قبل فترة أثارت الحكومة العراقية زوبعة سياسية بسبب ماوصفتها بالمؤامرة الكبيرة التي تحيكها ضدها بعض الشخصيات والقوى السياسية بالتعاون مع دول مجاورة تمهيداً للقيام بإنقلاب عسكري لإسقاطها والتي لم تذكرها بالإسم لكنها أشارت إليها بشكل واضح جداً وهي من الشخصيات والقوى المشاركة في العملية السياسية بل ولديها نواب في البرلمان ووزراء في الحكومة.. ورغم إن الموضوع غير مؤكد ولم تؤكده الحكومة نفسها بوثائق ووقائع وأسماء وإنما فقط بتكهنات وإتهامات إلا أنها سارعت فوراً وعبر شاشات التلفاز الى دعوة منتسبي الجيش العراقي وقادته الى أن يضربوا بيد من حديد كل من يفرش سجادة حمراء أو ينثر الزهور بطريق من يريد التدخل بشؤون العراق وجيشت جيوشها من بعض الكتبة وسياسيي الصف الثاني ليشنوا هجوماً إعلامياً لاذعاً على الشخصيات والقوى السياسية والدول المجاورة المتهمة بتدبير هذا الإنقلاب وجعله أمراً واقعاً من فراغ بحجة أن هؤلاء يريدون أن يعيدوا عقارب الساعة الى الوراء والإلتفاف على الشرعية والديموقراطية وغيرها من الترهات.. والغريب في الأمر هو رد الفعل السريع المستفز والمبالغ فيه من الحكومة على هذا الموضوع ودعوتها للجيش الى الضرب بيد من حديد رغم أننا لم نسمعها يوماً تدعوا منتسبي هذا الجيش وقادته علناً وعلى شاشات التلفاز الى أن يضربوا بيد من حديد الميليشيات التي إستباحت العراق وتقتل وتهجّر يومياً العشرات من خيرة أبنائه والتي يعود أغلبها لأحزاب في الحكومة والتي يسيطر بعضها اليوم على محافظات بأكملها في جنوب العراق!.. أو الى أن يضربوا بيد من حديد من يتسلل عبر حدود العراق مع بعض دول الجوار من الإرهابيين والمجرمين ومهرّبي المخدرات والسلاح وثروات العراق من نفط ومعادن!.. أو الى أن يضربوا بيد من حديد من قاموا بجريمة جسر الأئمة أو بتفجيرات كربلاء ومدينة الثورة أو بتفجير جسر الصرافية أو الحضرة الكيلانية أو الحضرة العسكرية أو منفذي التفجيرات اليومية في شوارع وأسواق بغداد وباقي المحافظات العراقية!.. ثم لماذا لايضربون هُم بيد من حديد رموز وجيوب الفساد في مفاصل حكومتهم التي بدأت فضائحها تزكم الأنوف والتي تمنع صرف أكبر ميزانية في تأريخ العراق لتأمين حاجات وخدمات أبنائه!
إنهم يطلبون من الجيش العراقي وقادته الى أن يضربوا بيد من حديد فقط شركائهم في الحكومة والعملية السياسية والذين كان خطأً منهم وسيُحسَب عليهم لالهم الدخول فيها ومن يشُكّون ويعتقدون بجلوسهم مع مخابرات دول إقليمية عربية ولايطلبون منهم أن يضربوا بيد من حديد من يعلمون علم اليقين بأنهم ينسقون ويعملون منذ زمن مع مخابرات دول إقليمية أجنبية يعرفونها جيداً!.. المؤسف هو أنهم يحاولون اليوم إبراز عضلاتهم وإستخدام يدهم الورقية ضد شخصيات وقوى سياسية كانت معهم بل وسبقتهم في معارضة النظام السابق وشاركت في العملية السياسية الحالية منذ إنطلاقتها وربما هي الوحيدة التي حصلت على مقاعدها في البرلمان بطرق نظيفة وقانونية وليس بالبلطجة وإرهاب الناس بالعذاب في الدنيا والآخرة إذا لم ينتخبوها ولم يعرف عنها أصلاً ميلها أو تبنّيها للعنف والحلول العسكرية كما يفعل ويحاول أن يفعل البعض اليوم بل إن بعض هذه الشخصيات كانت أول من تولى السلطة في العراق بعد سقوط النظام السابق يوم لم ينبري لها غيرها وكانت الوحيدة التي أثبتت رغم قصر المدة أنها أهل لهذه السلطة بل وأكبر منها قولاً وفعلاً بإمكانياتها السياسية والإجتماعية ولم تستخدم حينها هذه السلطة وأمكانياتها للبقاء في الحكم والتحريض على تسقيط وتصفية منافسيها كما فعل ويفعل من جاؤوا بعدها.. كل هذا لأنها تريد تشكيل جبهة سياسية معارضة في داخل البرلمان لن تستطيع الآن ولكنها قد وأكرر قد تؤدي في المستقبل الى إسقاط حكومتهم المتهاوية هذا إن قدر لها الحصول على أكثرية في برلمان تحكمه وتسيره المحاصصات الطائفية والصفقات الحزبية.
وفي مقابل إتهامهم لمنافسيهم من السياسيين بتدبير المؤامرات والإنقلابات نرى بعض ساسة الحكومة ووعاظهم من كتاب ومثقفين لايكفون عن الحديث حول الإنجازات التأريخية الكبيرة للحكومة والتي رغم كبرها كما يدّعون لايمكن رؤيتها ولاحتى بأكبر مجهر أو تلسكوب في العالم لأنها ببساطة غير موجودة.. فعن أي إنجازات يتحدثون وقد عجزوا ومعهم جيش أقوى دولة في العالم عن إيقاف مسلسل الموت الذي يطال العراقيين يومياً بالمئات نتيجة الإرهاب الإعمى والإغتيال المبرمج والجريمة المنظمة والتصفيات الطائفية؟.. وعن أي إنجازات يتحدثون وقد عجزوا وبجعبتهم ميزانية إنفجارية قيمتها 40 مليار دولار ومعهم تكنولوجيا أرقى دولة في العالم عن توفير الحد الأدنى من الخدمات لشعبهم من ماء وكهرباء ووقود وغذاء؟.. أين وعودهم بالقضاء على الميليشيات وفرض سلطة القانون والمصالحة الوطنية وإجراء التعديلات الدستورية؟.. أين الأمان والإستقرار والطمأنينة والشفافية والرفاهية التي وعدوا بها العراقيين وأصبحت بالنسبة لهم حلماً بعيد المنال منذ اليوم الأول الذي تسلطوا فيه بأحزابهم وميليشياتهم على رقابهم؟.. هنالك فشل وإخفاقات لا إنجازات كما يدّعون لذا يديرون لنا بين الحين والآخر إسطوانة المؤامرات والإنقلابات لتبرير وتغطية أخفاقاتهم المريعة والمخزية في توفير أبسط الخدمات لمواطنيهم وهي إسطوانة مشروخة يريد منها مطلقوها من السياسيين إلهاء الناس عن رؤية الحقيقة المؤلمة التي أوصلوهم وأوصلوا العراق اليها والتشويش على صفقاتهم السياسية والتجارية والتغاضي عن فشلهم في إدارة البلاد وتنفيذ ماوعدوا به العراقيين والإدارة الأمريكية والعالم ولم يتحقق منه حتى الآن ولامثقال ذرة.. فمنذ مجيئهم وحتى الآن (كل اللي فالحين فيه) وكل همهم هو الذهاب الى الحج في كل عام وملأ جيوبهم وتوسيع أملاكهم وزيادة رواتبهم والإستمتاع بعُطلِهم والحفاظ على مناصبهم التي لايستحقها أغلبهم وماكانوا ليحصلوا عليها لولا أبناء العراق المغلوبين على أمرهم.
إن السياسات والأساليب التي يستخدمها اليوم بعض الساسة العراقيين الذين كانوا جميعاً من معارضي النظام السابق أغلبها مستعارة من سياساته وأساليبه في الحكم وفي التعامل مع الآخرين فالكذب الصريح وفق مقولة (إكذب إكذب حتى يصدقك الجميع) وشراء الذمم وتسخير الأبواق وتحريك المظاهرات المفتعلة في هذه الدولة ضد تلك الدولة كلها سياسات وأساليب باتت مفضوحة عشنا معها لثلاثة عقود ولن تنطلي علينا بعد الآن.. أما إنتخاباتهم المشكوك بها والتي يستمدون منها شرعيتهم فهي تشبه في كثير من الوجوه إستفتائات النظام السابق والفرق هو أن ذلك النظام كان يرعب الناس بنار الدنيا التي من الممكن أن تطالهم في حالة عدم إنتخابه أما هُم فيرعبوهم بوعيد نار الآخرة إذا لم ينتخبوهم وكما كان النظام السابق ينشر منتسبي حزبه وأجهزته الأمنية على مراكز الإستفتئاء فقد نشروا هم أضعافها من منتسبي أحزابهم وميليشياتهم على مراكز الإنتخابات ومعروف للجميع مالذي قام به هؤلاء.. كما بدأنا الآن نستمع من جديد لنغمات ظننا لوهلة أنها قد تلاشت مع معزوفات النظام السابق إلا إنها عادت اليوم لتطرق مسامعنا من جديد من قبل جوقة من أمضوا حياتهم ينتقدون ذلك النظام فقبل أيام سمعنا من مسؤول كبير نغمة خطيرة جداً شبيهة بنغمة quot; إذا قيل صدام قيل العراق quot; فقد إعتبَر دعمه وتأييده دعماً وتأييداً للعراق أما معارضته والتآمر عليه فهي معارضة وتآمر على العراق وكأنه أمسى والعراق واحد.. أما نغمة إتهام الآخرين بسبب وبدون سبب بالتآمر وتدبير الإنقلابات التي كان يستخدمها النظام السابق ضد معارضيه فقد أصبحنا الآن نسمعها يومياً من المسؤولين العراقيين وباتوا يستخدمونها كما يشاؤون ومتى يشاؤون بوجه منافسيهم من السياسيين العراقيين لتسقيطهم أمام الشارع العراقي خوفاً من زوال سلطتهم فما بدا مما عدا؟.. ثم أليس وصفهم لأي تحرك سياسي دستوري وبرلماني ضدهم على أنه مؤامرة ومحاولة إنقلاب دليل على مايبيتونه هم وعلى نيتهم هم بالإنقلاب على الديموقراطية عبر تصوير أنفسهم على أنهم ضحايا ومساكين ومظلومين ويتعرضون لمؤامرات تريد سلبهم حقهم الشرعي بالسلطة؟.. لقد قلنا مراراً وتكراراً إن هؤلاء حالهم كحال جميع تيارات الإسلام السياسي لايؤمنون بالديموقراطية ولكنهم يستعملون آلياتها للوصول الى السلطة التي لن يتنازلوا عنها مهما حصل وسيستعملون كل الأساليب للحفاظ عليها والدليل إننا لم نجد حتى الآن ولاحتى وزيراً واحداً من وزرائهم الموامنة يدفعه الإيمان والضمير والحياء والغيرة على شعبه الى الإستقالة رغم كل مايحدث.. لذا كفاهم مزايدة على الليبراليين والعلمانيين بالديموقراطية لأنه (ميلوكلهم) و(موثوبهم).
وبالمناسبة وعلى ذكر الإنقلابات..من الذي يدعوا للإنقلابات؟.. الذي يعمل في النور والعلن على تشكيل جبهة سياسية برلمانية ليحاول عبرها تغيير المعادلة السياسية سلمياً؟.. أم الذي كلما أحس بأن كرسي السلطة بدأ يهتز من تحته يُحرّض الجيش على من يعارض حكومته ويتظاهر ضدها ويعمل على سحب الثقة منها دستورياً وبالقانون ويدعوه الى التدخل في حال حصل أي تغيير في المعادلة السياسية للبلاد؟.. والسؤال الأهم من كل هذا هو كيف لهؤلاء المتآمرين أن يقوموا بإنقلاب ونحن نعلم والطفل يعلم بأن أي إنقلاب يحتاج الى جيش ففي أغلب الإنقلابات التي حدثت في العالم كان الجيش حاضراً على الدوام إما منفذاً أو داعماً وسانداً للإنقلابيين في حين إن من يُتّهمون اليوم بالتآمر وتدبير الإنقلابات لايمتلكون حالياً ولاحتى فصيل واحداً في الجيش العراقي الذي باتت أغلب قياداته ومراتبه العليا والمتوسطة والدنيا بل وأغلب الأجهزة الأمنية في العراق تدين اليوم بالولاء المطلق للحكومة وأحزابها بعد أن قامت هذه الحكومة والتي سبقتها بتصفيات حزبية وطائفية وفئوية لكل من لايدين بالولاء لها في داخل هذه الأجهزة هذا بالإضافة الى وجود 150 ألف جندي أمريكي تدّعي حكومتهم حتى هذه اللحظة بأنها تدعم الحكومة الحالية فكيف إذاً من الممكن أن يحدث وينجح الإنقلاب؟.. لذا فإن حصل إنقلاب فسيكون برغبة ومباركة أمريكا ومساعدة جيشها الجرار الموجود في العراق فقط وفي هذه الحالة لن يكون من حقهم الحديث عن إنقلاب لأنهم وكل من سبقوهم منذ عام 1958 جاؤوا بإنقلابات أو بمايشبه الإنقلابات كان أغلبها مدعوم أمريكياً والفرق هو أن هنالك من جاء بقطار أمريكي وهنالك من جاء بمروحية أمريكية وهنالك من جاء خلف دبابة أمريكية وهنالك من جاء بسيارات (بيك آب) تجميع...... فخلونا ساكتين.
همسة:
قبل أسابيع قرأنا في الصحف البيان التالي..
quot;هددت رئاسة الوزراء بأعتقال جميع المضربين والقائمين على الأضراب من نقابة عمال النفط وتوجيه تهمة تخريب الأقتصاد الوطني لهم وإرسال قوات الجيش والشرطة لفض أضرابهم وأعتقال القائمين عليهquot; إنتهى.
س1- من الذي يريد إستخدام وإستغلال الجيش وإدخاله وإقحامه فيما ليس له؟
س2- أليس هذا خرقاً للقانون وللدستور العراقي.
س3- إذا أولها (هيج) لعد آخرها (شلون)؟
س4- أليس الأفضل لمن لديه شبابيك (تول) أن لايرمي الناس بالحجارة؟
مجرد تساؤولات...............................
التعليقات