قبل بضعة أسابيع نشرنا مقالاً بعنوان quot; ما هي الحرية؟ quot; وقد أجبنا على السؤال العنوان بأن الحرية هي قيمة من إنتاج الإنسان ويمارسها الإنسان كيلا تقوم أية حواجز من أي نوع كان بينه وبين أدوات الإنتاج التي يعتمد عليها وحدها في العيش وتطوير حياته.
لقد اكتسبت الحرية، عبر استخدامها بعيداً عن معناها، معاني رومانسية خالطتها القدسية بصورة عامة وشذ عن ذلك تعريفنا المبين أعلاه إذ دنّسها، بمفهوم الرومانسيين، ونزع عنها كل ظلال القدسية بالرغم من أن وظيفة الحرية الحقيقية هي أقدس من كل المقدسات حيث أنها سر الحياة الإنسانية.
لعلنا نقوم بذات العمل بالنسبة إلى الديموقراطية فندنسها بمفهوم الديموقراطيين البورجوازيين الذين يسمون مائة وظيفة ووظيفة للديموقراطية لكن ليس من بينها الوظيفة الحقيقية الوحيدة للديموقراطية. إنهم يقومون بذلك لأن الفكر السياسي الخاص بالبورجوازية بكل أطيافها إنما هو فكر مصطنع ومزور لا يسمي الأشياء بأسمائها ولا يقوم أساساً على وقائع النشاط الإنساني على الأرض ويستغرق ذاته في بناء قلاع قوطية تسكنها الأشباح. وثمة من بين هؤلاء من تنقصه الوسائل الكافية للتعرف على حقيقة الديموقراطية وقد يكون بينهم بعض أنصاف الماركسيين، بل هم بينهم فعلاً.

ما هي الديموقراطية إذاً؟؟
الديموقراطية بتحديد قاطع وصريح هي الشرط المحدد الذي يسمح بكل اضطرام للصراع الطبقي. إن ارتفاع سقف الديموقراطية يتناسب تناسباً طردياً مع حدة الصراع الطبقي. ثمة من يستغرب مثل هذا التفسير للديموقراطية ولا يوافق عليه؛ إنهم لا يوافقون على مثل هذا التفسير ليس لأنهم يسيئون تفسير الديموقراطية وفهمها فقط بل لأنهم قبل ذلك لا يفهمون معنى الصراع الطبقي. مثل هؤلاء وآخرون غيرهم يظنون أن الصراع الطبقي الذي رآه ماركس محركاً للتاريخ هو قيام الطبقة موضع الإستغلال برفع السلاح بوجه الطبقة المستغلة والعمل فيها تقتيلاً حتى الإبادة. لو كان الأمر كذلك لانقرض الإنسان من على وجه الأرض منذ زمن بعيد. الصراع الطبقي جرى على أشده بين العمال والرأسماليين خلال القرنين الأخيرين وقد رأينا، خلال ذلك، في أحد جوانب هذا الصراع أن الرأسماليين يوفرون عدداً من الخدمات الصحية كمسعى للمحافظة على صحة العمال وتكاثرهم إذ بدون ذلك لن يتمكن الرأسماليون من استغلال العمال استغلالاً كاملاً ولن يستطيعوا تأمين قوة العمل اللازمة للتوسع الصناعي.
يجري الصراع الطبقي بسبب تباين وسائل الإنتاج والالتصاق بها كونها سبب الحياة. الذين يعتاشون من وسيلة بعينها وينتجون ذات المنتوج يجهدون دائماً معاً لإعلاء شأن منتوجهم ومبادلته في السوق بأعلى قيمة بالنسبة إلى المنتوجات الأخرى. اختبرت شعوب المشرق العربي صنفاً من الصراع الطبقي استعر حتى الوصول إلى المواجهة المسلحة. في صدر القرن الماضي وما قبله شكل أهل البادية الذين كانوا يعتاشون بصورة عامة من الرعي، شكلوا كتائب مسلحة تمارس النهب على الفلاحين في مناطق الحضر الذين يعتاشون على الفلاحة وهي التي تضيّق على مناطق الرعي وتبخس منتوجات الرعاة. وصل الصراع حدود المواجهة المسلحة عندما غابت سلطة الدولة العثمانية. تباين وسائل الإنتاج ينعكس تبايناً في المنفعة التي ينتفعها الإنسان من الوسائل المختلفة. كل طبقة تنتصر لوسيلة معاشها وتحارب الطبقات الأخرى التي تضيّق على وسيلتها كأن تبخس منتوجاتها في السوق. وسائل الإنتاج تتحارب في السوق بأسلحة منتوجاتها الخاصة حرباً لا تنقطع للحظة واحدة. أما حرب السلاح فهي غالباً ما تكون نهاية الحرب المعلنة أما الحرب المستترة فتبقى إلى أمد مديد. وسيلة الإنتاج الأكثر انتفاعاً هي الوسيلة التقدمية التي تنتصر لها الديموقراطية دائماً وأبداً. تكامل الديموقراطية يترافق دائماً بزيادة أدوات وسيلة الإنتاج التقدمية لتمكنها من الإنتصار على وسائل الإنتاج الأخرى وقهرها ثم تحويل الناس المعتاشين من تلك الوسيلة إلى الإنتاج بواسطة الوسيلة التقدمية والتعيش منها. على هذا المنوال يتم محو الطبقات الذي تحدث عنه لينين في تعريفه للإشتراكية بقوله.. quot; أن الإشتراكية إنما هي محو الطبقاتquot;.
في صدد تقديم شرح واف للديموقراطية يتوجب الإشارة القوية إلى أن البورجوازية والتي لم تتخلق عضوياً في التاريخ إلا عبر الديموقراطية الحقيقية، الفضاء الأرحب للصراع مع الإقطاع، هذه البورجوازية التي تتخلق في رحم الإستغلال لبني الإنسان، قد قدمت معنىً مزيفاً للديموقراطية وهو المعنى السائد اليوم والذي يتلخص بالتشريع القائل.. quot; الكل سواسية أمام القانون quot; وهو التشريع الذي يبدو ديموقراطياً حتى النهاية وغير قابل للرفض أو الإعتراض لكنه في الحقيقة يفتقد لأي حسٍ بالديموقراطية وأبعد ما يكون عن الديموقراطية.
التشريع الذي ينظر إلى الناس أمامه على أنهم متساوون هو تشريع أعمى دون أدنى شك فالناس الذين يتقدمون إليه ليسوا متساوين على الإطلاق فمنهم من يملك ومنهم من لا يملك، منهم الغني ومنهم الفقير، منهم البورجوازي ومنهم الكادح، منهم الرأسمالي ومنهم العامل المأجور وأخيراً منهم الرجل ومنهم المرأة والطفل. ليس أحد من كل هؤلاء يساوي الآخر. فكيف ينظر مثل هذا التشريع البورجوازي إلى جميع هؤلاء على أنهم متساوون إن لم يكن أعمى عمىً تاماً؟ وكيف للديموقراطية المزيفة البورجوازية تساوي بين جميع هؤلاء؟

الخداع البورجوازي كان أقل بكثير من أن يخدع كارل ماركس الذي رأى التشريع البورجوازي quot; الكل متساوون أمام القانون quot; هو تشريع كاذب ومغشوش طالما أن الناس أمام القانون ووراء القانون ليسوا متساوين على الإطلاق؛ واستنتج ماركس تبعاً لذلك وجوب تساوي الناس قبل التقدم للاحتكام لأي قانون ينطوي على مفهوم العدالة. وهكذا قام الإختلاف البيّن والصريح بين الديموقراطية البورجوازية الزائفة والديموقراطية البروليتارية الحقيقية. لقد شرّعت البورجوازية هذا القانون الكاذب بهدف شرعنة استغلالها للعمال والكادحين وتأبيد هذا الاستغلال طالما أنه يجيز للرأسمالي أن يسرق العامل فيشغّله ثمان ساعات ولا يعطيه إلا أجر ست ساعات فقط.
صبيحة انتفاضة أكتوبر 1917 دعا البلاشفة بقيادة لينين جميع الأحزاب البورجوازية للاشتراك في مجلس الدولة؛ اعتذرت سائر الأحزاب بما في ذلك حزب المناشفة باستثناء أكبر الأحزاب، حزب الإشتراكيين الثوريين، وهو الحزب الذي قامت انتفاضة البلاشفة لإسقاط حكومته برئاسة زعيمة كيرنسكي، واشترك بمجلس الوزراء برئاسة لينين بثلاث حقائب. ما يتوجب عدم تناسيه من قبل المشتغلين بالعمل السياسي ومنهم عامة الشيوعيين هو أن البلاشفة انتفضوا لإسقاط حكومة كيرنسكي ليس من أجل إقامة النظام الإشتراكي بل من أجل استكمال برنامج الثورة البورجوازية في شباط التي أسقطت القيصرية وأتت بحكومة كيرنسكي البورجوازية. وما يستوجب الذكر في هذا المقام أيضاً هو أن الأممية الثانية وقبل أن ينشق عليها حزب لينين كانت قد اتخذت قراراً في مؤتمرها العام في بازل 1912 يطلب من الإشتراكيين الروس القيام بالثورة البورجوازية وتطويرها حتى النهاية نظراً لضعف البورجوازية في روسيا القيصرية. في هذا السياق ترتب على حكومة لينين أن تأخذ بالديموقراطية البورجوازية التي، بعلم البلاشفة، تسمح للبورجوازية باستغلال الطبقة العاملة وهي التي حزبها يقود الثورة، الثورة البورجوازية، ثورة شباط 1917، وقد قامت بداية على إقامة السلم والانسحاب من الحرب ثم تنفيذ الإصلاح الزراعي وانتخاب الجمعية التشريعية لوضع دستور الجمهورية.
ما عطّل برنامج البلاشفة في استكمال الثورة البورجوازية هو أن حكومة لينين ما كان بإمكانها إقامة السلم والانسحاب من الحرب إلا بتوقيع معاهدة صلح (بريست لوتوفسك) جائرة مع الألمان في آذار 1918 خاصة وأن أحوال الجيوش الروسية في جبهات القتال كانت قد أصبحت في غاية الصعوبة، كما ترددت بعض الأنباء عن مفاوضات سرية بين ألمانيا وبريطانيا حول إقتسام الإمبراطورية القيصرية بين الدولتين. جميع القوى السياسية ومنها الإشتراكيون الثوريون بل وبعض أطراف حزب البلاشفة عارضت المعاهدة بشدة مما دفع بالاشتراكيين الثوريين إلى الانسحاب من الحكومة وانضوت بالتالي جميع الأحزاب في ثورة مسلحة مضادة فكانت الحرب الأهلية وحروب التدخل 1918 ـ 1921.
الثورة البورجوازية الثانية أكتوبر 1917 ـ مارس 1918 التي قادها البلاشفة بزعامة لينين أقامت الديموقراطية البورجوازية بكل مظاهرها البورجوازية. مختلف الأحزاب والجماعات السياسية أصدرت صحفها دون حسيب أو رقيب ومارست العمل السياسي بكل أشكاله بل إن الحريات التي سادت في تلك الفترة القصيرة كانت أوسع بكثير من الحريات التي سمحت بها الحكومة البورجوازية شباط ـ أكتوبر 1917.
في الحروب لا تسمع إلا لغة السلاح وسفك الدماء وتغيب نهائيا كل الحريات ومسوح الديموقراطية. في العام 1921 بعد انتصار البلاشفة الحاسم على جيوش التدخل والروس البيض وجد البلاشفة أنفسهم القوة السياسية الوحيدة على امتداد الإمبراطورية القيصرية القارية. لقد أصبح متعذراً استكمال الثورة البورجوازية بدون بورجوازيين بعد أن حكم هؤلاء على أنفسهم بالفناء. الشيوعيون البلاشفة غير قادرين على بناء نظام رأسمالي حتى وإن أرادوا. الذين حاربوا البلاشفة من مختلف صنوف الرجعية والبورجوازية هم الذين لم يتركوا خياراً أمام العمال والفلاحين الذين حموا الثورة ودافعوا عنها حتى النهاية سوى الخيار الإشتراكي. أثناء عملية بناء الرأسمالية يمكن تسويق الديموقراطية الليبرالية أما في العملية الإشتراكية فلا تقوم إلا الديموقراطية الإشتراكية أو ديموقراطية دولة البروليتاريا الدكتاتورية.

يرى العامة تناقضاً صارخاً في القول، ديموقراطية دكتاتورية البروليتاريا. ننبه هنا أن دكتاتورية البروليتاريا موجهة فقط لإعلاء منسوب الديموقراطية وتوفير كل الأدوات التي تسمح للبروليتاريا بمنازلة الطبقات الأخرى منازلة عادلة، لكل أرضه ومن كل سلاحه، بعكس ما كان سائداً في ظل الديموقراطية البورجوازية حين لم تتوفر للبروليتاريا الأسلحة المكافئة للمقاومة. أدوات الإنتاج البروليتاري أكثر كفاءة بالطبع من أدوات إنتاج كل الطبقات الأخرى. في النظام الرأسمالي كان الرأسماليون يصادرون أدوات الإنتاج التي تعمل بها البروليتاريا بتعسف صارخ أما في ظل دكتاتورية البروليتاريا فالأدوات ملك البروليتاريا ويشغلونها في إنتاج جمعي يشارك فيه كل المجتمع (Associated Production). مثل هذا النمط من الإنتاج الذي ينتج بكميات كبيرة (Mass Production) لا يغالبه أي نمط آخر من الإنتاج. وعليه تكون البروليتاريا مؤهلة لإلغاء كل الأنماط الأخرى من الإنتاج ومحو الطبقات المعتاشة بها من المجتمع وذلك لخير ورفاه العامة دون تمييز. ديموقراطية دكتاتورية البروليتاريا تجهد لأن تحرر الإنسان من قيد الإنتاج الثقيل الذي رسفت فيه الإنسانية منذ بدء التاريخ، هذا القيد الذي يترك الناس بلا خبز إن لم يرسفوا فيه، حتى الرأسماليين الذين يتاجرون بقوى العمل فإنهم مقيدون في قيد الإنتاج رغم أن القيد من صناعتهم. ديموقراطية دكتاتورية البروليتاريا تنحو لأن تتكفل بكافة حقوق الناس في الحياة دون مقابل وبغض النظر عما ينتجون وعما يقدمون للمجتمع.

أما الديموقراطية البورجوازية الليبرالية فإنها تقوم أساساً على تأبيد استغلال الإنسان لأخيه الإنسان. يستنزف الرأسماليون دماء العمال ومع ذلك يدعونهم إلى انتخابهم كل أربع سنوات. هل سجل التاريخ مرة واحدة أن النظام الرأسمالي انقلب إلى النظام الاشتراكي بفعل الإنتخابات العامة؟ العبد لا ينتخب أبداً إلا من يطعمه وهو السيد. الديموقراطية البورجوازية تبيح للفقراء أن يقولوا ما يشاءون وأن يعتقدوا فيما يشاءون طالما أنهم يقبلون أن يبيعوا أنفسهم لصاحب العمل بثمن بخس. ما ضرر قولهم وفكرهم حينذاك؟
أي مقارنة بين الديموقراطية البورجوازية من جهة والديموقراطية البروليتارية من جهة أخرى تقتضينا أن نتساءل.. ماذا لو سلم البلاشفة السلطة في روسيا إلى البورجوازية بأحزابها المختلفة في أذار 1918 وعلى رأسها حزب الإشتراكيين الثوريين، وهي الأحزاب التي رفضت معاهدة صلح بريست لوتوفسك، ووفروا على روسيا الحرب الأهلية وحروب التدخل؟ هل كانت البورجوازية الروسية ستضمن السيادة الروسية على كامل أراضي روسيا وجمهوريات الإتحاد الأخرى الخمس عشرة؟ كانت الجيوش الروسية في الجبهات منهكة تماماً يهدها الجوع ويهرب أفرادها عائدين إلى بيوتهم. كان يرجح في مثل تلك الظروف أن تحتل ألمانيا شمال روسيا حتى شواطئ البحر الأسود وتحتل بريطانيا بالمقابل القوقاز وجمهوريات آسيا الوسطى خصوصاً وأن الحديث كان قد جرى عن مثل هذا التقسيم. وفي حالة كهذه كانت روسيا ستتحول إلى مستعمرة ألمانية وأخرى انجليزية ولن تتطور إقتصاداتها إذّاك إلا في نمط الإقتصاد الطرفي التابع. وإذا كان علينا أن نتصور مسار التاريخ انطلاقاً من مثل هذا التصوّر المحتمل فسوف يتحتم علينا أن نعترف إذّاك بأن مرحلة الإمبريالية كانت سوف لن تنتهي في بداية الربع الرابع من القرن العشرين ولعلها كانت ستغطي قرناً آخر. لن تكون هناك حركة تحرر وطني تستند إلى دولة إشتراكية عظمى. لن ينهض الإتحاد السوفياتي نهضة جبارة مكنته من سحق النازية المجهزة بكل موارد القارة الأوروبية المادية والبشرية. لو استطاعت البورجوازية الروسية من استعادة السلطة من أيدي البلاشفة عام 1919 لكانت الشعوب السوفيتية قد اصطفت في طوابير طويلة لتناول الحساء الفقير مثلما جرى في الولايات المتحدة وفي أوروبا الغربية في ثلاثينيات القرن الماضي في الوقت الذي كانت ترغد في خيرات وفيرة كما شهد على ذلك في العام 1933 الكاتبان البريطانيان الشهيران برنارد شو وهربرت جورج ويلز كما الصحافة الأميركية بمجملها في العام 1936.
من المفيد أن نؤكد مرة أخرى قبل أن ننهي على أن الديموقراطية هي توفير الفضاء الأرحب لاضطرام الصراع الطبقي الذي هو محرك التاريخ. كلما احتدم الصراع الطبقي كلما تسارع التاريخ ناقلاً الإنسانية إلى مراحل حضارية متقدمة. تتصارع وسائل الإنتاج المختلفة ولا تسود (prevail) بالتالي إلا الوسيلة الفضلى والأكثر كفاءة في تلبية حاجات الشعب المتزايدة. بمثل هذا تتوظف ديموقراطية البروليتاريا. أما الديموقراطية البورجوازية فلا تعمل إلا في الحد من احتدام الصراع الطبقي مما يشد ركب تقدم الإنسانية إلى الخلف وتحافظ كلما اقتضى الأمر على سلامة دورة الإنتاج الرأسمالي وتسهيلها من خلال تأمين فائض القيمة للرأسماليين، أي سرقة العمال. مع ذلك تدّعي البورجوازية أنها توفر فضاء رحباً من الديموقراطية للعمال. الصحيح أنها توفر فضاء محدوداً فقط وذلك ليس تسامحاً وكرم أخلاق منها بل لأن العمال هم مادة تجارتها ولا بد أن تراعي أحوالهم بما يخدم تجارتها.
الديموقراطية البروليتارية التي تجذّرت في الأراضي السوفياتية سمحت لمأفون مثل بوريس يلتسن ووراءه بضع مئات من الشباب المخدوعين بقشور الحضارة الغربية أن يطيحوا بأقوى وأعظم دولة في العالم. رب من يعترض بالقول أن تلك الدولة القوية العظمى لم تجد من يدافع عنها؛ لكن ذلك يزكي ديموقراطيتها مرة أخرى حيث أن دولة الديموقراطية البورجوازية تستأجر منظمة إجرامية في إدارة الشرطة تحفظ أمن دولة العصابة المجرمة كما حال العديد من الدول العربية بشكل خاص. كما يجب ألا نسقط من اعتبارنا في هذا السياق أن دولة خروتشوف وخلفائه لم تكن دولة البروليتاريا إلا أن تقاليد الديموقراطية البروليتارية التي سادت لأكثر من ثلاثة عقود لم تكن لتسمح لعصابات المرتدين أن يقيموا أمن العصابات المأجورة فسقطت دولة بحجم الإتحاد السوفياتي في مواجهة مظاهرة صغيرة غير مسلحة.
جيش عرمرم من الإعلاميين المأجورين للإمبريالية قام بحملة صليبية على النظام السوفياتي ما تزال محتدمة حتى اليوم بدعاوى غياب الديموقراطية. من المؤسف أن هذه الحملة المأجورة نجحت في تضليل قطاعات واسعة من الشيوعيين الذين يتهمون ستالين اليوم بعد سبعين عاماً بقتل ملايين المواطنين السوفييت. بوسعنا أن نؤكد لكل المأجورين والمضللين أن ما من قرار كان يتخذ من قبل الدولة السوفياتية على مختلف المستويات دون أن يخضع للمناقشة والتصويت من قبل المعنيين. حتى القرارات الحربية التي لا يجوز أن تخضع للتصويت كما هو معروف في عالم العسكر والحروب خضعت للمناقشة والتصويت من قبل كوادر الجيش المسؤولة خلال العام الأول للحرب الوطنية 1941 ـ 1942 ولم يتوقف ذلك قبل ثلاث إنذارات من قبل القيادة العامة تهدد بإنزال أقسى العقوبات بمن يمارس التصويت على قرارات القيادة الحربية. هكذا كان حال القرارات الحربية فما بالك بالقرارات المدنية؟

وبوسعنا أن نؤكد أيضاً أن ستالين لم يوقع على أي من أحكام الإعدام الصادرة من قبل محاكم مختصة نظرت في الدعاوى بصورة علنية وبحضور وكالات الأنباء الغربية. كان رئيس الوزراء هو من يصادق نهائياً على أحكام الإعدام وستالين كان في طيلة ثلاثينيات القرن الماضي أميناً عاماً للحزب وليس رئيساً للوزراء.
ما كان ممنوعاً حقاً في المجتمع السوفياتي هو الدعوة إلى استبدال النظام الإشتراكي بالنظام الرأسمالي. إننا نعذر السلطات السوفياتية باعتبار الذين يتبنون مثل هذه الدعوة مجانين يودعون في المارستانات وليس في السجون. لكن بالمقابل لنر دولة الديموقراطية البورجوازية في أميركا وبريطانيا وألمانيا ما كانت تعمله بالشيوعيين الذين يدعون إلى استبدال النظام الرأسمالي بالإشتراكية. منع الشيوعيون من العمل في تلك الدول وكان يقضى عليهم وعلى عائلاتهم بالجوع وبالمرض، في حين كانت الدولة السوفياتية تتكفل بحياة أفراد أسر المعادين للنظام

يرجى إرسال جميع المقالات الخاصة بآراء إلى البريد الجديد: [email protected]