مما لاشك فيه أن التواجد الروسى فى السياسة الأسرائيلية يتسع يوم بعد يوم،وهو ما يدفع البعض للأعتقاد بأن روسيا قادرة على التأثير فى الرأى العام الأسرائيلى تجاه العديد من القضايا المثارة فى ملف النزاع العربى-الأسرائيلى. من المعروف أن تعداد المهاجرين الروس ومواطنى الأتحاد السوفيتيى السابق يصل إلى مليون مهاجر يتصارع عليهم عدة أحزاب اسرائيلية - روسية ابرزها (اسرائيل بيتنا) الذى يتزعمه ليبرمان،(اسرائيل بعاليا) يتزعمه ناتان شارانسكى.


وتعتقد العديد من الأوساط السياسية الروسية أن موسكو يمكن أن يكون لها تأثير على السياسة الأسرائيلية-أستنادا لهذا النفوذ الديمغرافى- بالرغم من أن اغلبية هؤلاء المهاجرين الذين تخلوا وبشكل قطعى عن انتماءهم لصالح الأستقرار فى اسرائيل يشكلون الوقود الأساسى للقوى الأسرائيلية اليمينية المتطرفة،اضافة إلى أن ألاف من هؤلاء المهاجرين كانوا فى صفوف جيش الدفاع الأسرائيلى و شاركوا فى حملات تصفية المدنيين الفلسطينيين، ومع ذلك لا يمكن تجاهل حقيقة جوهرية وهى أن روسيا وفق ساساتها وجهودها على الساحة الدولية يمكن أن تلعب دور وسيط إلى جانب الطرف الأوروبى بين طرفى النزاع فى الشرق الأوسط.ولعل هذا التصور كان الدافع لما جاء فى تصريحات سكرتير مجلس الأمن القومي الروسي ايجور ايفانوف خلال لقائه مع اسر الجنود الإسرائيليين المخطوفين في القدس، وتأكيده أن روسيا ستواصل مساعيها لأطلاق سراح هؤلاء الجنود الذين تم اسرهم من قبل حركة حماس وحزب الله صيف عام 2006.


ويمكن القول بأن الحوار بين الروس والمهاجرين يمكن أن يقدم بعض الثمار المتواضعة فى اتجاهات الرأى العام الأسرائيلى، خاصة أن استطلاعات الرأى كشفت عن أكثر من65% من المهاجرين لأسرائيل،لم يتوجهوا غليها انطلاقا من خلفيات عقائدية اودينية،وانما كانوا يستهدفوا من هجرتهم..
أما: تحسين أوضاعهم الأقتصادية عقب أنهيار الأتحاد السوفيتى الذى تسبب فى تدهور أوضاعهم المعيشية،وهو ما دفعهم للعودة إلى روسيا بعد أن تحسنت الظروف المعيشية فى الأقاليم الروسية
أو: كانت اسرائيل بالنسبة لهم محطة للأنتقال إلى الغرب،ومن فشل منهم لم يسعى للبقاء فى اسرائيل و فضل أغلبيتهم العودة إلى روسيا.


ولعل ما دفعنى لبحث هذه الفكرة هو الجسر التلفزيونى الذى نظمته وكالة ريا نوفوستى الحكومية بين موسكو والقدس،واذا كانت دوافع الوكالة سياسية،وتستهدف الترويج لمواقف روسيا وسياساتها المساندة للمبادرة العربية،اضافة لمساعيها فى توسيع نفوذها ودورها فى مسيرة التسوية السلمية وفق مصالح موسكو، ولهذا السبب نظم القائمون على الحوار عبر الأقمار الصناعية هذا اللقاء وفق رؤية سياسية جمعت العرب والأسرائيليين من القدس مع المستشرقين الروس المختصين بملفات الشرق الأوسط.


إلا أن هذا الحوار وواقع الوضع الراهن، كشف عن أن هذا الحوار كان يمكن أن يكتسب اهمية كبيرة،أذا تم تنظيمه وفق مفهوم الأنتماء للوطن على ارضية توجهات الدولة الروسية العلمانية،وأذا ما كان حوار بين الروس/الروس ndash; الروس/ الأسرائيليين ليبحث اسباب هجرة المهاجرين لأسرائيل الايجابيات والسلبيات فى هذه الهجرة،ومعاناتهم الحالية فى ما اعتبروه وطن جديد لهم.


لعلنا ندرك أن المهاجرين من دول الفراغ السوفيتى والذين توافدوا على الأراضى المحتلة فى اواخر الثمانينات وبداية التسعينيات،تحولوا لقاعدة دعم ومساندة لقوى اليمين الأسرائيلى، بالرغم من ضعف علاقة أغلبيتهم بالمسألة اليهودية كعقيدة وسلوك ديني، إلا أن حالة التطرف كان لابد أن تظهر فى صفوفهم- والتى قد لا تجد لها مثيل فى اوساط من ولدوا فى هذه المنطقة- لتعبر عن رغبة فى ايجاد موطئ قدم لهم فى هذه البقعة من العالم التى اعتبروها وطن لهم.


ولعل هذا الأمر يجعل حوارهم مع ممثلى من وطنهم الأم يكتسب اهمية خاصة تحمل ابعاد مختلفة،ابرزها ما تعكسه من حرص الوطن الأم على ابناءه،ومراعاة مصالحهم. انه حوار من القلب بين ابناء الوطن الواحد،سيدفع العديد من هؤلاء المهاجرين للتفكير فى العودة،أو على الأقل فى صواب قرار الهجرة.وهو ما سيقضى على نظرية الجيل الثانى التى تعتمد عليها المؤسسة الصهيونية فى بسط نفوذها على الأراضى الفلسطينية عبر المستوطنات ومختلف السبل فى تحقيق تفوق ديمغرافى يمكنها فى اهدار حقوق الشعب الفلسطينى.


أن حوار الروس/الروس- الروس/ الأسرائيليين لا يمكن أن يكون سياسيا بمعنى اثارة ملفات المبادرة العربية وما إلى ذلك، وانما يجب أن يبدأ من دوافع قرار الهجرة،وجدوى هذا القرار،ان يبحث هموم المهاجر فى اسرائيل.


ولعل بداية الحوار الذى تابعته فى ريا نوفوستى بين روس/موسكو- وروس/ تل آبيب والتى جاءت محملة بذكريات رومانسية من القدس حول موسكو التى ولد وعاش فيها نائب الكنيست الأسرائيلى quot;ستاسquot; دفعتنى للتفكير فى ذلك، خاصة أن هذا النائب سرعان ما تمترس وراء شعارات الحكومة الأسرائيلية عندما دار الحديث عن المبادرة العربية وبقية الملفات الساخنة.وبصرف النظر عن أن ما دار فى هذا الحوار كان من قبيل المناورة السياسية،فلابد من الأعتراف بأن المهاجر العادى لأسرائيل،خاصة من لا تتوفر لديه فرص العودة، يشعر بالمعاناة وبالحسرة.


اما الذين تتوفر لديهم امكانية العودة فعادة ما يسارعون إلى مغادرة اسرائيل غير اسفين على قرارهم،وقد كشفت العديد من التحقيقات الصحفية التى نشرت سابقا عن أن مئات وربما آلاف من المهاجرين قد عادوا إلى روسيا، لدرجة أن بوتين تحدث عن هذه الظاهرة مستخدما اياها فى الأشارة إلى تحسن الظروف المعيشية فى روسيا.

مازن عباس

صحفى مصرى مقيم فى موسكو 24

-4-2007