إلياهو فينو غراد القاضي اليهودي الصهيوني ينتصر لحزب الله، ويعترف بالفشل الذريع لإسرائيل في إدارة حرب تموز الماضي. فهل أتى وقت علينا بحيث صرنا نبحث عن العدل، والإنصاف، وكلمة الحق ولا نجدها إلا عند الأغراب، بعد أن أصبحت الحقيقة عزيزة ونادرة وغريبة، ولا تظهر إلا على استحياء في عالمنا العربي المثقل بالرياء والنفاق والمحاباة؟ وصار اليهودي والغربي، هو من ينتصر لتجني الأشقاء وأبناء العمومة والخؤولة؟ وهل هناك حائل ما، في أن يرى البعض الصورة، كما هي عليه، ودون تشويه وتحريف؟ وهل ننتظر في كل مرة فينو غراداً آخراً لينطق بالحقائق، ويصحح الحول في النظر لدى البعض بعد أن يكون قد سبق السيف العذل، ومن ضرب ضرب، ومن هرب هرب؟ وأين يكمن السر في تلك الحالة المزمنة من الرؤى المغلوطة التي يصر أصحابها على أنها صحيحة؟

لم يأت، في الواقع، تقرير فينو غراد بالشيء الجديد، بالنسبة لنا على الإطلاق. فقد قلنا ما قاله هذا الصهيوني quot;البارquot; من زمان حين كان البعض يطبل، ويبشر بهزيمة حزب الله، وانتصار الثلاثي أولمرت- بيريتس - حالوتس. فلقد أظهر الصمود البطولي الذي قام به مقاتلو حزب الله أظهر مدى هشاشة وضعف quot;الجيش الذي لا يقهرquot;.

quot;تسونامي سياسي quot; لأولمرت، هكذا وصفت الصحف الإسرائيلية تقرير اللجنة التي يرأسها القاضي إلياهو فينوغراد المكلف بالتحقيق في حرب تموز الأخيرة التي شنتها إسرائيل ضد المقاومة اللبنانية المتمثلة بحزب الله. وأفادت اللجنة التي عينتها الحكومة في تقريرها حرفياً وبالنص، أن أولمرت laquo;اتخذ قراره في عجالةraquo; وحمـّله quot;المسؤولية الشاملة والكبرىquot;، بشن حملة rlm;جوية وبحرية وبرية في تموز ضد مقاتلي حزب الله. واتهمته اللجنة laquo;بالإخفاق الذريع في التقدير rlm;وتحمل المسؤولية والتعقلquot;، إضافة إلى التهور وعدم الجهوزية أو الكفاءة والمهنية والتشاور في قرار الحرب. وبغض النظر عن كل تلك الحيثيات الواردة في هذا التقرير، وكل تلك التوصيات الأخرى التي خرج بها، فإن له عنواناً واحداً، وهو الإنصاف. الإنصاف ليس للمسؤوليين الإسرائيليين، كما تفعل معظم التقارير العربية الملفقة التي تميـّع الحقائق وتنافق، وتبرئ، لا بل تؤله، اللصوص والجلادين والمافيات وتجعلهم صناديداً وأبطالاً، وتحول الهزائم إلى انتصارات، وتجعل من الحقائق ضلالات، ولكنه الإنصاف للمقاومة الوطنية التي حاول quot;إعلام التضليل الشاملquot; العربي تزييف موقفها، وتشويه صورتها في تلك الحرب لمصلحة الجانب الإسرائيلي المهزوم، وهذا الكلام ليس من عندنا الآن، بل حسب آخر تقرير لطيب الذكر فينوغراد. ويتمثل الحيز الأهم في تقرير فينو غراد بالكلام الواضح، والذي لالبس فيه، حول إخفاق الثلاثي، أولمرت-بيريتس- حالوتس، في إدارة الحرب وتحديد أهدافها من قبل الطبقة السياسية والعسكرية، وبأنها كانت مبيـّتة، حين أشار قسم خاص منه للاستعدادات المسبقة لهذه الحرب التي لم تكن كما يجب.

لقد حاول اتجاه عريض في الشارع العربي، تؤازره بعض من النخب الفكرية والسياسية العربية، حثيثاً، بلورة موقف مؤيد، وداعم وموحد حيال هذه الحرب الوحشية التي شنتها إسرائيل ضد لبنان، إلا أن تلك المحاولات باءت بفشل يوازي، ربما، فشل أولمرت نفسه، وطاقمه في الحرب، وقوبلت، بمعارضة شديدة، وصلت حد التهكم، والاستهزاء بـquot;الوعد الصادقquot;، وquot;النصر الإلهيquot;، وإلى آخر ما هنالك من اسطوانة، ورطانة لوذعية قاسية طالت الأداء البطولي الذي اتسم به حزب الله ومقاتليه عبر قلب الصورة، والحقائق بأن المقاومة فشلت، وهزمت شر هزيمة، لأن النصر لا يروق، عادة، لمن امتهن الهزيمة والذل والهوان، والإيحاء بأن المقاومة هي المتسببة والمسؤولة عن الحرب، ولقد كرست إمبراطوريات إعلامية كبرى، وأقلام نبيهة ونحريرة كثيرة لرسم ذاك التصور في عقول وأذهان الناس. إلا أن quot;البطلquot; فينو غراد يعيد، وحده، اليوم، مشكوراً، الحق لأصحابه، والوضع لنصابه، ويصحح الصورة، وينصف كل أولئك الذي جرّمتهم، وهزأت منهم الأقلام إياها. لقد قال فينو غراد ما حاولنا كثيراً قوله بشأن هذه الحرب. وخرج بما كنا نأمل، وعبر محاولاتنا العبثية، أن تخرج، وتقتنع به تلك الرؤى الأحادوية المتشنجة العوراء صاحبة المواقف المسبقة.

ومهما يكن من أمر، فلا يهم، بعد اليوم، إن استمر أولمرت، أو سقطت حكومته، أو ذهب بيريتس وحالوتس إلى الجحيم، ومزابل التاريخ، لكن المهم أكثر، أن أخذ حزب الله، اليوم، حقه من الجدل العنيف الدائر، هنا وهناك، حول تلك الحرب. وبالطبع ليس العرب، وآلاتهم الإعلامية الدعوية، هم من أنصفوا حزب الله، ولكن الإسرائيليين أنفسهم، أعداء الحزب الألداء.

ولكم في ذلك درساً، وعبرة، يا أولي الألباب، الأعراب.

نضال نعيسة
[email protected]