أمست ظاهرة الانسحاب من حكومة السيد المالكي بسبب عمق الخلافات والمشاكل المحيطة بالبلاد ظاهرة تعيق الأداء الحكومي وتعمق ألازمة مما أدى إلى دخول العملية السياسية في مأزق من الصعب التكهن بنتائجه وهي بالتأكيد لن تكون في مصلحة الحكومة والقوى المتحالفة فيها فهذا المأزق الذي استفحل على مرور الأيام والذي ولد جنيناً وأصبح يافعاً تأكد انه لم يأت من فراغ بعد التداعيات في الوضع الأمني والعلاقات بين الكتل التي طالما انحصرت ببعض القضايا المهمة التي ادعت الأطراف المتخاصمة بضرورة إيجاد حلول لها وعلى الرغم من مما قيل وصرح به من قبل بعض الأطراف عند تشكيل حكومة المالكي بأنها quot; حكومة الوحدة الوطنية quot; فان الحكومة لم تكن فعلاً حكومة الوحدة الوطنية وان اشتركت فيها بعض القوى لأنها كانت محصورة الاتجاهات وبقت على المقدار نفسه مما كانت عليه حكومة الجعفري من التراوح في حل المشاكل المتعلقة بالأمن الداخلي وحياة المواطنين الاجتماعية والاقتصادية فضلاً عن روح الاستئثار وعدم التحرك لحل المليشيات المسلحة التابعة للبعض من قوى الائتلاف العراقي مما جعل بعض الأطراف يشكك بنية الحكومة بخصوص حل هذه المليشيات المسلحة التي أصبحت علّة سرطانية تعيث فساداً باسم القانون، أو تطهير الأجهزة الأمنية منها ومن تأثيراتها وقد تكون حجة التيار الصدري التابع لمقتدى الصدر بخصوص خروج القوات الأجنبية شعارا يراد منه كسب الرأي العراقي باتجاه السيطرة ليس على الشارع العراقي فقط بل الاستئثار بالسلطة ومن اجل تهميش قبل أي شيء حلفائهم في الائتلاف العراقي وبخاصة المجلس الإسلامي الأعلى ثم تحقيق مخططهم الهادف إلى إقامة الدولة الدينية المشابهة للنظام الإيراني وعندما وجد أن ذلك بات صعباً انسحب من الوزارة تحت طائلة العديد من الحجج التي كان بالامكان معالجتها بواسطة الحوار الداخلي مع حلفائهم في الائتلاف إلا أن الوقائع التي كشفت انتماءات فرق الموت والتصفيات الدموية التي تقوم بها المليشيات وإتباع الطرق الجهنمية التي تتبعها المنظمات الإرهابية التكفيرية كشف الوجه الحقيقي للمشروع الطائفي مما زاد الطين بلّة كما يقال.

إذن وبعد انسحاب جبهة التوافق وما أعلنته مسبقاً من اتهامات ومطالب من الصعب تنفيذ البعض منها وبخاصة إطلاق سراح جميع المعتقلين ويفهم منه حتى أولئك الملطخة أيديهم بدماء الشعب ورد د.علي الدباغ المتشنج ذو الطابع الاتهامي والاستفزازي واعتبارهُ رداً شخصياً وليس رداً رسمياً من قبل الحكومة المتهمة بعدم تنفيذ برنامجها الذي أعلنته منذ البداية اظهر أن قيام الحكومة الحالية لم يكن على أساس مشروع وبرنامج وطني يؤدي إلى تشكيل حكومة الوحدة الوطنية الحقيقية ومنذ تلك الساعة التي تم فيها الاتفاق على المحاصصة نشأت بذرة الاختلاف والتناقض حيث تم تشكيل الحكومة على أساس المحاصصة الطائفية والقومية، وكما هو معروف أن أية بذرة اختلاف من هذا النوع إذ لم تسارع جميع الأطراف المشتركة وبروح المسؤولية في إيجاد الحلول لها فإنها بالتأكيد سوف تتوسع وتزداد وتخلق معوقات جديدة وجديدة وهذا ما حصل في حكومة المالكي فلا الإعلان عن أن الحكومة هي حكومة الوحدة الوطنية ولا التحالف داخل الائتلاف العراقي استطاع أن يردم الحفر والأنفاق التي بدأت تتوسع وتسد الطريق وتعرقل العملية السياسية ويبدو أن أهم نفق مظلم هو نفق الحل العسكري والقوة العسكرية اعتماداً على القوات الأجنبية ومحاولات تهميش أطراف تشارك في الحكومة واعتبار المصالحة الوطنية والإصلاح السياسي قضية ثانوية مما ساعد على زيادة الخلافات والتناقضات داخل الحكومة وبخاصة بين رئيس الوزراء ووزراء من التيار الصدري أو جبهة التوافق وقسماً من القائمة العراقية. لقد تأكد لنا من خلال قراءة الواقع والأحداث أن النفق الذي كان صغيراً وراح يكبر خلق مأزقاً حقيقياً لحكومة المالكي وان ادعت غير ذلك وهي أصبحت حكومة ضعيفة جداً وتكاد أن تكون منقسمة حتى داخل تحالفاتها وبهذا يكون المأزق معرقلاً لسير العملية السياسية.

أن حل هذا المأزق والخروج من هذا النفق المظلم يحتاج إلى رؤيا وطنية واضحة ووفق الحرص على وحدة الشعب والبلاد وعدم الانجرار خلف العصبيات غير الطبيعية الطائفية أو الحزبية صحيح لا توجد عصا سحرية لحل جميع المشاكل لكن هناك طريق واحد من الممكن أن يساهم بتذليل الصعاب وإنقاذ البلاد والمحافظة على وحدة الشعب العراقي، طريق الإصلاح السياسي والمصالحة الوطنية وما يتبعها من قضايا في الدستور والنفط وحول المليشيات المسلحة وعدم دمج البعض منها في القوات المسلحة وهذا يعني التخلص نهائياً من المحاصصة الطائفية والقومية واعتماد معايير جديدة أهمها المواطنة العراقية، الطريق الذي يستطيع أن يؤدي إلى هدف الاستقرار والخلاص من الاضطراب الأمني والتخلص من الإرهاب والمليشيات المسلحة وإنجاز مهمات تجهيز القوات المسلحة وتحسين أدائها الكمي والنوعي لإنهاء وجود الجيوش الأجنبية وإنجاز الاستقلال الوطني والسير قدماً في بناء الدولة الديمقراطية ألتعددية الفيدرالية، دولة القانون والا ستكون العواقب غير حميدة وخطيرة إذا استمر التعنت وتبادل الاتهامات والتخندق الحزبي الطائفي ولسنا متشفين إذا نقول أن حكومة السيد المالكي التي خلقت أسباب انهيارها منذ البداية أصبحت عرجاء لا تستطيع إنجاز المهمات حتى الاعتيادية اليومية وللعاقل أن يدرك قبل فوات الأوان.

وقد تثمر الجهود ومنها جهود رئيس الجمهورية مثلما جاء في إيلاف quot; لرأب الصدع ولإيجاد مخرج للأزمة الراهنة quot; إذا جرى الالتزام بما نوهنا عنه مسبقاً إضافة إلى النية الطيبة عند الجميع لخدمة العراق وتحاشى الاستئثار والتسلط وكيل الاتهامات واعتبار الآخرين غير مخلصين وطنياً ووضع النقاط على الحروف بدلاً من التصريحات العامة التي تفتقد الدليل المادي.

إن الاعتماد على الشعب العراقي لا يمكن ان يفشل وهو رهان مضمون أما الاعتماد على تكتل معين أو حزب وتغليبهما على العام وعلى مصلحة المواطنة فهو رهان خاسر 100% وكما قيل، الشعب هو اكبر وأوسع من أي تكتل أو حزب سياسي مهما كان قوياً وواسعاً ومتمكناً وعليه يجب تغليب مصلحة الشعب على المصلحة الحزبية والطائفية الضيقة ومن هذا المضمار نرى ان حكومة المالكي أمامها أمرين

1 ـ أما ان تكون حكومة الوحدة الوطنية والسعي لحل المعضلات المتشابكة وتنفيذ برنامج وطني على قاعدة المصلحة العامة ومصلحة البلاد دون أية تأثيرات من داخلية أو خارجية

2 ــ أو تشكيل حكومة مستقلة بدون تأثيرات حزبية أو طائفية ولا تتأثر بدول الجوار.

والقسم الثاني يحتاج إلى عمل مكثف ودعم من كافة الأطراف التي تريد إنقاذ البلاد من الفوضى وعدم الاستقرار وحل المشاكل المعيشية وإعادة البناء والاعمار وخروج الجيوش الأجنبية وإنجاز الاستقلال التام غير المنقوص.