quot; أيها الماضي! لا تغيِّرنا... كلما ابتعدنا عنك! أيها المستقبل: لا تسألنا: مَنْ أنتم؟ وماذا تريدون مني؟ فنحن أيضاً لا نعرف. أَيها الحاضر! تحمَّلنا قليلاً، فلسنا سوى عابري سبيلٍ ثقلاءِ الظل! الهوية هي: ما نُورث لا ما نَرِث. ما نخترع لا ما نتذكر.quot;


كان من الطبيعى ان تهزنى مقالة الشعر المبدع محمود درويش بعد ايام ثقيلة كنت أحاول أن اجد البداية لحديث اردت أن اعبر من خلاله عن ما يدور فى عقلى..وعن اشعر به من إلم،كل التحليلات..وكل المشاعر..اختصرتها ابداعات درويش فى كلمات بسيطة quot;أعجبنا حزيران في ذكراه الأربعين إن لم نجد مَنْ يهزمنا ثانيةً هزمنا أنفسنا بأيدينا لئلا ننسى! مهما نظرتَ في عينيّ.. فلن تجد نظرتي هناك. خَطَفَتْها فضيحة! قلبي ليس لي... ولا لأحد. لقد استقلَّ عني، دون أن يصبح حجراً. quot;


لم اجد ما اقوله، اردت أن أخرج من حالة الذهول امام فرقاء قرروا ان يشطبوا على عشرات السنين من الكفاح،ان يهدروا دماء المئات بل الأف الذين استشهدوا حتى لا تفقدالقضية شرعيتها..حتى تبقى حية فى ضمير المجتمع الدولى،اننى اتساءل كم فلسطينى..بل كم عربى سقطوا شهداء حتى يعترف العالم يحقوق الشعب الفلسطينى؟؟


اليوم قرر الأشاوش تحرير العالم من هذا العبء،وقرروا ان يخففوا من اثقال البشرية بشطب القضية الفلسطينية،انه تحرير العدو من مصائب المشردين والأسرى..انه تحرير المحتلين من جريمتهم بحق المضطهدين فى غزة و القطاع..انها جريمة الجرائم..


وبكلماته البسيطة جمع الشاعر المشاعر والفكرة..الأحاسيس والموقف quot;وسألني: هل أنا + أنا = اثنين؟ قلت: أنت وأنت أقلُّ من واحد!.لا أَخجل من هويتي، فهي ما زالت قيد التأليف. ولكني أخجل من بعض ما جاء في مقدمة ابن خلدون. أنت، منذ الآن، غيرك!. quot;


بل وكان قاسيا لعل كلماته تعيد البعض لصوابهم quot; وقتل أمَّه.. لأنها هي ما تيسَّر له من الطرائد.. ولأنَّ جنديَّةً أوقفته وكشفتْ له عن نهديها قائلة: هل لأمِّك، مثلهما؟ لولا الحياء والظلام، لزرتُ غزة، دون أن أعرف الطريق إلى بيت أبي سفيان الجديد، ولا اسم النبي الجديد! ولولا أن محمداً هو خاتم الأنبياء، لصار لكل عصابةٍ نبيّ، ولكل صحابيّ ميليشيا! quot;.


وكانت البداية عندما صور وهم السلطة لفتح انها اصبحت سلطة لديها دولة،وكفرت بمواثيق ومبادئ التحرر الوطنى،ودخلت لعبة النظام العربى، وسيطر الفساد والنهب كنهج على عدد من قياداتها،لانهم قيادات وحكام.لقد غادرت فتح خندق الكفاح التحررى إلى موقع الوزارة والحكومة،ولكنها لم تنتبه إلى انها لم تبنى بعد الدولة بمقوماتها.وكان لابد أن يؤدى هذا لخروج المارد من القمم.. مارد الذبح والقتل والتدمير..مارد الجهالة والتخلف.مستخدما شعارات براقة عن الأخلاص والوطنية والشرف،وهو ما كان متوقعا.


المسالة ليست فى توزيع حصص السلطة، وهى بالتأكيد ليست صراع نهج المقاومة ونهج العمالة.انها منهجية ورؤية تنتمى لحركة الأخوان المسلمين التى تأسست منذ عام 1928اعتمدت بالدرجة الأولى على المنطق التأمرى الأنقلابى،الذى يلجأ لأستخدام الفئة القليلة للقوة بهدف أخضاع اغلبية المجتمع لبرنامجها،والتى تزعم انها تتمتع بحق تمثيل السلطة الألهية على الأرض استنادا لقراءة وتفسير محدد للشريعة والقرآن الكريم،دون اى أعتبار لمصالح أو قناعات أغلبية قطاعات المجتمع.


منطق القوة لدى هذه الجماعات يستند لرؤية معروفة وهى القضاء على المنكر،دون مراعاة الأتفاق أو تحديد الأفعال التى يمكن أن ينطبق عليها مفهوم المنكر أو الكفر،بل وحتى دون أحترام لمقولة من كفر مسلما كفر.


ويمكن القول ان استخدام العنف ضد المجتمع لا ضد الدولة كان هو الاسلوب المسيطر على عمل هذه التيارات،ويذكر التاريخ حريق القاهرة الذى نفذه الأخوان لحساب السرايا،وتفجير مؤسسات مصالح الشعب،اضافة لعمليات الأغتيال السياسى.وأذا كانت التسعينيات من القرن الماضى قد شهدت نبذ جماعات الأخوان المسلمين للعنف رسميا،واكتفاءها بالعمل السياسى ضمن تركيبة الأنظمة الحاكمة، فأن تطورات الأزمة الفلسطينية فرضت على جماعة الأخوان فى الأراضى الفلسطينية وضع لم تعد قادرة فيه على تجاهل القضية المركزية للشعب الفلسطينى مع تفجر الأنتفاضة الأولى عام 1987،وزاد الضغط على قيادة الجماعة عندما توجه قطاع كبير من عناصرها إلى المشاركة فى اعمال المقاومة وتحدى قرارات قيادة الأخوان.مما اسفر عن تعديل اولويات الأخوان المسلمين فى الأراضى الفلسطينى،ووضع القضية الوطنية فى المقام الأول،حتى لا تفقد الجماعة تواجدها وقاعدتها الجماهيرية. واصدر الشيخ احمد ياسين البيان الأول فى اوائل 1988،وفضل الأخوان المسلمون أن تكون مقاومة الأحتلال الأسرائيلى تحت مسمى أخر غير الأخوان وهو حركة المقاومة الأسلامية-حماس،وكان الخوف من التعرض لضربة اسرائيلية السبب فى عدم الأعلان عن علاقة الحركة مع الأخوان حتى النصف الثانى من عام 1989، بعد عام ونصف من بيان احمد ياسين.القضية الوطنية ليست فى اولويات الحركات الطائفية،وقد عبر زعيم الأخوان المسلمين المصريين والأب الروحى لحماس عن هذا الموقف فى تصريحات علنية التى قال فيها (طز فى مصر وابو مصر واللى فى مصر) وتمنى أن يتولى زمام الحكم مواطن ماليزى؟ بل انه قال إن الإخوان ومن يحبونهم سيضربون بالجزمة كل من يقول كلاما سيئا عنهم أي أن الجزمة ستكون وسيلة التعامل مع كل من يختلف معهمrlm;.فلماذا نندهش عندما يزحف الحماسيون لتدمير كل ما تحقق ليس على يد فتح،وانما على يد ابناء الشعب الفلسطينى.


ويخطئ من يبرئ ساحة فتح، لانها- كما سبق وذكرت- متورطة مع حماس فى تدمير هذه المكتسبات بسبب ممارساتها السياسية وانتشار الفساد فى اوساط العديد من قياداتها،وفى شرع مين يقوم البعض بشراء الأسمنت من مصر ثم يورده للأسرائيليين حتى يبنوا الجدار، ويخرج علينا بتصريحات نارية حول عنصرية اسرائيل وضرورة التصدى لعملية بناء الجدار؟؟؟؟؟


باختصار كان محمود درويش كعادته مبدعا فى التعبير عن ضمير الشعب ومعاناته، وتجسيد رؤيته. لعل كلماته تجد طريقها لانهاء العبث الفلسطينى الذى بلغ ذروته.

مازن عباس

صحفى مصرى مقيم فى موسكو

لقراءة مقالات اخرى في ايلاف