرن احتضنت مصر القمة المؤسسة لكل مايلف الوطن العربي اليوم من مآسي وتمزق ودماء وانهيارات،تلاها قمم متعددة كلها أو معظمها سارت على نفس المنوال، قمم أرست قواعد الوهم والجهل والتفتت والتطرف حيث لا وسطية في القول ولاحركية في الفعل وفي قاع الزمن والمعاناة ألفت وتآلفت مع الإنحدار... تراه على الدوام انتصار! كانت أرجلها إلى الأمام وعقلها إلى الوراء وأعينها حائرة وضائعة في كل الإتجاهات المجهوله، قمم وضعت عربتها أمام حصانها وتوكلت وتخدرت وطال الإنتظار بثبات على أمل الوصول، لكنها لم تتحرك ولم تصل بل تخشّب حصانها وتكسرت مفاصل حركتها وخارت في مكانها ولاتزال....


خاطئة بل فاشلة لأنها بدأت من الحلم أو بشكل أدق من الوهم وتاهت ولاتزال ضائعة في مواخيرظلامه بإصرارعلى السير إلى نهاية المشوار المرير....
معكوسة ومقلوبة...! بدأت من الكل بأهداف رومانسية لتضيع في أوحال وكآبة ألوان الجزء ولاتزال بظلاله تغط في جهل الجاهلين، تتقاذفها بعنف عولمة أفقدتها أفكارها وإرادتها وتوازنها و حتى حيائها....
حلمها أصبح وهما ً يخيم على النفوس والعقول ولامس طور اللامعقول، ووهم أعدائها أصبح واقعا ً يحاصرهم حتى في قصورهم وعروشهم وغرف نومهم وجهرهم وسرهم..!.


ماقاله الزعيم التونسي الراحل ( الحبيب بو رقيبة ) قبل عقود من الزمن واتهم في حينها بالجنون وبالكثير من سوء الكلام، أصبح الآن مطلبا ًملحا ً في كل قمة عربية،بل سبب انعقادها وجدول عملها الوحيد وتحصيل حاصل المعيار الأساسي الذي يحدد شرعيتها واستمرارها في أداء وظيفتها....!
تمزقت كل رايات وأعلام الوحدة وكل سواري الحرية وعانى الإنسان سوء التهميش والقمع وامتهان الكرامة الإنسانية ومرارة الفقر والتخلف،وتوقفت عجلة الحياة والتطور بكل شعابها ولاندري بفعل من ولحساب من...هم فاعلون! ورفرف ويرفرف علم الغرباء في سماء بعض عواصمنا العربية علانية ً وخلسة ًوالبعض الآخر ينتظر لحظة موت الحياء...وتبخرماتبقى على الوجوه من ماء... ليتصالح مع الداء...!


قمم متتالية وهزائم مركبة متتالية أيضا ً...، وأسوأها الهزيمة الحضارية والنفسية وإيصال الإنسان لحالة الهزيمة أمام نفسه وأمام الآخرين ودفعه إلى الدخول في نفق الجهل والظلام والضياع إلى أبد الآبدين...


قمة الرياض الحالية ككل القمم القديمة، الجديد فيها اتساع وتعدد الدوائر الملتهبه فيها وحولها...! وأقربها العراق وبعدها فلسطين والسودان والصومال ولبنان وسورية و....، مع فرق هائل بين زمنيين عربيين...، القمة الأولى حركها جسم شاب وحالة ميدانية شعبية متوثبة تمثل أمة في حالة النهوض، وقمة اليوم قمة الأمة الضعيفة التي يحركها عمق عربي خائر تمثله أمة في حالة الإنهيار....
والإنسان أصبح رهين أكثر من محبسين،واقعه المتردي وحاكمه المتصدي الذي فقد صلاحيته المحلية والدولية وتعطل عن العمل... وقائمة طويلة من التحدي، والقوى الخارجية والإقليمية تعبث به دون رقيب أو حسيب! ولأول مرة في تاريخ العرب الحديث يصبح الحكام على هامش الأحداث فاقدين قدرتهم لا في الحفاظ على الكرامة والسيادة الوطنية، بل حتى على المساومة على ماتبقى من الشرف والكرامة والثوابت الوطنية والقومية!.


قمة اليوم التي تلملم بصعوبة أطرافها، تنعقد على أشباح المعاناة الإنسانية المخيفة والصراعات العصبية والنزيف الدموي الهمجي الذي يمزق القلوب في العراق المدفوع إلى التغريب عن هويته، ولمن العاتيات أن مصيره يتلاعب به الشياطين...، وفلسطين هي الأخرى تحاصر الديموقراطية فيها بمحاربتها في غذاء ودواء أطفالها ونسائها، ودارفور الجريحة المهددة بجوعها ومأساتها وغربتها، وسورية التي أنهكها الإستبداد وأصبحت بلا رأس ولبنان يتدحرج عشوائيا ًمتعثرا ً برأسين واكثر من نصف رسميي الأمة في عداد اللامبالين...والباقي تائه مع التائهين..يتفرج مع المتفرجين ويبكي مع الباكين...
القمة وأينما كانت ومتى انعقدت وتحت أي عنوان.... تبقى هي الفاعل الأساسي في رسم الصورة الرديئة الراهنة للواقع العربي والإنسان العربي...ويبقى بقايا أمل في قمة الرياض لتطويق الحريق المشتعل في جسم هذه الأمة...والصحوة الفعلية المطلوبة التي تحاصرها ليس البرامج والأهداف الكبيرة بل نزعة صراع البقاء...!


د.نصر حسن