بالرغم من أن الأضرار والخسائر البشرية والمادية التي خلفها إعصار )جونو) نتيجة قسوته، إلا أنه كان اختبارا جديدا لقوة وتلاحم الشعب العماني وقيادته في مثل هذه المحن التي فجرت الكثير من المشاعر الوطنية والتي تتطلب دراستها ورصد نتائجها سواء على مستوى الأفراد أو المؤسسات.


يستطيع المرء تكوين العديد من الكلمات من الحروف الأربعة للضيف المداري الثقيل إعصار(جونو)، ولكنني اختار هنا كلمة واحدة لكل حرف من حروف الإعصار من واقع مشاهدتنا للوضع الذي خلقه (جونو) بين جميع القاطنين على هذه الأرض الطيبة سواء من المواطنين والوافدين. فحرف (الجيم) من جونو يعني لي أن الإعصار (جمعنا) في مظهر لم نعتد أن نراه بهذه الصورة النقية من التكاتف والتعاضد والتلاحم، بحيث أصبحنا موضع حديث مختلف المحللين والكتّاب سواء داخل أو خارج السلطنة، وإذا بهم يتحدثون عنا وكأننا لسنا بشعب ننتمي إلى إحدى دول الشرق الأوسط الذي يراه العالم يصارع بعضه البعض من أجل مصالح الآخرين. لقد استطعنا بجمعنا هذا في هذه المحنة من مساعدة المتضررين والمنكوبين واستغاثة الناجين من جراء الاعصار بأن توجد ونكّون صورة جديدة من التلاحم بين أبناء الوطن الواحد قلما تجده في دول المنطقة، خاصة وأن ما خلفه الإعصار من الآثار السلبية ربما أكبر بكثير مما تخلفه حروب التحرير أحيانا. ولكن هذه إرادة الله وعلينا أن نقبلها بكل رضى.


أما الحرف الثاني من (جونو) وهو (الواو) فأقول أن الإعصار (وحدّنا) في بوتقة لم نعتد أيضا أن نجربه بهذه الصورة، لأن الكثير من أبناء جيلنا لم يتعرض لمثل هذه المحنة الانسانية التي إضطرته بأن يروي عطش أو سد حاجة أبنائه بربع أو خمس ما لديه، بغية جمع ما لديه من المؤونة الأخرى للمتضررين والمنكوبين. إنها قمة الايثار التي عرفتها البشرية في هذا العصر، ومن الصعب وصف هذه الصورة. أن المحنة كشفت المعادن التي يتحلى بها العمانيون، وقد تناول الكثير من زملائنا هذة الصورة الفريدة.
وإذا كان الاعصار استطاع أن يوجد فينا تلك المشاعر النبيلة التي ستبقى للأبد، فان حرفه الثالث (النون) يعني أنه (نبهنا) عن الكثير من الأمور التي يجب مراعاتها في حياتنا المعتادة سواء كأشخاص أوكمسؤولين عن التخطيط. ولا شك أن القائمين على التخطيط ربما تنبهوا إلى الكثير من القضايا التي كانت خافية عنهم لأن المرء ضعيف في الأصل بغض النظر عما يشغله من وظيفة.


أما الحرف الأخير منه وهو (الواو) فأرى أنه (وجهنا) أيضا بألا نستهين بمثل هذه الأعاصير خاصة وأن الدول التي تقع على السواحل أكثر عرضة لمثل هذه الكوارث الطبيعية، حيث تقع السلطنة على البحار المفتوحة وهي المحيط الهندي، وبحر العرب، وخليج عمان. وأن نأخذ احتياطاتنا المطلوبة، ونهيأ أنفسنا من جميع النواحي والمستلزمات، بحيث يكون لنا البدائل في مثل الحالات الطارئة من محطات الكهرباء والمياه والاتصالات، وغيرها من المستلزمات الأخرى التي تتطلبها البنية الاساسية الحديثة، وأن تكون لدينا الكوادر التي تستطيع تحليل الكثير من هذه القضايا، وأن نعمل بالشفافية بحيث تكون الأمور واضحة للعيان، وألا يفاجأ المرء مرة واحدة. كما من المهم ألا نعتدي على الطبيعة سواء بأفعالنا أو قراراتنا، فهي لا ترحم، لأنها موجهة من سبحانه وتعالى، وعموما بالرغم من أن الأضرار والخسائر البشرية والمادية التي خلفها الإعصار نتيجة قسوته، إلا أنه كان اختبارا جديدا لقوة وتلاحم الشعب العماني وقيادته في مثل هذه المحن التي فجرت الكثير من المشاعر الوطنية من أقصاها إلى اقصاها والتي تتطلب دراستها ورصد نتائجها سواء على مستوى الأفراد أو المؤسسات. كما كشفت هذه المحنة عن معدن الشعب العماني الأصيل الذي هبّ في أول وهلة لمساعدة أخوانه المتضررين. ويصعب على المرء إحصاء ذلك لأن الكل شمر عن ساعديه سواء من رجال الشرطة و الجيش و البلدية و الأجهزة المدنية والمؤسسات الحكومية والجمعيات التطوعية الأخرى بجانب المتطوعين الذين كان لهم وقفة لم ولن يستطيع أحد نكرانها.


ولا شك أن المهمة لن تنتهي حتى هذه اللحظة لأن المعاناة كبيرة وتحتاج إلى بذل وعطاء وجهود متواصلة لأرجاع الابتسامة إلى كل طفل عماني، وكل أسرة تعيش على هذه الأرض الطيبة. وبعون من الله سبحانه وتعالى وإيمان المرء بقضائه وقدره وبأن رحمته سبقت غضبه، وبحرص جلالة السلطان قابوس وتعليماته السديدة، وبتكاتف أبناء هذا المجتمع الأبي، سوف نستطيع احتواء هذه الاضرار وآثارها السلبية في أقرب وقت ممكن إن شاء الله.

حيدر عبدالرضا

لقراءة مقالات اخرى في ايلاف