المحادثات الامريکية ـ الايرانية بشأن العراق، هي في حاصل تحصيلها العام إنعکاس لقوة دور الدولتين في الشأن العراقي الذي تخطى حاجزquot;التقليدي و المألوفquot;منذ أمد بعيد نسبيا.


الولايات المتحدة الامريکية التي بدأ دورها يتصاعد في العراق منذ حرب تحرير الکويت والتي وصلت الى أوجها في 9 نيسان 2003 مع سقوط بغداد، تواجه مجموعة مشاکل مستعصية في هذا البلد، و ان تفاقم الرفض الداخلي الامريکي لسياسة البيت الابيض بشأن العراق يعکس في حد ذاته الوضع الامريکي غير المريح فيه. إلا ان البيت الابيض يسعى جاهدا للتشبث بکل شئ قد يقود الى حل ما حتى وإن کان ثمة بصيص من الامل يلوح في ليلة ليلاء کالتي يرنو إليها الان بجلوسه على طاولة مفاوضات مع إحدى دولquot;محور الشرquot; التي قد تکون قطب ذلك المحور و عماده الاساسي.


الجمهورية الاسلامية الايرانية التي بدأت بالتخطيط لدور إستثنائي لها في العراق، طفقت تترجم ذلك على أرض الواقع منذ عام 1982 مع إعلان ولادة أطروحةquot;المجلس الاعلى للثورة الاسلامية في العراقquot; و ماتلتها من تحکم على الشارع الاسلاميquot;الشيعي منه بشکل خاصquot;، بدأ دورها يتعاظم في العراق قبل سقوط النظام البعثي بسنين وبوسائل مختلفة أهمها تزايد نفوذها الاستخباري في هذا البلد بشکل إستثنائي غير مسبوق. وقد وطدت طهران من نفوذها أکثر فأکثر بالعراق توازيا مع بوادر زيادة النفوذ الامريکي في المنطقة عموما و العراق خصوصا، سيما وإنها تمتلكquot;جعبةquot;غير عادية من المشاکل مع الولايات المتحدة التي تکنيها في قاموسها السياسي بالشيطان الاکبر وان علاقاتها معها تسير في طرقات ليس فيها سوى المطبات و المنزلقات و المهاوي، وهيquot;أي طهرانquot; متيقنة من أنها لابد من أن تصفي حساباتها يوما معquot;شيطانها الکبيرquot; رغم ان جلوس سفيرها في بغداد مع السفير الامريکي قد لا يکون تصفية هذا الحساب لکنه قد يحدد ما سيفعله کل منهما حيال الآخر لو فشلت المفاوضاتquot;وهي فاشلة حتماquot;.


ومع جلوس وفدي البلدين في بغداد، تلوح طهران بعدة أوراق ضغط على واشنطن تبدأ من نهر البارد و تمر بظهور السيد مقتدى الصدر مجددا على الساحة العراقية و إزدياد الانباء عن الافراد والشاحنات المفخخة التي تجتاز الحدود صوب إقليم کوردستان العراق مع التلويح بأوراق أخرى بشکل ضمني. وفي المقابل، فإن واشنطن، المستاءة أساسا من الدور الايراني في المنطقة بشکل عام و العراق بشکل خاص، تجد نفسها في موقف صعب يحتم عليها أن تجلس معquot;قطب الشرquot;المعادي لها ليل نهار مع سعيها المستمر دوليا لحصرها quot;نووياquot; وحتى عسکريا في زاوية ضيقة سيما وإنها قد قامت في الآونة الاخيرة بخطوة من هذا النوع عندما إجتازت مجموعة من سفنها مضيق هرمز في وضح النهار ومن دون أي إخطار أو حتى quot;إکتراثquot;بالايرانيين، هذه الخطوة قد تکون رسالة واضحة جدا لطهران وهي تستعد للجلوس لأول مرة على طاولة واحدة معها عدوتها اللدودة واشنطن.


لو قدر لهذه المفاوضات أن تنجحquot;وهو المستحيل بعينه لأکثر من سببquot;، فسوف يکون ذلك بمعنى عودة شاه معممquot;بعد إجراء التحسيناتquot; الامريکية المطلوبة، وعلى الرغم من ذلك الزعيق الاعلامي الذي يحيط بالخطاب الايراني الرسمي من تشدد تجاه الولايات المتحدة الامريکية، إلا أن واقع حالها هو بخلاف ذلك تماما، إنها في موقف قد يکون أصعب بکثير من الموقف الامريکي إذ ان مشکلة واشنطن وفي أسوأ الاحوال ليست مسألةquot;مصيرquot;کما هو حال الحکم الايراني، وسوف يسعى السيدquot;قميquot;للحصول على بطاقة quot;تأهيلquot; خضراء امريکية للنظام السياسي في إيران و قطعا سوف يلتمس السفير الايراني من السيد کروکر أن تتم تصفية منظمةquot;مجاهدين خلقquot; کجزء أساسي من صفقة قد تکونquot;تأريخية حاسمةquot;لو کتب لها النجاح، غير أن المعلومات المتسربة من مصادر مطلعة تؤکد أن الامريکان سوف لا يتجاوزونquot;الاعراف الدوليةquot; أبدا في مفاوضاتهم مع طهران وهو يعني انهم سوف يرفضون تصفية الخصم الصعب و العدود اللدود رقم واحد لطهران مقابل حفنة تنازلات ايرانية قد تکون واشنطن بحاجة ماسة إليها لاسيما في الوقت الحاضر.
بيد ان الامر الاهم لطهران من وراء هذه المحادثات هو إنها تريد أن تبعث برسائل عديدة وعلى عدة أصعدة دولية و إقليمية و حتى على صعيد الداخل الايرانيquot;المتأزمquot;، ولکنها ومع کل الذي قيل و سيقال بهذا الصدد فإنها حققت إنجازا تأريخيا کبيرا جدا بجر المحافظين الامريکيين الجدد الى طاولة واحدة، إنه حقا إنجاز يدعو للفخر بالنسبة للحکم الايراني، لکنه قطعا سيمثل أيضا إنکسار و خيبة و تراجع فريد من نوعه بالنسبة لواشنطن أمام أصدقائها قبل إيران نفسها!

نزار جاف
[email protected]