كثيرةٌ هي الآهات والآلام التي نتجرعها من أمريكا، تصل بنا لحدود الأطلال والدماء التي تسفك هنا وهناك، إلا أننا في المقابل لابد وأن نعترف أنها بلد لا يزال يحمل الكثير من الإبهار والجمال، فأمريكا بكل عيوبها المصَّدرة لنا، تبقى دولة ديمقراطية، ترفل بنعيمها، تحاول تعميق النعيم، إلا أنه يتعثر أمام مصالحها المتشعبة، فتتغاضى عن مفاهيم الديمقراطية وأسسها وتردم ينابيعها، أمام ما تقضيه الحاجة، ويتطلب الوضع، وتقتضيه المصلحة العليا لهذه الإمبراطورية الجديدة.
قد يفسر البعض أنها حالة انفصام تعيشها الولايات المتحدة الأمريكية، حين تطبق نظام البهجة الديمقراطي على كيانها، وتركله في سياستها الخارجية، وهو تفسير منطقي، لكنها في نهاية المطاف المصلحة سيدة الموقف، والحاكمة في مصائرنا، حينها يمكن أن يغمض الرئيس بوش عينيه عن أي حالات القمع أو الاضطهاد، الانتهاكات التي تحدث في السجون المصرية، وأن يكتفي بعدم قبوله خارجيته لمسألة التعديلات الدستورية، طالما أن السياسة العامة المتبعة من الحكومة المصرية تسير في الاتجاه المؤيد باستمرار لما هو مطلوب منها في كافة المسارات، ومؤمنة بتلك المقولة ( لا أحد يضع رأسه في فم الأسد )، كما فخامة الرئيس بوش، سيتغاضى أيضا الرئيس الباكستاني برويز مشرف الذي جاء على دبابة، وسينسى مطالبات كلينتون له بتسليم السلطة لحكومة شرعية، وطالما نفذ مشرَّف ما هو مطلوب منه، سيبقى الشريعي، لن تلتفت الحكومة الأمريكية لكل المظاهرات وتجاوزات حقوق الإنسان في هذا البلد، كما هو السيد بوش بإمكانه النوم بهدوء، وعدم الالتفات للتقارير الإستخباراتية التي يقرأها، عن قمع حالة التمرد في مدينة ( صعده ) بشمال اليمن بالطائرات، لأن ذلك يدخل في الشأن الداخلي، ولأن اليمن تنفذ مايطلب منها في القرن الإفريقي وتحديدا في الصومال، التي فتحت فيه سفارتها، بمجرد دخول القوات الإثيوبية المقاتلة نيابة عن الجيش الأمريكي المنشغل بالعراق والخائف من التجربة الصومالية المسحولة.
الإمبراطورية الأمريكية حقيقة، ذات نزعات استعلائية ليس وليدة اللحظة وإنما بزغ ضوءها منذ فترة طويلة، فالتجربة الأمريكية، لا تعتمد على تصدير القيم والمبادئ، التي تنادي بها عبر تصريحات الأبيض والخارجية الأمريكية، وتقاريرها الفصلية عن الحريات ومدى تطبيقها، فأمريكا تسعى فقط لفرض أفكارها ومناهجها في العولمة الرأسمالية، وتطبيقها على حيز الوجود، مع استخدام القوة إن تطلب الأمر.
فالديمقراطية الأمريكية الموجهة للعالم العربي التي أصبحت معروفة باسم خطة ( هاس ) تشير إلى أن تشجيع الديمقراطية من وجهة النظر الأمريكية ستنهج أسلوب الدعم المالي المقدم من واشنطن للحكومات العربية بهدف توسيع دائرة النمو الاقتصادي وعبر انفتاح المجتمعات وإنشاء البنية التحتية للديمقراطية، مؤكدة أن الهدف الأمريكي يتمثل في تعزيز الديمقراطية في العالم العربي والإسلامي عبر الحفاظ على مصالح أمريكا في هذه البلدان خشية وقوع انفجار متوقع في هذه البلدان التي لأمريكا مصالح حيوية فيها كما حدث في إيران الشاه.
وهنا نصل إلى أن الدائرة الرئيسية التي تعتمد عليها أمريكا الجانب الاقتصادي، كمحور رئيسي للنمو الديمقراطي، وليس النهج السياسي وإصلاحه، فهي ترى إبقاء الوضع كما هو عليه، وأن لا تسبب أي إزعاج سياسي لما هو قائم، وإن كان أنظمة استبدادية.
لتنعم أمريكا بالديمقراطية المشرعة أبوابها للعالم، كنموذج مبهر وشفاف، يصل لحد تعطيل الرئيس، فيما ننتظر نحن نجاح التجربة العراقية النموذج لننتظر دورنا.
نضال قحطان
كاتب وقاص
التعليقات