بصراحة مطلقة لم أفاجأ أبدا بحجم ومساحة العداء الشرس الذي تكنه أوساط عديدة وشرائح واسعة من العراقيين تجاه دولة الكويت؟ أقول هذا القول بمناسبة الذكرى السنوية السابعة عشر للغزو العراقي للكويت والذي يمثل واحدا من أكبر الجرائم القومية في العصر العربي الحديث بما له من إرتباطات وخلفيات جاهلية ومتخلفة لا علاقة لها بأي سلوكيات حضارية أو إنسانية؟ فبهذه المناسبة كنت قد كتبت مقالا حول الغزو وسقوط البعث في أوهام التاريخ؟ فإذا بشرائح واسعة من العراقيين تهاجمني شخصيا وتتصدى لطروحاتي الهادئة والتوفيقية والرافضة للعدوان وتصنفني ضمن تيار الإرتزاق الواسع بل وتعتبرني عميلا كويتيا مدسوسا في الوسط العراقي النقي الخالي من الشوائب؟ بل تطوع البعض بإتهامي بالقبض بالدينار الكويتي وإن كان لم يتم تحديد المبالغ التي إستلمتها؟ والطريف أن جميع أهل السنة والشيعة والأكراد والبلوش والزط قد توحدوا في وحدة وطنية عراقية مدهشة ضدي وتناسوا السيارات المفخخة وحملات التكفير والقتل اليومية وكل أشكال الكراهية ليكون العدو هو دولة الكويت ممثلا في عميلهم التاريخي داود البصري؟ وهذه العمالة شرف لا أدعيه فالجهات الرسمية في دولة الكويت لا تعرفني إلا بصفتي الإعلامية البسيطة ولم تنسج معي للأسف أي خيوط مخابراتية معلومة؟ ولم تسلمني أموالا طائلة محشوة بالكراتين هي أموال التبرعات والحقوق الشرعية وسهم الإمام؟ فلست من أتباع الإمامة ولا الخلافة أبدا، والأموال التي يتحدثون عنها لم أستلم منها شيئا بل أن من إستلم وقبض هم الزعامات العراقية الحالية بدءا من آل الحكيم وبحر العلوم وليس إنتهاءا بالأحزاب الكردية وجحوشها ومواليها؟ أما أنا فأقولها للحقيقة والتاريخ لم أستلم شيئا؟ وحتى في زياراتي القليلة لدولة الكويت يتم تأخيري في مطار الكويت بعد أن يدققوا كثيرا عني في جهاز أمن الدولة؟ لذلك لا وجه حقيقي لإتهامي بالعمالة والجاسوسية ولو كنت كذلك لكانت حالتي غير التي هي عليها حاليا؟ والشكوى لغير الله مذلة؟ ويبدو أن الهدف الأساس من كل الملاحظات التي توصلت إليها قد بينت من أن العراقيين لا يتحدون على شيء قدر إتحادهم على الباطل وهي قضية معروفة تعود لأيام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب الذي خذلوه ثم بكوا عليه، وأستمر المسلسل مع ولده الإمام الحسن الذي تعرض لأكبر عملية غدر وشتائم ثم بكوا عليه؟؟ وتكرر المشهد المأساوي مع الشهيد الخالد الإمام الحسين وأهل بيته الطيبين الطاهرين حيث قتل وسلب أمام عيون أهل الكوفة بل وبسيوفهم ثم بكوا عليه؟ لذلك لن أكون وأنا العبد الفقير بأفضل حالا من أئمة الهدى الطاهرين حينما أتعرض للشتائم الرخيصة لمجرد دفاعي عن الحق أو ما أراه حقا وهو إجتهاد شخصي خاص بي فقط لا غير؟ فلا أملك القنابل والميليشيات ولم أقتل أحدا ومع ذلك رميت بسهام الغدر والكذب والتضليل، وقد تبين لي للأسف اليوم أن حماقة نظام صدام في غزوه للكويت هي مطلب عراقي شعبي للأسف؟ بل حتى أحزاب المعارضة العراقية السابقة كانت تؤيد هذا الإتجاه ولكنها تحفظت على كون صدام هو من قام به؟ ولا زال الكثيرون يمجدون الملك غازي والزعيم عبد الكريم قاسم اللذان طالبا بالكويت وإعتبروها أرضا عراقية؟ بل ودعوا لضمها علنا وأثاروا الدنيا والعواصف في المطالبة بها فالملك غازي الأول الذي كان على المستوى الشخصي شخصية هزيلة وفاسدة ليست بمستوى والده العظيم فيصل الأول كان متأثرا بالفكر والدعاية النازية السائدة في عصره وكان مغرما بحكاية المجال الحيوي التي أكد عليها النازيون في ألمانيا ولم يجد مجاله الحيوي إلا في إستغلال حكاية الصراع بين شيخ الكويت وقتها الشيخ أحمد الجابر وحركة المعارضة الدستورية الكويتية المكونة من التجار ومطالبة البعض منهم للإنضمام للعراق الملكي وقتها وهي حكاية كانت عابرة وتعبر عن صراع سياسي محتدم من أجل التغيير نحو الأفضل وكانت دعوة عاطفية أكثر منها واقعية؟ فخصص الملك غازي وبوحي من بعض ندمائه ومنهم الجاسوس المعروف يونس بحري إذاعة قصر الزهور لبث البيانات التحريضية للشعب الكويتي وكانت قصة طريفة أكثر من كونها حكاية حقيقية لأن أمور العراق كانت بيد بريطانيا ولا يستطيع جندي واحد التحرك دون إذن من القوات البريطانية؟ وأنتهت القصة كما بدأت بعد مصرع غازي على خلفية الصراع حول ترتيب القوى والمصالح عشية الحرب الكونية الثانية؟ وطمرت فضائح ومهازل الملك غازي في نيران الإنقلابات وهيمنة العسكريين ثم الإحتلال البريطاني الثاني للعراق في حزيران/يونيو 1941؟ ثم عادت القصة بشكل أكبر وأكثر بهرجة مع إستقلال دولة الكويت وإنهاء معاهدة الحماية مع بريطانيا عام 1961 ليثير رئيس الوزراء العراقي الأسبق اللواء عبد الكريم قاسم دلك الملف ويعترض على الإستقلال ويطالب بضم الكويت للعراق في مفارقة تاريخية حاسمة أطرت فيما بعد لكل قضايا وملفات التوتر الساخنة اللاحقة وقد إعتمد قاسم على التاريخ ورواياته ووثائقه والتي في النهاية لا تخدم الإدعاءات العراقية لأن إيران وغيرها مثلا تستطيع الإدعاء بأن العراق الحالي تابع لبلاد فارس تاريخيا بسبب كون المدائن كانت عاصمة للدولة الساسانية؟؟؟ وكذلك الحال مع دول وكيانات عديدة في المنطقة؟ إدعاءات عبد الكريم قاسم كانت لفظية وتعبر عن حالة هروب للأمام من المشاكل التي رافقت حكمه القصير وأدخلت العراق في بوابة صراعات دموية ساخنة لم تنته حتى اليوم؟ ورغم أن قاسم في أخريات أيام حكمه قد طوى موضوع الكويت وكان على وشك التسوية النهائية لذلك الملف كما قال أحد كبار رجاله في مذكراته وهو الزعيم إسماعيل العارف إلا أن نظام البعث الذي أسقط عبد الكريم قاسم والذي دخل في صراع دموي شرس مع خصومه الداخليين من بعثيين وقوميين ناصريين للهيمنة على السلطة في العراق عام 1963 قد إعترف بإستقلال دولة الكويت في أكتوبر 1963؟ رغم أنهم فيما بعد أنكروا الإعتراف بذريعة عدم مصادقة ما كان يسمى بالمجلس الوطني لقيادة الثورة؟ ثم جاء عهد الأخوين عارف عبد السلام ثم عبد الرحمن تحسنت خلالها العلاقات العراقية / الكويتية وأمدت الكويت العراق وقتها بالمساعدات وأنتهت حكاية الحقوق التاريخية حتى جاء إنقلاب البعث الثاني في السابع عشر من تموز/يوليو 1968
و الذي شهد متغيرات عراقية عاصفة أزيحت خلالها قوى سياسية عراقية عديدة وإنفرد البعثيون بالساحة وهيمن جناح فاشي على السلطة المطلقة وهو جناح المشنوق صدام الذي مارس سياسة اللعب الخبيث مع الكويت متذرعا بحكاية الخطر الإيراني الداهم الشاهنشاهي ورافضا لترسيم الحدود وإغلاق الملف بالكامل مؤكدا لكل الوفود الكويتية من أنه مستعد لإعطاء البصرة للكويت شريطة حمايتها من إيران؟؟؟ وهو كلام فارغ يعبر عن نوايا مبيتة تمثلت سريعا في الهجوم على مخفر الصامتة الحدودي في فبراير/ شباط 1973 ودخول وساطات عربية قوية للحد من تدهور الموقف؟ وكانت نوايا صدام مبيتة ولكنها واضحة تجسدت فيما بعد بأساليب الحقد والغدر مع الغزو الذي قام به الجيش العراقي في 2/8/1990 والذي حسم جدلا سياسيا وشعبيا عراقيا طويلا، وبرغم قيام الحرب العراقية/ الإيرانية وتقديم الكويت لمساعدات هائلة حفظت خلالها قوة الجبهة العراقية أمام الزخم الإيراني الذي كان يهدف لإحتلال العراق بالكامل وفرض نظام ولاية الفقيه فيه إلا أن ذلك لم يشفع للكويتيين في تصورات القيادة العراقية السابقة المعبئة بالحقد المريض بعد تبلور حكاية المجال الحيوي أيضا في الذهنية العراقية، وبرغم أن الغزو كان جريمة مع سبق الإصرار والترصد إلا أن قطاعات عراقية عديدة وبعضها في السلطة اليوم كانت تعتبرها ضرورة ومن طبائع الأمور ولعل إختلاف مواقف المعارضة العراقية أيام الغزو كان يبعث على التأمل؟ فالأحزاب القومية وحتى الدينية لم ترفض الغزو والضم إلا بسبب أنه قد تم على يد صدام ونظامه فقط لا غير؟ فلو أنه تم على أيادي أخرى فلا بأس به؟ بل أن بعض الأحزاب الدينية والطائفية إعتبر الغزو إنتقام سماوي من الكويتيين الذين وقفوا مع النظام العراقي لمنع الإحتلال الإيراني للعراق؟ فيما إعتبر الجناح الآخر لحزب البعث العراقي في الشام الغزو بكونه حركة وحدوية مباركة لتحقيق أهداف الأمة العربية في الوحدة والحرية والإشتراكية؟؟، وبعد التغيير الكبير في العراق وقيام الولايات المتحدة بإسقاط نظام البعث وتقديم الكويت مساعدات ستراتيجية مهمة في عملية الإسقاط مشفوعة بدعم لا محدود لقيام النظام الجديد والبديل في العراق تلبست الروح العدوانية الأحزاب الدينية والطائفية الفاشلة التي تسللت تحت غطاء الإحتلال للهيمنة على العراق فكان الصدريون مثلا في غاية الحساسية في التعامل مع الكويت ووفقا لتوجهات زعيمهم النزق مقتدى الصغير ولكون غالبية القيادات الصدرية ذات منشأ تربوي وسياسي بعثي في الأساس لكونهم أعضاء سابقين في البعث ومنظماته المدنية والعسكرية كالإتحادات الطلابية والجيش الشعبي وفدائيي صدام وغيرها؟ كما أن حزب الدعوة الذي تآمر مع إيران ضد الكويت في تفجيرات 1983 وما قبلها وما بعدها يحمل من نيران وذكريات الحقد الشيء الكثير؟ ورغم أن دولة الكويت قد أغدقت على قيادات المجلس الأعلى والزعامات المعممة بالأموال والهدايا الجزيلة جدا جدا لدرجة أن السيد محمد بحر العلوم عضو مجلس الحكم السابق حينما يأتي إلى الكويت وهو غالبا ما يأتي لأن عيونه مسلطة على السفارة العراقية في الكويت ليكون أحد أبنائه سفيرا للعراق هناك تقوم الدولة الكويتية بتوفير حماية كبيرة له وتخصيص موكب حافل لا يخصص للأمير ولا لولي العهد ذاته اللذان يقومان بزيارة الدواوين الشعبية بكل هدوء وسلاسة بينما عمائم العراق ترفل بالبهرجة ومظاهر الحكم والسلطة رغم تفاهتها الحقيقية؟ ومعروفة حكاية الملايين التي كان يأخذها محمد باقر الحكيم من الكويت في زياراته الرمضانية والتي ورثها شقيقه في المجلس الإيراني الأعلى، المهم في الحكاية أن العراقيين للأسف رغم الحروب الطاحنة الدائرة بينهم ورغم حملات الكراهية التاريخية التي تطحنهم والتي جعلت من العراق واحدا من أفشل الدول في التاريخ؟ لا يوحدهم سوى جامع واحد ورابطة واحدة وهي العداء للكويت بغض النظر عن هوية الحاكم بعثيا كان أم شيوعيا؟ سنيا كان أم شيعيا؟ ملحدا كان أم مؤمنا ينتظر بزوغ دولة الخلافة أو ظهور المهدي؟..... تلك هي الحقيقة للأسف والتي هي واحدة من أهم خلفيات جريمة غزو الكويت؟ ستتوالى سهام وصواريخ الشتائم ضدي ولكن الحقيقة ينبغي أن تقال؟
[email protected]
- آخر تحديث :
التعليقات