أفهم أن يتم تحويل المساحات الأرضية التي تسيطر عليها مجاميع التخلف الأصولي الديني إلى مناطق خاضعة كلياً للوصاية الدينية مظهراً وتوجهاً وفكراً وممارسة، ولكن أن يتم التوسع في السيطرة ليشمل الفضاء الحر فهذا أمر في غاية الغرابة..!! في الحقيقة أستغربُ كثيراً حينما أقرأ بين الحين والآخر عن نية البعض من أصحاب الفكر الأصولي الديني لرفع دعاوي قضائية ضد بعض المواقع الأنترنتية والسعي نحو حجبها بحجة أن هذه المواقع تنشر ما يسيء لإسلامهم على حد قولهم..!!

وإنني أعجز عن فهم أن الفضاء الافتراضي والشبكة العنكبوتية يجب أن تلتزم بإسلام أصحاب الفكر الأصولي المتزمت الذين يجدون في هذه المواقع تعدياً على إسلامهم، ومن ثمّ يريدون اسكاتها عبر تهديدها بدعوى قضائية، فالشبكة العنكبوتية ليست مهبطاً للوحي الأصولي الديني وليست مساحة جغرافية دينية أخرى حتى تكون خاضعة للوصاية الدينية المقيتة وخاضعة لأحكامهم وتعليماتهم وأوامرهم، ولا أعرف كيف خلصوا إلى حقيقة هم يرونها يقينية لا تقبل التشكيك، وهي أن الإسلام يجب أن يبقى ملكاً لهم فقط دون غيرهم، وكأن الإسلام شركة تجارية تابعة لمؤسساتهم، وعليهِ فأنهم أصبحوا يتحدثون بإسم الملايين من المسلمين عن الإسلام الذي يرون أنه قد تعرض للهجوم والإساءة في المواقع الإلكترونية التي يزمعون بكل جهد ملاحقتها قانونياً أو حجبها عن الناس..!! فالمسألة ليست مجرد دعاوي قضائية ولكنها في حقيقة الأمر تضعنا أمام مشهد كارثي يتمثل في الفكر الإقصائي عند جماعات التخلف الديني والذي وصل إلى حد اخضاع الفضاء تحت وصايتهم المستبدة..

أتساءل أمام هذه العقلية الدينية المسكونة بنزق الوصاية على البشر وعلى أفكارهم وآرائهم، هل بلغ الحد بها إلى درجة إنها تطمح للسيطرة على الفضاء الرحب وتركيع الشبكة العنكبوتية لتوجهاتها وأوامرها وأدبياتها الكهنوتية، ولكم أن تتصوروا كيف سيكون حالنا مع الأنترنت إذا تمت السيطرة عليه من قِبل هذه العقلية المغرمة بتنفيذ أحكام الخلافة الإسلامية، ولا أدري لماذا لم تنفجر غيرتهم وتستثار حميتهم على إسلامهم الذي تم خطفه على أيدي الإرهابيين والمعتوهين ومَن يسير على نهجهم التدميري والتكفيري والظلامي، وخاصة أن هؤلاء قد ألحقوا ببلدانهم التخريب والدمار والتفجير..

وأتساءل هل مَن يحاول نقد الفكر الديني عبر القلم والفكر يعتبرونه في نظرهم خطراً على إسلامهم وعلى المسلمين..؟ بينما مَن يقوم بالتفجير والتدمير وقتل الناس هنا وهناك مدافعاً عن إسلامهم ومسلميهم..!!

وأتساءل لماذا يلجأ الإسلاميون إلى اسكات غيرهم وقمع أفكارهم والتسلط عليهم وممارسة أبشع أنواع الوصاية الدينية عليهم لمجرد أنهم يختلفون معهم بالرأي والفكر، وقد يكون رفع دعاوي قضائية على مواقع إلكترونية ومحاولة حجبها نوع من الإبداع الديني الأصولي تفتقت عنه ذهنيتهم الهجومية المتلذذة بقمع الآخرين والنيل منهم فضائياً..!!

وأتساءل كيف توصلوا إلى أن ما يتم نشره في بعض المواقع يعتبر هجوماً على إسلامهم ويجب عليهم ألا يسمحوا بنشر الكتابات التي يرونها تخالف نظرتهم للدين، ولماذا في مقابل ذلك لا يرفعون دعاوي قضائية مماثلة على المواقع الدينية التي تنتشر في الفضاء الأنترنتي كالوباء المعدي وتنشر فتاوى القتل والتفجير والإرهاب، فهي التي تسيء لدينهم وإسلامهم ومسلميهم ..

وأتساءل حقيقةً لِمَ لم يتوجه أولئك المنافحون عن إسلامهم وغيرهم إلى الحديث عن الاختراقات الإرهابية الفضيعة التي تُرتكب بحق الإنسان هنا وهناك، ولم تثر حميتهم الدينية تلك الأعمال المنافية لأبسط حقوق الإنسان، وإنما ثاروا وضاقوا ذرعاً برأي كاتب يريد أن يتلمس طريق التنوير والوعي في مجتماعتنا الخاضعة للوصاية الدينية المتزمتة..

ونتساءل لماذا يتم حشر الإسلام في كل شاردة وواردة ويتم الدفاع عنه بطرق إرهابية قمعية تسلطية استلابية لحق الآخرين الإنساني في نقد ما يرونه مخالفاً لروح التسامح وتشويهاً للقيم الإنسانية، في الحقيقة نحن أمام معضلة شديدة التأزم تتمثل في عدم اتساع صدر الإسلاميين للرأي الآخر والسعي نحو اسكاته بالتهديد تارةً وتارةً أخرى بالتصفية الجسدية وتارةً ثالثة بإسكاته فضائياً..!!

كاتب كويتي
[email protected]