في عمود لكاتب كردي من الإقليم العراقي كردستان، في جريدة يومية حزبية مرصودة لها شدة كبيرة من أموال بيت مال الشعب، ومزودة بجيش جرار من الكوادر غير المهنية، لا تتجاوز مساحة توزيعها غير الدوائر الرسمية والمقرات الحزبية.. تناثر الى أبصار القاريء الكوردي خبر غريب هو مشاهدة بعض التماسيح مجهولة المصدر- لا ندري ان كانت إيرانية أو افريقية- في نهر سيروان الذي يمر بمحافظة السليمانية من داخل الأراضي الإيرانية ليصب في نهر دجلة بالقرب من بغداد.. ومن شدة وقع غرابة الخبر على الكاتب الكريم حفز قلمه الناقد الساخر ليسطر بالكردية عمودا قيما تحت عنوان التماسيح، فيما يلي بعض سطوره منقولا عنه بتصرف:-
هلا ومرحبا بالتماسيح في كوردستان، البيت خال وإذا بالضيوف على الباب، لم تعوزها شيء سوى قدوم التماسيح، لا أدري ان كانت هذه الكائنات مستوردة أم محلية أصيلة، الذي أعرفه قبل مشاهدة الناس لهذه التماسيح في نهر سيروان، منذ سنين ونحن نشاهد التماسيح في أماكن أخرى، تفضلوا للذين لم يشاهدوها، مجموعة من تلك التماسيح:
ما هذا التمساح الذي لم يكن يملك خبز الله، فإذا به اليوم يملك عشرات العمارات والعقارات.
أليس هذا بتمساح، من خلال تبليط شارع، يضع صفقة كاملة في جيبه.
أوف من هذا التمساح ذي القواطع الحادة، الذي بقدرة كن فيكون، يحول التخصيصات المالية الشهرية لدائرته الى وصولات رسمية.


أخ من هذا التمساح الذي يبقى على الدوام رئيسا للجنة المشتريات.
انظروا الى هذا التمساح الجائع دوما، الذي ملك مزرعة دون حق تكفي لبناء خمسين بيتا للمستأجرين الهالكين من طغيان المؤجرين.


آه، من تلك التماسيح، حزينة العيون، تذرف لك دموعا في الصباح، وتجهض عليك في المساء.
آه عليك، حذار من هذا التمساح الذي يقطر من لسانه عسلا ومن قلبه سما.
أخي المكرم، وهذا التمساح، جاري، الا تراه، الذي حول حديقة عامة الى ملك صرف.
فيا أعزائي، ويا نور عيني، من زمن امتلأ بلادي بالتماسيح، بأجساد متنوعة ومتعددة، تماسيح اقتصادية، تماسيح ثقافية، تماسيح عقارية، تماسيح زراعية، تماسيح فنية، تماسيح صناعية، تماسيح شركاتية، تماسيح تربوية.. ولا أخفي إذا سار الواقع على هذا الحال ولم توقف هذه التماسيح عند حدها، أكيد ستتحول الى كائنات عملاقة من quot;وحيد القرنquot;.


ولتكملة ما ذهب إليه كاتبنا القدير، نضيف الى قائمته تماسيح عملاقة أخرى بمناسبة توجه رئاسة وحكومة الإقليم لتحميل الشعب معاناة أكبر وجور أكثر باسم التقشف لتقليص نفقات ميزانية الإقليم، والتماسيح هي:
42 تمساح بدرجة وزير، لا هم لهم سوى استلام أموال وتخصيصات ورواتب ونثريات ومصاريف شخصية ومكافآت حماية وإدارة ومبيت ومسكن وسفر للداخل وللخارج على حساب مال بيت الشعب، ويقال ان ما يذهب الى قعر فاه التمساح الواحد من هذه الفئة الفقيرة جدا في الشهر الواحد يبلغ ما يستلمه ألفي موظف كردستاني من راتب شهريا.


105 تمساح بدرجة نائب في البرلمان الكوردستاني، لا هم لهم سوى توزيع الأمتيازات واستلام الأموال والمخصصات والمكافآت والنثريات من قبل الحكومة التي تدير وتوجه البرلمان ماديا ومعنويا.
500 تمساح بدرجة مستشار وممثلين لرئيس الإقليم وللرئيس العراقي في مواقع ومناصب كثيرة لا حصر لها حكومية وبرلمانية وحزبية وعسكرية، لا هم لهم سوى نيل الأمتيازات والأموال دون حق من مال الشعب.


700 تمساح بدرجة مدير عام، لكل محافظة كردستانية 250 مدير عام، لا عمل لهم سوى سلخ الأموال بأية وسيلة كانت.
3000 تمساح بدرجة مسؤول حزبي، بمواقع مختلفة ومتنوعة على مستوى القيادات والمكاتب والفروع واللجان الحزبية للحزبين الحاكمين والأحزاب المتطفلة الكردية الأخرى، لا هم لهم ولا عمل ولا إنتاج سوى التقاط الأموال والمكافآت والمخصصات والإمتيازات.


5800 تمساح على هيئة شركات، أغلبها تعود الى الحزبين الحاكمين ومسؤولين ومعارف لأرباب السلطة لا حدود لسلطاتهم وقدراتهم ونفوذهم، تنفذ جميع المشاريع والمقاولات في الإقليم بإشرافهم وتتم بيع ومناقلة المناقصات من مقاول الى مقاول آخر، وفي الأخير يتم تنفيذ المشروع بأردأ المواصفات وبأقل الكلف لكي تبقى نسبة كبيرة من تخصيصات المقاولة في جيوب المقاولين والمسؤولين.
وتماسيح أخرى محسوبة على العوائل الحاكمة في كوردستان تتربع على عرش الحكم حزبيا وحكوميا وعسكريا واقتصاديا وتجاريا، وكأن هذه المواقع أصبحت متوالية وراثية ملكية تحكم بالقوة والسلطة والمال في زمن مفبرك ومزخرف بديمقراطية زائفة لحماية وتوفير الضمان لتلك العوائل الحاكمة في كوردستان.


ولزيادة المعلومات توضيحا لمفهوم التماسيح الكوردستانية، فقد صرح الرئيس العراقي جلال طالباني في لقاء له مع ضيوف مهرجان المدى الخامس في السليمانية، ان السليمانية لوحدها توجد فيها ثلاثة الاف مليونير بعد ان كان عددهم لا يتجاوز ستة قبل سقوط نظام الرئيس المعدوم صدام حسين في عام ألفين وثلاثة، ولو قارنا هذا الرقم بالنسب السكانية لمحافظات الإقليم الكردي العراقي لوجدنا ان اربيل تحتضن أيضا ثلاثة الاف مليونير ودهوك ألفي مليونير، وبذلك يبلغ مجموع أصحاب الملايين في كردستان ثمانية الاف مليونير أي تمساح عملاق، برصيد ثمانية مليارات من الدولارات الأمريكية، إضافة الى هذا وحسب مصادر صحفية محلية، فان كردستان تحتضن خمسة وثلاثين ملياردير أي تمساح مارد، وبذلك يبلغ إجمالي ثروات نخبة الأقلية المتسلطة في كردستان أكثر من أربعين مليارا، وهذا الرقم المارد يرتسم أمامه بحق علامة استفهام عملاقة بحجم الجبال العالية أمام الكردستانيين، لأن الأمر إن كان بهذا الحال للأفراد فيا ترى كيف الحال بالنسبة للقيادات الكردية والحزبين الحاكمين في كردستان الذين تحكما ويتحكمان بجميع الموارد المالية للإقليم منذ الانتفاضة الشعبية في عام واحد وتسعين والى الآن.


لا شك أن هذا الحال الذي ينضح منه فساد رهيب من كل جانب من قبل أرباب السلطة في الإقليم العراقي كردستان، يرسم أمامنا صفحات مستقبلية مجهولة عديدة عن الواقع الكردي، وهي بحاجة الى البحث والتقصي والكشف عنها لبيان الأمور للشعب، لهذا ولضرورات إصلاح الوضع فإن مطالبة المسؤولين وأرباب الحكم وأصحاب الأحزاب المتاجرة بمصير الكردستانيين، الى الكشف عن ثرواتهم وأموالهم وممتلكاتهم وعقاراتهم، لأنفسهم ولأقاربهم، أصبحت مسألة وطنية كردستانية وعراقية ملحة، لأن الذي يحصل من جمع ونهب واستباحة للمال العام في كردستان وفي العراق، لم يحصل في أية بقعة على أرض المعمورة لا في عالمها القديم ولا في عالمها الجديد، وصدق كاتبنا العزيز حين أطلق تسمية quot;التماسيحquot; على هؤلاء السارقين الماردين لأنها معبرة عنهم بكل معاني الكلمة لنهبهم ثروة الشعب في هذا الإقليم الناهض بسواعد أغلبيته الفقيرة.


وسبحان مغير الأحوال، الذي مكن هذه الفئات الباغية، خلال عقد ونصف خاصة الخمس الأخير منه، من جمع كل هذه الثورة الطائلة المتجمعة بطرق quot;الفرهدةquot; وبوسائل غير شرعية في إقليم صغير متحكم من قبل أقلية متسلطة طاغية محتكرة لسلطة وموارد الشعب، وأغلبية فقيرة تعاني من حرمان لكل الحاجات الأساسية للحياة من عيش كريم وسكن مناسب وصحة راعية وتربية نافعة، أغلبية بدأت معاناة الحياة تؤثر فيها بشدة قاسية وبضراوة بالغة، فبدت الأزمات الحياتية والاجتماعية والشبابية والمعيشية لعوائلها وأفرادها تسجل ارتفاعا في الصعود في الواقع الراهن لم تشهده كوردستان طيلة وجودها.


من خلال قراءة هذا الواقع الأليم ومن خلال هذه الرؤية التي يشوبها حذر شديد، ومن باب حرص أقلامنا المتواضعة للحفاظ على هذا الكيان المتألق بأناقة أغلبيته الكادحة، وبالرغم من سطوة هذه التماسيح وقدرتها على القضاء علينا ومحونا من الوجود وإسكات قلمنا الى أبد الآبدين، بالرغم من هذا نقول للسلطات الحاكمة في المجتمع الكردستاني، حذار، حذار من التمادي في هذا النهج غير الشرعي لاستباحة المال العام، لان مسيرتكم ونتائج أعمال الفساد فيكم، تدير بدفة الحكم نحو الهاوية ونحو مصير مجهول لا يعرف نهايته بأي أفق سيطال للغروب أم للشروق، ان لم يتداركه أهل الحكمة والبصيرة النافذة من الكرد العراقيين العقلاء.

د.جرجيس كوليزادة
[email protected]