عندما ورطت جبهة الإنقاذ الإسلامية الجزائر في حرب أهلية راح ضحيتها ما يزيد عن مائتي ألف مواطن بريء, قيل أن المؤسسة العسكرية تتحمل جزءا من المسؤولية لإلغائها الانتخابات, و انه كان من الأفضل لو تم القبول بنتائج صندوق الاقتراع، و إعطاء الحكم للأصوليين ليتبين بعد ذلك مدى التزامهم بالديمقراطية. و يأتي هذا رغم تصريح الرجل الثاني في الجبهة، الشهير علي بلحاج يوم الانتخابات: quot; هذا يوم عرس الديمقراطية و هذا يوم مأتمها:quot;، معتبرا العملية الديمقراطية خروجا عن شرع الله.
يبدو إذن كما لو كنا بحاجة إلى شلال دم جديد، ينهمر في غزة هذه المرة، حتى نتأكد من مدى التزام الحركات الأصولية بالديمقراطية بعد وصولها إلى الحكم. و قد حصل هذا بالفعل بعد أن تسلم الفرع الفلسطيني لحركة الإخوان المسلمين مقاليد الحكومة، بناء على نتائج صندوق الاقتراع. و كانت النتيجة أن تصرفت quot; الحركة البنتquot; في غزة كما سبق و أن تصرفت quot; الحركة الأمquot; في مصر، أي إنشاء جهاز ميليشياوي خارج عن السلطة يعتمد نموذج quot;الجهاز الخاصquot; الذي أسسه حسن البنا في مصر سنة 1940 quot; ليصبح الذراع العسكرية لجماعة quot;الإخوان المسلمينquot; و تستطيع من خلاله أن تؤدي كل المهام القذرة التي لا تستطيع الجماعة أن تعلن مسئوليتها عنها، و التي يستطيع المرشد العام أن يتبرأ من تبعاتها في أية لحظة quot;، كما جاء في مقال عبد الله بن بجاد العتيبي الأخير ( بعنوان quot;غزوة غزة!quot; ).
شنت حماس الحكم بإنشاء جهاز ميليشياوي فيما سمي بــ quot;القوة التنفيذيةquot;. و بطبيعة الحال لم يكن إنشاء هذه القوة إلا الخطوة الأولى للسطو على السلطة، مرتكبة افضع الجرائم في حق القوة الشرعية ( جرائم حرب حسبما جاء في تقرير quot;هيومن-رايتس-واتشquot; ). لكن عملية السطو الإجرامية هذه، التي طعنت المشروع الوطني الفلسطيني في الصميم, بعزل قطاع غزة عن الضفة الغربية و تحقيق حلم شارون-اولمارت في هذا الشان، وضعت حماس أيضا في وضع لا تحسد عليه.
تتمثل أولى الأخبار غير السارة للانقلابيين الجدد في العملية الاستباقية التي نفذتها الأجهزة الأمنية الفلسطينية ضد مؤسسات حماس في الضفة الغربية، بما فيها قياداتها و خلاياها النائمة التي يتم تفكيكها واحدة بعد الأخرى. جاء في تصريح لمسؤول في السلطة الفلسطينية تناقلته وكالات الأنباء منذ أيام: quot; كانت حماس تشرف مركزيا على تدريب قوة و تزويدها بالسلاح و التدريبات العسكرية في أماكن مختلفة... و نحن نعمل على تفكيكهاquot;. و عملية التفكيك هذه سوف تفوت على الحركة الانقلابية قدرتها على السطو على الحكم مجددا في الضفة الغربية. و يتمثل الخبر الثاني في تراجع الإسلاميين الأردنيين عن تأييدهم لحماس، إذ قبل الآمين العام لــ quot; جبهة العمل الإسلامي quot; بقرارات اجتماع اللجنة التنسيقية العليا لأحزاب المعارضة الأردنية، التي أدانت سيطرة حماس على القطاع بقوة السلاح. مثل هذه الإدانة سوف تزيد من الإحراج لباقي الحركات الأصولية في الدول العربية, و في مقدمتها quot;الحركة الامquot; في مصر, مما يزيد من عزلة حماس في quot; الشارع العربي quot;. و أما الخبر الثالث فهو استثناء اكثر من 23 ألف موظف تابعين لحماس من عملية دفع الرواتب لموظفي الحكومة الفلسطينية، باعتبارهم خارجين عن الشرعية. سوف ينعكس هذا الإجراء سلبا على قيادة حماس التي فشلت في تدبير أمور المواطنين، ناهيك عن quot; تحسين ظروفهم المعيشية، و هو الهدف الذي من اجله تم انتخاب حماس في المقام الأول، حسب نتائج استطلاعات الرأي.
مثل هذه المفاجئات غير السارة لن تؤدي إلى تراجع الحركة الانقلابية عن جريمتها، و حماس -كأية حركة أصولية - لن تتنازل عن السلطة على أية حال، إلا بحمام دم. لكن عزل حماس فلسطينيا و عربيا سوف يساعد على فضح أمر باقي الحركات الأصولية التي بدأت تكشر عن أنيابها في اكثر من بلد عربي، و قد يساعد في نهاية الأمر على إلحاق الهزيمة بها.
[email protected]
- آخر تحديث :
التعليقات