مع اقتراب موعد الانتخابات التشريعية السورية، ينحصر دور المعارض السوري بين امرين، القبول والمشاركة اوالرفض والمقاطعة، وفي الحالتين لا ناقة له في الانتخابات ولا جمل، كونها صورية لا تتوفر فيها ادنى شروط النزاهة والحرية والمصداقية.
قصدني معارض سوري قبل ايام، لا شبيه له بين اقرانه، وهو حقاً معارض من صنف اخر، جاءني يطلب المساعدة، كوني حقوقي وضليع في القانون الدستوري، اعرب لي عن رغبته في الترشح لمنصب رئاسة الجمهورية، وتصميمه على منافسة الرئيس الحالي بشار الاسد، في البداية اعتقدت انها مجرد مزحة ثقيلة من جانب فخامته، لكنه اظهر جدية فائقة، وثقة كبيرة بالفوز، الامر الذي جعلني اصدقه، وامنحه صوتي الانتخابي، واساعده قدر طاقتي.
اخرج رزمة ثقيلة من الورق تحمل في ثنايا صفحاتها، برنامجه الانتخابي للدورة الرئاسية المقبلة، وبعد ان اتطلعت عليها من الفها الى ياءها، قلت له يارجل quot;يبدو ان ديمقراطية السويد قد اصابتك بلوثة في دماغكquot; لكنه لم يبالي، وبدا اكثر اصراراً على ترشيح نفسه، فهو كما يدعي، مواطن، ومن حقوق المواطنة الترشيح وليس فقط الانتخاب، وبالفعل لو سنحت له الفرصة، وطرح برنامجه الانتخابي في وسائل الاعلام، ولو تمتع السوريون بحرية الاختيار والتصويت، لفاز الرجل ب 99،9 بالمئة ضد خصمه الرئيس الحالي، وحتى لا اثير غريزة الفضول وحب الاستطلاع لدى البعض، ولضخامة البرنامج الانتخابي المذكور، ونحن وانتم، اتعبتنا الايام والاقوال وقلة الافعال، اكتفي بذكر ما جاء فيها من اولويات فقط.
رعاية وتحسين الحالة المعاشية للمواطن السوري، هي من اولى اولوياته، والتعهد بالقضاء على الجوع والعري والتسكع، وابادتها عن بكرة ابيها، خلال الاعوام الاربعة القادمة، كما يتعهد بالقضاء على البطالة وتأمين العمل المناسب للجميع، واذا طرأت مستجدات ولم يتوفق في ذلك لا سمح الله، لديه خطة بديلة جاهزة، تقوم على تقديم الدولة لضمانات اجتماعية توفر لكل مواطن حياة كريمة، ومئات المليارات التي تم سرقتها وتهريبها الى الخارج خلال الحقبة الماضية سيتم مصادرتها، والقانون الجديد المسمىquot;من اين لك هذاquot;كفيل بتحقيق الخطة البديلة، الصحة والسلامة تشكل الاولوية الثانية في برنامجه الانتخابي، فكل مواطن ملزم بأجراء الفحوصات الطبية الكاملة الشاملة بشكل دوري ومستمر على نفقة الدولة، فالعقل السليم في الجسم السليم، والادوية ستباع باسعار رمزية، ولولا خشية الادمان لكانت مجانية، والتعليم ياتي كاولوية ثالثة، فأولادنا اكبادنا تمشي على الارض، والجيل القادم هو محور الاهتمام السوري، لذلك سيتم تخصيص جزء كبير من الدخل القومي للبحث العلمي ولوزارتي التعليم والثقافة، والاستاذ الجامعي سيقبض عشرة اضعاف مرتبه الحالي، ولن يحتاج العمل كسائق تكسي لكسب عيشه، والاولوية الرابعة هي الحريات وتفريغ السجون وتحويل مراكز المخابرات الى مراكز عناية نفسية، واقبية المخابرات الى مراكز رياضية، ومنع الاحتفالات والصحف الرسمية، وتشجيع الصحف الحرة وتقديم المعونة لها، وما لفت نظري تركيزه على الحاسوب في التعليم، فكل تلميذ مدرسة سيحظى بحاسوبه الخاص، واهتمامه هذا يشبه كثيرا اهتمام رئيسنا الحالي، مع فارق بسيط، ان اهتمام الاخير بالحاسوب، ثبت وبالدليل القاطع، انها مجرد هواية شخصية ليس اكثر ولا علاقة لها بالعامة من الناس.
المأخذ الوحيد على مرشحنا للرئاسة وبرنامجه الانتخابي، غياب قضية تحرير الجولان ومحاربة الاستعمار القديم والحديث، فالشعب السوري وبحكم الزمن ادمن على النفاق السياسي وحروب التحرير الوهمية، ومن الصعب الفوز بالانتخابات دون التملق ومحاكات الضمير الجماهيري، لكن الرئيس المقبل لايقبل الدجل والنفاق، ولايطلق الوعود في الهواء، فهو يدرك ان الجولان لن يتحرر في عهده، بل في عهد خلفاءه من بعده، لان حكمه لن يدوم الا اربعة سنوات، والمسؤولية صعبة ومضنية كما يقول، وليست لديه الرغبة في الجلوس على كرسي الرئاسة الا لدورة رئاسية واحدة، والطريق لتحرير الجولان يبدأ بتحرير المواطن وتطوير الاقتصاد الوطني، حتى يضاهي وينافس الاقتصاد الاسرائيلي في الاسواق العالمية.
شغر منصب رئاسة الجمهورية يتطلب مؤهلات خاصة، باعتبارها وظيفة من وظائف الدولة، وخشيتي كانت عظيمة عندما علمت انه دكتور، كون رئيسنا الحالي طبيب عيون ولايرى بعينيه احوال رعيته، لكنه والحمد لله يحمل شهادة دكتوراة في العلوم الاقتصادية، ويبلغ من العمر الكثير ولا يحتاج الامر لتغير مواد دستورية تفصيلية على مقاسه، كما حصل لرئيسنا الحالي في عام الفين، وليس له اخوة او اخوات ولا ابناء عم ولا ابن خال وغير متزوج ولن يتزوج ومقطوع من شجرة، ولن يرثه احد، فلا خطر على حق تداول السلطة، والجميع يتذكر كيف ورث الرئيس الحالي السلطة، ولكن الله وحده يعلم متى ومن سيرثه بعد عمر طويل.
بعد التأكد من سلامة البرنامج الانتخابي والمؤهلات الشخصية لمرشحنا للانتخابات الرئاسية، كان لابد من العودة الى المواد الخاصة بالرئاسة في الدستور السوري، لمعرفة ما اذا كان هناك مانع قانوني قد يواجه مرشحنا للانتخابات، والدستور السوري الحالي صدر في اذار عام 1973في عهد الرئيس الاسد الاب، وهو دستور محكم جدا كحكمه الطويل.
المادة الثامنة الفريدة من نوعها، تنص على ان quot;حزب البعث العربي الاشتراكي هو الحزب القائد في المجتمع والدولة ويقود جبهة وطنية تقدمية تعمل على توحيد طاقات جماهير الشعب ووضعها في خدمة أهداف الأمة العربيةquot;، والمادة الرابعة وثمانون الفقرة (1) تنص على ما يليquot;يصدر الترشيح لمنصب رئاسة الجمهورية عن مجلس الشعب بناء على اقتراح القيادة القطرية لحزب البعث العربي الاشتراكيquot;، وحسب المادتين 8 و المادة 84 لا يجوز لغير البعثي في سوريا ان يكون قائدا ولا رئيساً للدولة، ولعلمي المسبق بحقيقة ضيفي كونه معارض، اخبرته بالحقيقة المؤلمة، فانزعج كثيراً، وغادرني وانسحب، وهو يسحب حلمه بالرئاسة وراءه سحباً.
عاد في اليوم التالي، واخبرني بانه وجد حلا للمشكلة، فهو سيدخل حزب البعث وسيتظاهر بأنه رفيق حزبي قديم، وللضرورة احكام، والغاية تبرر الوسيلة حسب قوله، والح علي ان اعود الى قراءة الدستورمجدداً، وابحث عن مواد قد تتسبب في حرمانه للترشح للرئاسة، وعدت من جديد اقرا في نصوص الدستور العتيق، واوقفتني المادة التالثة والثمانون التي تشترط على quot;من يرشح نفسه لرئاسة الجمهورية ان يكون عربيا سوريا متمتعا بحقوقه المدنية والسياسيةquot;، وسالت ضيفي عن هويته فقال انه quot;كردي سوريquot; وذكرني بصلاح الدين الايوبي وكيف وافته المنية وهو سلطان لا يملك مالا ولا عقارا، فاخبرته بحقيقة المادة الثالثة والثمانون المعدلة، واكدت له ان صلاح الدين نفسه لو عاد الى الحياة، لايحق له الترشح لرئاسة الجمهورية، ولكن ربما عمه اسد الدين شيركو كونه يلقب بالاسد، غادرني ضيفي من جديد، وهو يجر حلمه وراءه جرا.
عاد بعد يومين عكس ما توقعت، ورفع هويته الشخصية في وجهي، مردداً الاية الكريمة quot;وعسى ان تكرهوا شيئاً وهو خير لكمquot;، وتذكرت ان الكرد لا يحق لهم ان يكونوا كرداً حتى على الورق، فالهوية الشخصية للكردي السوري، يكتب فيها عربي سوري، وطلب مني من جديد ان اجلس واقرا في الدستور لعلى وعسى لا توجد عقبات اخرى تمنعه وكرسي الرئاسة، فعدت من جديد اقلب في الدستور ونصوصه، الا ان وجدت ضالتي التي ستخلصني من ضيفي الثقيل، الفقرة الاولى من المادة الثانية تنص على ان quot;نظام الحكم في القطر السوري نظام جمهوريquot; والمادة السابعة عشر تنص على ان quot;حق الارث مضمون وفقاً للقانونquot;، ومن خلال ربط المادتين، نجد ان النظام في سوريا فعلا نظام جمهوري، لكن بدلالة المادة السابعة عشرة، يصبح النظام في سوريا نظام جمهوري وراثي، ومن سابع المستحيلات الالتفاف على الدستور ان لم تكن من العائلة الجمهورية الوراثية، وعند سماعه للحقيقة الاخيرة، خرج على طريقة الفيلم المصري المشهور خرج ولم يعد.
درويش محمى
كاتب سوري
التعليقات