من خلال قراءة تاريخ الثورات التحريرية، العربية منها والعالمية، نجد أن الكفاح المسلح كان العامود الفقري والركن الأساسي الذي استندت إليه تلك الثورات لتحقيق انتصاراتها. كما أن القانون الدولي أقر بمشروعية الكفاح المسلح للشعوب الواقعة تحت نير الاحتلال من اجل التحرر و إعادة حقوقها المغتصبة. وذلك على الرغم من محاولات الدول الاستعمارية في تشويه صورة هذا الكفاح المشروع ووصمه بالإرهاب وما شاكله من التهم الأخرى. وهذا هو الأسلوب الذي عملت به الأنظمة الإيرانية عبر العقود الثمانية الماضية من عمر اغتصابها للأحواز حيث راحت تنعت الانتفاضات الشعبية الأحوازية بأنها ( اغتشاشات ) عشائرية تارة، وتارة أخرى بأنها ( أحداث شغب ) ممولة من الخارج. كما أنها كانت وما تزال تطلق على العمليات المسلحة التي تنفذها الحركات التحريرية الأحوازية ضد المصالح والمؤسسات الحكومية في الأحواز بأنها جرائم إرهابية ينفذها ( عملاء البعث العراقي ) على حد زعمها رافضة الاعتراف بوجود حركة تحررية احوازية. كما أن سلطات الاغتصاب الفارسي بقيت على الدوام تصف المناضلين الأحوازيين بنعوت وأوصاف شائنة مثل ( السراق المسلحين والأشرار، وقطاعين الطرق، وعملا الأجنبي و الخ.. ) وهي ذات العبارات التي كانت تطلقها الدول الاستعمارية على الثوار و المناضلين العرب في الجزائر وسوريا ومصر وفلسطين والعراق وغيرها، إلا أن كل هذه التهم والنعوت تبقى كمثل الذي يريد أن يغطي عين الشمس بغربال، فالحقيقة أكبر من ذلك ولا يمكن لجُمل ممجوجة أن تضيعها أو تشوه واقعها، فلو لا تخوف الأنظمة الإيرانية من الحركة الأحوازية المسلحة رغم عللها، ولولا تأثير عمليات هذه الحركة على مصالح سلطات الاغتصاب في الأحواز لما لجأت هذه الأنظمة إلى حملة الكذب و التشويه التي تشنها باستمرار ضد الحركة الأحوازية و مناضليها، ولما احتاجت إلى تحويل الأحواز إلى ثكنة عسكرية تحكم بأحكام عرفية.
ولكن أين هي الحركة الأحوازية المسلحة في الوقت الراهن ؟. هذا السؤال ربما يخطر على بال القارئ الكريم الذي تابع الحلقات الماضية من هذا البحث المختصر حيث كنا قد توقفنا في الحلقة الماضية عند quot; الجبهة العربية لتحرير الأحواز quot; أكبر الحركات الأحوازية التحررية التي استمرت بكفاحها المسلح لمدة عقدين من الزمن وتوقف نشاطها نتيجة لحوادث ومتغيرات سياسية كبيرة مرت بها إيران و المنطقة عامة في العقد الأخير ومطلع العقد الحالي. كما أن الجيش الأحوازي الذي تحدثنا عنه في وقت سابق قد تفكك هو الآخر بعد أن اصبح مكدس في معسكره شأنه شأن السلاح المخزن في المشاجب من دون أي استفادة منه.
هذه الأحداث أدت إلى تراجع العمليات المسلحة للحركة الأحوازية التي أصبحت تعيش حالة من الضعف الشديد و خلال ثمانية سنوات لم تستطع الحركة فيها من تنفيذ سوى ببعض العمليات المحدودة جدا من بينها عملية تفجير النفط في منطقة الدغاغلة في أطراف مدينة الأحواز وعملية حرق دار للسينما كانت قد عرضت فيلما يسيء للأحوازيين وتقاليدهم العربية الأصيلة. ومع الغزو الأمريكي للعراق في عام 2003م انتهت الجبهة العربية لتحرير الأحواز بعد أن تشتت أعضائها وقتل ممن بقي منهم في العراق على يد فرقة خاصة من الاستخبارات الإيرانية بقيادة المجرم المدعو حاج ( نظام الفيصلي ).
إلا أن هذه المتغيرات والأحداث بقدر ما خلفت آثارا سلبية على الجبهة العربية وتشتت أعضائها وتفكك بنيتها، بقدر ما فتحت الباب أمام الجيل الأحوازي الطالع ليقوم بتأسيس مجموعات مسلحة جديدة تمكنت لحد الآن وفي فترة زمنية قياسية من إثبات وجودها على الساحة الأحوازية.
لقد خلقت الأجواء التي رافقت احتلال العراق وظهور المقاومة على أرض الرافدين الأثر البالغ في نفوس الأحوازيين الأمر الذي دفع بالعديد منهم إلى الالتحاق بهذه المقاومة شأنهم في ذلك شأن باقي الشباب العربي و الأكتساب من خبراتها وتجاربها العملية والعودة بها إلى الأحواز و ذلك على غرار ما حدث للمقاومة الوطنية اللبنانية التي أخذت من الحركة الفدائية الفلسطينية تجربتها ودعمها في النضال ضد الاحتلال الصهيوني، حيث انخرط في بادئ الأمر العديد من اللبنانيين في صفوف المنظمات الفدائية الفلسطينية وأخذوا من تجاربها ثم وظفوها في مقاومتهم ضد الاحتلال الصهيوني وهو ما أدى في ما بعد كما شاهدنا إلى هزيمة المحتلين وانتصار المقاومة اللبنانية. وهذا ما فعله الأحوازيون العائدون من العراق وغيرهم من الشبان الأحوازيين الذين سئموا من شدت القهر والاضطهاد وسياسة التمييز العنصري المتواصلة ضدهم من قبل سلطات الاغتصاب الفارسي،فقام هؤلاء الرجال بتشكيل خلايا مسلحة لا يتجاوز عدد أفراد كل خلية منها أصابع اليد الواحدة، وراحوا ينفذون عملياتهم البطولية بشكل مكثف حيث لا يمر يوما إلا وهناك أكثر من عملية يشهدها إقليم الأحواز ضد مصالح سلطات الاغتصاب ومستوطنيه الفرس، وذلك بدأ من إحراق مزارع المستوطنين ومراكزهم التجارية والصناعية مرورا بقتل العملاء والمتعاونين منهم مع المخابرات الإيرانية، وصولا إلى ضرب المراكز الاقتصادية و العسكرية والسياسية الحكومية.
وقد برزت من بين هذه المجموعات quot; حركة أفواج النهضة العربية في الأحواز quot; وهي من المجموعات المسلحة احوازية التي ظهرت في عام 2004م، حيث استطاعت هذه الحركة من توجيه ضربات كبيرة وهامة للمؤسسات الاقتصادية الإيرانية وذلك من خلال تنفيذها عدة عمليات مسلحة منها على سبيل المثال ضرب أنابيب النفط، وحرقها لأكبر المجمعات التجارية الإيرانية كمجمع البهبهاني ومجمع رضوان التجاري في مدينة الأحواز، ومجمع ركس التجاري في مدينة عبادان، بالإضافة قتلها لنائب رئيس مؤسسة بيت الصناعة والمعادن الإيرانية في الأحواز المدعو (باقلايي) الذي يعد أحد اكبر المسؤولين عن سلب أراضى المزارعين العرب الأحوازيين.
وعقب الانتفاضة الشعبية الأحوازية التي حدثت في منتصف نيسان 2005م وتم سحقها بالحديد والنار من قبل سلطات الاغتصاب الفارسيlsquo; فقد أعلنت quot; حركة أفواج النهضة quot; في الخامس والعشرين من ذات الشهر عن إجرائها اتصالا مباشرا مع المقاومة العراقية وأن الأخيرة وعدت بتقديم كافة لوازم الدعم اللوجستي والمعنوي لحركة المقاومة الأحوازية. و أكدت الحركة وقت ذاك أن نتائج هذا اللقاء سوف تظهر على الساحة الأحوازية قريباً، وهو ما تم بالفعل حيث وبعد مضي شهر واحد تقريبا على ذلك اللقاء دوت في اليوم الثاني عشر من شهر حزيران 2005م أربعة انفجارات في مدينة الأحواز كبرى مدن الإقليم مستهدفة مراكز حكومية رئيسية من بينها مقر حاكم مدينة الأحواز الذي استهدف بسيارة مفخخة وهي المرة الأولى التي تستخدم فيها الحركة الأحوازية سيارة مفخخة في عملياتها. وقد تبع هذه العملية توزيع شريط مصور في مختلف المدن الأحوازية يثبت مسؤولية الحركة الأحوازية المسلحة عن هذه العملياتlsquo; الأمر الذي أعطى المصداقية الحقيقة لوجود الحركة الأحوازية المسلحة التي كانت السلطات الإيرانية أدمنت على إنكار وجودها. كما شكلت هذه العمليات lsquo; التي تعد الأكبر من نوعها لحد الآن وقد تزامنت مع قرب الانتخابات التشريعية والرئاسية الإيرانية lsquo;شكلت مفاجئة أخرى للنظام الإيراني حين ما كشفت عن أن من نفذ بعض تلك الهجمات هي quot; كتائب الشهيد محيي الدين الناصرquot; وهي ذات التسمية التي حملتها المجموعة الأحوازية التي كانت قد احتلت السفارة الإيرانية في لندن في الأول من أيار عام 1980م تلك العملية التي انتهت بمجزرة دامية قتل فيها خمسة من أفراد المجموعة الأحوازية على يد القوات البريطانية الخاصة.
كما كشفت تلك الهجمات عن انبثاق حركة نضالية احوازية جديدة اسمها quot; حركة النضال العربي لتحرير الأحواز quot; والتي جمعت في صفوفها خيرة الشباب الأحوازي المتحمس للنضال التحرري الأمر الذي زاد هاجس النظام الإيراني من تعاظم خطر الحركة الأحوازية المسلحة التي أظهرت السنوات الثلاثة الماضية أن عملياتها في تصاعد مستمر و أنها قد استطاعت أن تطور من هذه العمليات. و لعل تصفية الملا quot; هشام الصيمري quot; التي تمت قبل أسبوعين دليل على إصرار المقاومة الأحوازية على مواصلة مسيرتها رغم شدت الضربات التي تلقتها لحد الآن من قبل السلطات الإيرانية. وإذا ما استطاعت هذه الحركة من مد خيوط علاقاتها مع حركات المقاومة لابناء الشعوب الإيرانية كالحركات الكردية و البلوشسيةlsquo; وحركات المقاومة في دول الجوار والعربية عامة فمن المؤكد أن مكانتها سوف تتوسع بين الشعب الأحوازي وسوف تتضاعف قوتها وقد تتحول في المرحلة القادمة إلى رقم صعب في المعادلات السياسية الإقليمية والدولية. والأيام حبله بالمفاجئات.

صباح الموسوي
رئيس المكتب السياسي لحزب النهضة العربي الأحوازي