طفش أبو حمدو المنحوس من قريته quot;كفر اللهتانquot;، بعد أن أصبح مضرب الأمثال في النحس والشؤم وسوء الطالع وبؤس الفال. فقد انقطع حليب أمه يوم ولادته، وماتت جحشتهم اليتيمة التي كانوا يطلقون عليها لقب تويوتا نظراً لمتانتها وسرعتها العالية في صعود الجبال والممرات الوعرة في قريتهم الجبلية النائية، وكانوا يسترزقون منها، ويبيعون الماء على ظهرها للعباد العطشى، ويقضون بها شتى الحاجات والأغراض. ويبست شجرة التوت التي كانت في صحن النار ويبيعون منها الحرير والتوت بعد أن قرر والده شراء حذاء جديد له من ريع موسم التوتة القادم. والتهم الجقل الجائع، في نفس اليوم الذي دخل فيه أبو حمدو المدرسة، الدجاجات التي كان يدفع من خلالها رسوم الدراسة بيضاً لشيخ الكتاب. وتوفي أبوه يوم أخذ أبو حمدو شهادة الدراسة الابتدائية في حادث اصطدام طنبرين في الطريق المؤدي للطاحون. وسقطت عروسه مغشياً عليها في يوم زفافها إلى أبي حمدو، تلك الدرويشة التي كانت قد انجلطت أمها يوم سمعت بقصة حبها من أبي حمدو، تلك القصة التي بدأت على تنور الضيعة حيث كان أبو حمدو يقضي معها أوقاتاً حمراء في الليالي الصيفية المقمرة، ويخبئ في quot;تنورهاquot; اللاهب خمائر واعدة من الحب اللذيذ الحار، وكانوا يغتسلون بعد ذلك من النبع المجاور الذي جف بعد أن فطن أبو حمدو وقرر المتاجرة بالماء وبيعها للناس. وحين كان جندياً وقعت الحرب الوطنية الأولى التي أدت لهزيمة نكراء طرد بعدها أبو حمدو من الخدمة لأنه لم يعد هناك شيء يفعله الجنود لحماية البلاد. وفقد بعد ذلك أي أمل في وظيفة تجنبه المجاعة والتشرد ولاسيما بسبب عجزه عن تأمين رشوة كبيرة للحصول على وظيفة حارس مقبرة تقدم لها الآلاف من الخريجين والمتخصصين بتجارة الموت والوفيات التي راجت في تلك البلاد. وصار الناس يهجـّون فرادى، ومثنى، وجماعات، هرباً من جحيم الفقر، والجفاف، والقلة والإملاق. وكثرت حالات الانتحار والخلاص من الحياة التي لم يعد فيها أية متعة، ولا تساوي قشرة بصلة كما كتب أبو حمدو في وصيته الأخيرة التي لم يكتب لها النجاح.

عم الفقر والبلاء في تلك الأرجاء النائية عن التاريخ، والنائمة في كهوف الزمان، وتدهورت أحوال العباد وكثر الأيتام والمشردون والأرامل والمتسولون والجياع. ولم يعد الناس يلحظون قدوم الطنابر التي تجرها البغال، والمكلفة بجمع القمامات. وانهارت تجارة جمع القمامات التي كانت رائجة حتى عهد قريب. فلم يبق لدى الناس شيئاً يرمونه في المكبات والحاويات وهزلت القطط، واختفت الجرذان، وانقرض الذباب. فرضت الضرائب الباهظة، والأتاوات، والخوات، وانتشر العسس والجباة الإنكشاريون كالجراد الجائع لتشليح العباد، ولم يبق باب رزق وعمل وحياة إلا وطاولته يد الجباة، وصارت الفرمانات الانكشارية تتوالى تباعاُ على رقاب وظهور الناس. وبعد أن راجت إشاعات قوية عن احتمال فرض رسوم جديدة على قضاء الحاجات الطبيعية والهواء وجمع النفايات في أرض السلطان، صدر فرمان تطميني من الباب العالي والوالي العادل، يؤكد بأن قضاء الحاجات الطبيعية، وجمع النفايات، وتنفس الهواء سيمارس، ومن اليوم، بكل حرية وبالمجان. فرح الرعايا وهللوا بحياة الوالي العادل، وانطلقوا في الحقول والسهوب والوديان يحشون الحشيش ويجمعونه للعلف والغذاء، ويقضون حاجتهم الطبيعية على الملأ وبكل أمان، ويتنفسون بملء رئاتهم طرباً بذالك القرار التاريخي الذي أصبح يوم صدوره عيداً وطنياً مشهوداً يتوقف فيه الرعايا عن تجارة الممنوعات.

انتشر خبر القرية المنكوبة في كل الأمصار وصار السواح والخواجات الأكابر يؤمونها من كل حدب وصوب للفرجة على الرعايا وهي تحتضر على قارعة الطرقات. صدر فرمان فوري يوعز للجهات المختصة بتوقيع عقود طويلة الأجل والإعلان عن مناقصات بإلزام كل من دنت منيته وقرر الفرار والنجاة بتقديم طلباتهم إلى مصلحة السياحة والجبايات للموافقة بما أنه أصبح مصدراً هاماً للدخل القومي، ويرفد به الاقتصاد الوطني. صارت هذه تجارة تدر أموالاً وفيرة وغزيرة على الخزينة العامة، فتفتقت لذلك عبقرية الخازن وأمين بيت المال الداهية الاقتصادي المختص بالتشليح وقطع الطرقات والمحكوم سابقاً بقضايا وجرائم تمس النزاهة والأمانة، عن خطة خمسية واعدة تقضي بتنويع أساليب الموت، بعد أن ملّ السواح من صور المتسولين والمرضى الجياع، وقدم فكرته الجهنمية ودراسته الخارقة باختيار الخازوق كطريقة مبتكرة وجديدة للموت نظراً لما فيها من إثارة غير مألوفة تستأثر باهتمام المزيد من السياح والفضوليين ويثري به في نفس الوقت الخزينة العامة والاقتصاد. فرح الناس وصفقوا لهذه الفكرة الرائعة وخرجوا بمسيرات عفوية وشعبية يمجـّدون فيها هذه العبقريات التي تنعكس عليهم خوازيقاً شعبية وبلاو ونكبات.

ازداد عدد المرشحين لهذه المهمة القومية نظراً لإيمان الرعايا بقضاياها المصيرية. وصارت العملية تدر دخلاً هائلاً على الولاية التي تحول اسمها الرسمي إلى خازوقستان بعد ذلك، وصار الخازوق شعاراً رسمياً لها يرفعه ويردده الناس في المناسبات الوطنية والاحتفالات والأعياد. وفي المكان الذي أطلق عليه مجلس الولاية بعد ذلك ميدان الخازوق، وبعد أن هنأت المذيعة الفضائية اللهلوبة المتألقة أحد الذين تمت الموافقة على خوزقته، وحل دوره تالياً، وفي غمرة تجمع الآلاف من الزوار والسياح للفرجة على الرعايا المخوزقين، سألته عن سر اختياره لهذا النوع من الخلاص، أجاب بكل طلاقة وعفوية وانشراح، بأنه يشعر، ومن يوم ولادته، بأن الخوازيق تلاحقه أينما كان ولا مانع لديه بأن تطارده للدار الآخرة، فقد تعود عليها، وامتنع عن الاستطراد والإدلاء بأي تصريح آخر، واعتذر عن إتمام الحوار، متلهفاً لملاقاة الخازوق، مخافة أن يأتي أي فرمان معاكس في أية لحظة من لحظات هذا اليوم المشهود، فقد حدث أن أنزل أحدهم ذات مرة من على الخازوق بسبب عدم استكمال أوراقه الثبوتية ولأن ملفه كان يفتقر لشهادة فقر حال.

سمع أبو حمدو المنحوس بقصة الخوازيق وما تدر من أموال، ووجد فيها مناسبة للخلاص من النحس والشؤم وسوء الفال.، ومساهمة منه في المجهود الحربي، سارع لتقديم طلبه إلى الجهات المختصة بخوزقة الجماهير وخلق الله. فرح أبو حمدو حين علم بسرعة الموافقة والاستجابة لطلبه ولاسيما أنه لا يملك شروى نقير، وسيتخلص من هذه الورطة التي وضعه بها أبواه في غفلة من الزمان. صعد أبو حمدو حين حل دوره مبتهجاً لوضع حد لحياته الملآى بالكوارث والمرارات والإخفاقات، غير أن هدير البغال القادمة على عجل والمحملة بجنود السلطان كانت تثير الجلبة والأغبرة والضجيج والضوضاء في كل مكان، مما استرعى انتباه سلطات الخازوق والمؤتمنين عليه. ترجل عندها أحد الحراس ليتلو فرماناً جديداً بفرض رسم جديد وهو رسم خازوق على كل راغب بالتقدم إلى هذا الميدان كان مجلس الولاية قد قرره في آخر اجتماع وعلى أن يطبق على عجل وفي الحال. أُنزل أبو حمدو المنحوس مخفوراً ليدفع رسم الخازوق، استكمالاًَ لطقوس الخوزقة الروتينية، وعبر التطبيق الحرفي لروح ما جاء في الفرمان، وكان لسوء حظه أول من يطبق عليه هذا القرار. تقدم بأكثر من طلب استرحام كونه لا يملك رسم الخازوق المطلوب مشفوعاً برغبة عارمة من قبله خدمة للاقتصاد الوطني، وكان الرفض المطلق هو الجواب على الدوام.

لعن أبو حمدو الزمن الرديء، وحظه العاثر الذي وُئد به حلمه الوطني، وصار فيه المرء لا يملك مجرد رسم خازوق ينقذه من هذه الورطة المسماة حياة في ولاية خازوقستان للعجائب والغرائب والخوازيق quot;المُبـَشـَّمةquot;، والمُدمّاة
[email protected]