في عدد الرابع و العشرين من إبريل 2007 من جريدة الأهرام، لسان طغمة الفساد الحاكمة، كتب الأستاذ فهمي هويدي، المحسوب على التيار البناوي، مقالاً أوضح فيه لنا مفهومه للعدالة، حيث تناول سيادته في المقال المذكور مسألة قيام الجهاز المركزي للتعبئة و الإحصاء، و هو الجهة الرسمية المسئولة عن إجراء الإحصاء المصري العام، بحجب نسبة المسيحيين المصريين من التعداد المصري العام، و قد ندد سيادته بحجب النسبة، معتبراً ذلك مسألة غير سرية و بالتالي لا تستحق الحجب، معتمداً في ذلك مبدأ أن النسبة واضحة من إستعراض تاريخ الإحصاء العام في مصر منذ بدايات القرن العشرين حين كانت الجهة المسئولة عن الإحصاء يتولاها أجانب، و كانت مصر أبانها واقعة تحت الإحتلال البريطاني، و ليخلص القارئ من مقال سيادته بأن النسبة لا تتعدى بأي حال عشرة في المائة من المجموع العام.


في حقيقة الأمر لا تهمني النسبة المئوية للمسيحيين في مصر، مثلما لا تهمني النسبة المئوية لأي مجموعة سكانية في مصر، أكانت تلك المجموعة دينية، إسلامية أو مسيحية أو غير ذلك، أو أحد المذاهب أو الطوائف الدينية كالصوفية أو القرآنيين أو البهرة أو غيرهم، أو عرقية كالأمازيغ من سيويين و هوارة و غيرهم، أو نوبيين أو بجا أو واحيين، أو مجموعة ثقافية كبدو سيناء و البحر الأحمر و الشرقية و مطروح و غيرهم في محافظات مصر المختلفة، حيث إيماني الشخصي هو ان الجميع مواطنين مصريين و إن إختلفوا في هوياتهم الفرعية الدينية أو العرقية أو الثقافية، فليس هناك مصري أكثر مصرية من الأخر، و بالتالي فللجميع نفس الحقوق مثلما عليهم نفس الواجبات، و بالتالي فإنني مع الأستاذ هويدي في رفض سيادته لحجب الجهاز المركزي للتعبئة و الإحصاء، ذلك المنع الذي جاء بالتأكيد بأوامر عليا، كأي شيء في محروستنا.


و لكنني و بكل تأكيد أختلف مع الأستاذ فهمي هويدي في الدوافع التي تحدو بي لمشاركة سيادته في رفض حجب تلك المعلومة الإحصائية، فالأستاذ فهمي هويدي بهواه البناوي و عمله في جريدة أصبحت تمثل اليوم لسان حال مؤسسة الفساد و التسلط الحاكمة، منذ تولى الأستاذ محمد حسنين هيكل إدارتها، هدفه أن يرسل رسالة لناشطي الأقباط المسيحيين مفادها إن حجب النسبة ليس إلا مغازلة من السلطات الحاكمة لكم، و إن عددكم لا يمثل شيء ذي بال على الساحة الإجتماعية أو السياسية أو الثقافية المصرية، و أن عليكم الصمت و التعاون مع أسرة الفساد الحاكمة أفضل لكم، فعليكم الرضى بالوضع الحالي.


أما بالنسبة لي فإن دوافعي لرفض حجب نسبة مسيحيي مصر من التعداد المصري العام، فترتكز على مبدأ أن حجب أي معلومة أصبح يتناقض مع الشفافية التي أصبحت عنوان العصر الحالي و منذ أمد، فالعالم اليوم أصبح يعيش عصر المواطن العادي من أمثالنا، و أصبح إستئثار مجموعات صغيرة في كل دولة، تلك المجموعات التي يطلق عليها إسم النخب، بالمعلومات و إتخاذ القرارات بناء على تلك المعلومات، مبدأ مرفوض، فكل يوم يتعزز معه مكانة المواطن العادي، الذي أصبح له حقاً مقدساً في أن يعرف، و أن يناقش ما عرف، و أن يقبل و يرفض ما علم بحرية تامة، و دون خوف.


كما إن شخصي البسيط يؤمن بأن العدالة للجميع، فالعدالة ليست بالعدد، يستحقها فقط من هو أكثر عدداً و أعز نفراً، بينما على الأقل عدداً و الأضعف حولاً أن يصمت و يسكت و يرضى أن يتجرع الظلم، و عليه أن يتقبل شاكراً ما تلقيه إليه السلطة الغاشمة و حلفائها، كما يريد الأستاذ فهمي هويدي أن يرسخ في الأذهان.


لهذا سيان عندي أن تكون نسبة المسيحيين أقل من سبعة في المائة من تعداد مصر أو حتى خمسين في المائة، مثلما سيان عندي أن يكون تعداد أمازيغ سيوة عشرة آلاف نسمة أو أكثر أو حتى شخص واحد، و بالمثل مع النوبيين و البجا، أو الصوفية أو القرآنيين أو الشيعة أو غيرهم.

المسألة يجب أن تكون هل هناك ظلم أم لا؟ هل هناك و لو شخص واحد مظلوم أم لا؟ لا النسبة المئوية، لهذا كان حرياً بشخص يرتدي مسوح الإسلام كالأستاذ فهمي هويدي أن يسأل نفسه، و يسأل قراء مقالاته، إذا كان هناك ظلم واقع على مسيحيي مصر أم لا؟ و هل هم على قدم المساواة بالمصريين جميعاً أم لا؟ و هل تم إنصاف النوبيين بعد طول معاناتهم أم لا؟ و هل ما يحدث اليوم في سيوة من عرضها على مستثمرين إيطاليين بما سيعني إنتزاع أراضي من أصحابها بحجة إنها أراضي الدولة، أو بالأحرى أراضي أسرة الفساد الحاكمة، هو تعامل عادل مع مجموعة بلا حول أو قوة أم لا؟
الأستاذ فهمي هويدي، و هو الكاتب البناوي، يبدو إنه حين يقرأ القرآن الكريم، فإن القرآن الكريم لا يتجاوز حنجرته، فلا تنفذ كلماته إلى قلبه، فلو إن سيادته فعلاً و قولاً يعبر عن الإسلام الحق، لأدرك بأن الإسلام يأمر بالعدل، النحل 90، و أن إقرار العدل لا يرتبط بالهوى الشخصي، فلا يجب أن يؤثر على مجرى العدالة الكراهية الشخصية لأي فرد أو جماعة، المائدة 8، و لكان آمن بأن العدالة يجب أن تأخذ مجراها حتى لو كانت ستمس ذوي قرباه، الأنعام 152، و أن العدالة لا يجب أن تتأثر بغنى أو فقر، النساء 135، و بالتالي فمسألة التعداد لا تمثل شيئاً ذي بال.


إن ما يثير الأسف هو هذا العمى الذي نراه اليوم من أصحاب أقلام لا يرون الأخطار المحدقة بمصر، فلا يتعلمون من دروس 1919 و ما قبلها و ما بعدها، و لم يتعلموا مما حاق بلبنان، و ما ألم بالسودان حين ظلم شماله جنوبه، و لا يتعلمون حتى من دروس اليوم في العراق و دارفور، حيث الفتن مشتعلة.
يا سادة أن الظلم يورث الكفر، و أعتقد أن ما يجري في سيناء هذه الأيام، هو مثال حي على ذلك، حيث الصلف و الغطرسة الغاشمة لقوى الشرطة المباركية منذ عدة سنوات، إضطرت بعض أبناء قبائل سيناء لأن يعتصموا بالقرب من الحدود المصرية الإسرائيلية خوف بطش السلطات المباركية بهم، كما فعلت معهم مراراً، أولئك المعتصمين الذين لا مطلب لهم سوى حقهم في العيش بكرامة.


لهذا فإن ما أؤمن به هو أن كل من يساهم في الظلم الواقع على أي شخص أو جماعة، و بصرف النظر عن عدد تلك الجماعة، و مدى قوتها و نفوذها، هو خائن، سواء كانت مساهمته في الظلم بالفعل المادي، كما تفعل المجموعة الحاكمة الحالية التي رسمت تلك السياسات الظالمة، و معها أداتها في التنفيذ و أعني الشرطة المباركية و بقية الأجهزة الأمنية و التنفيذية، اليوم مع السيناوية و المسيحيين و النوبيين و السيويين و البجاويين و الصعايدة و الصوفية و القرآنيين و الشيعة، أو كان يغطي على هذه المظالم، أو يسوغها و يشرعنها كأصحاب الأقلام و المنابر، لأن كل من يشارك في الظلم إنما هو معول يعمل على هدم البنيان المصري، ذلك البنيان الذي حماه الأجداد بمقولتهم الخالدة: الدين لله و الوطن للجميع، حين كان الخطر الذي يتهدد مصر آنذاك هو خطر الفتنة الدينية فقط.


أحمد حسنين الحسنية
حزب كل مصر
30-04-2007