أشهد للكاتب الإسرائيلي شموئيل موريه براعته في اصطياد القارئ. فقد كان لحسن النية وللشعور الجمعي بالذنب دور في متابعتنا لسيرته المنشورة في موقع إيلاف ونظرتنا الرومانسية إليه كيهودي عراقي مهاجر تعرض للظلم من الدولة العَربية وللإستغلال من قبل الدولة العِبْرية. حتى إننا نسينا في أثناء ذلك إسرائيليته، ولا أعني الجنسية وإنما الولاء. حتى أيقظنا هو بنفسه من هذا الوهم في الحلقة 22 من هذه السيرة بدفاعه عن إسرائيل في ما يخص مسؤوليتها عن مجزرة مخيم صبرا وشاتيلا (1982)، التي وقعت ـ على حد تعبيره ـ quot; نتيجة لصراع مرير بين فئات من الشعب اللبنانيquot; (فقط!) وإتهمت فيها إسرائيل ظلما وعدوانا quot; فكل شر وكارثة في العالم تعزى في هذه الأيام الى إسرائيل والى اليهودquot; كما يقول. لكنه طبعا لم يصدق هذه الإتهامات الظالمة لأنه quot; يعلم بحرص إسرائيل على طهارة إستخدام السلاحquot;.


هذه العبارات كانت كافية لإيقاضنا من رومانسية قراءتنا لموريه. فالرجل إذن ليس إسرائيليا بالجنسية فقط وإنما بالولاء أيضا. فقد كانت الجنسية ولزمن طويل واحدة من الأسلحة quot;الطاهرةquot; لإسرائيل للضغط على اليهود القادمين إليها. لكن بما أنه ليس كل يهود إسرائيل سواء فهم أيضا ليسوا سواء في التعامل مع سلاح الجنسية هذا. بل إن أحدهم كان ينظر الى الجنسية الإسرائيلية كوصمة عار فعلَ كل ما بوسعه في سبيل الخلاص منها، فخاطر بحياته وسجن وعذب بسبب محاولاته مغادرة إسرائيل.. إنه الكاتب الراحل سمير نقاش، الذي عجز عن إقامة تسوية بين مبادئه الإنسانية وعيشه في أرض مسروقه من شعب آخر، أو بين عربيته من جهة ومشاركته quot;دولة الجنسيةquot; في ظلم أبناء جلدته من جهة أخرى، فهاجر أخيرا الى بريطانيا بعد محاولات هجرة عديدة الى بلدان أخرى.


مثل رائع آخر هو الروائي سليم ميخائيل، الذي كلما رفع صوته شاجبا الإحتلال والإجرام الإسرائيليين ومطالبا بمنح الشعب الفلسطيني حقوقه المشروعة ذكروه بجنسيته الإسرائيلية مهددين بطرده من البلاد، وهو إذ يزداد إصرارا على مبادئه بعد كل تهديد إنما يذكّر بالفرق بين الجنسية والولاء.


شموئيل وسمير وسليم جميعا من أصل عراقي. لكن مرة أخرى، ليس كل يهود العراق المهاجرين سواء، ولا جميع المثقفين منهم سواء. حيث يبدو أن شموئيل قد دمج بين الجنسية والولاء. وهذا إختياره الشخصي. لكن حين يخاطبنا، نحن ضحايا دولته، فإنه إختيارنا الشخصي أيضا بين أن نصدقه أو أن نصدق الواقع والوقائع. إن كان إختياره الشخصي أن يغلق عينيه لكي لا يرى الدم المراق فليس كل الناس قادرين على ذلك، فما بالك بالذين كان هذا الدم المراق.. دمهم؟ أعلينا أن نغلق كل ملفات التأريخ الحديث في الشرق الأوسط، الورقية والصورية والفلمية والدلائل المادية على الأرض، ليس في فلسطين وحدها وإنما في بلدان عربية عديدة دنسها السلاح االإسرائيلي، لكي نصدق مزحة شموئيل المبكية عن quot;حرص إسرائيل على طهارة إستخدام السلاحquot;؟ يبدو أنه يتوقع منا ذلك.

سمير طاهر

[email protected]