سعودية و العراق... مدافع الطائفيين الجدد... حقيقة الدور السعودي ؟
ثمة دعوات غريبة و تحركات أغرب تقوم بها بعض الجماعات الطائفية/ السياسية في العراق و التي تدعو علنا للقيام بحملات شعبية و إطلاق تظاهرات معادية ضد السفارات السعودية في العالم تحت حجة و ذريعة التنديد بالدور الإرهابي للحكومة السعودية في العراق؟؟! و هو إتهام فضلا عن كونه ظالم فهو مضحك و يثير من عوامل التندر أكثر بكثير من عوامل الجدية؟ فالأطراف التي تقف خلف ترويج تلك الإتهامات هي أطراف طائفية معروفة بعلاقاتها الوثيقة مع النظام الإيراني، و عملية توزيع الإتهامات و ترويجها هي عملية سهلة و لا تحتاج لعناء كبير في ظل الفوضى الكبيرة القائمة في العراق و عمليات الإختراق الأمنية التي شلت كل مفاصل الدولة العراقية التائهة في فوضى الصراعات الطائفية و العدمية و التي جعلت من العراق مقبرة كبيرة تلتهم الإرواح لتحيله لبلد طارد لسكانه؟ خصوصا و أن النظام الإيراني و اللوبي العراقي الذي يعمل معه و يسهل طروحاته و يثير المخاوف في العراق يعمل جاهدا على تخريب أي إنفتاح عربي حقيقي على العراق و بما من شأنه أن يعيد التوازن للسياسة العراقية التي غرقت في مستنقع الطائفية النتنة و ينطبق هذا التوصيف على مختلف الفرقاء في العراق من السنة أو الشيعة، فمن المعروف إن عملية إسقاط النظام العراقي البائد في ربيع 2003 لم تكن عملية عراقية داخلية محضة بل قامت بجهد دولي و أميركي على وجه التحديد و بما أثار مخاوف إقليمية واسعة من أجندة أميركية كبيرة لتغيير الأنظمة في العالم العربي و قد كان الهدف الأولي يسير فعلا بذلك الإتجاه كما كانت تبدو إتجاهات الرياح قبل أن تسير الأمور نحو نهايات مختلفة، و ليس سرا أيضا أن غالبية الأنظمة العربية قد وقفت علنا ضد الجهود الأميركية للإطاحة بالنظام العراقي البائد رغم تقديم الكثير من تلك الدول مساعدات لوجستية مهمة في السر للجانب الأميركي لتسهيل عملية إزاحة نظام البعث البائد، و لعل دولة الكويت كانت هي الدولة العربية الوحيدة التي أعلنت رسميا إلتزامها و دعمها الواضح و الصريح لإسقاط النظام البائد مما جر عليها غضب الجماعات الثورية و الأحزاب المعروفة إياها، و الموقف الكويتي كانت له مبرراته و ضروراته الستراتيجية المحضة و التي إستفادت منه أيضا دول و أطراف كانت تدين الإحتلال الأميركي في العلن و لكنها تتعامل معه وديا و تكتيكيا في السر في إزدواجية نفاق عربية معروفة، المملكة العربية السعودية لم تكن يوما ما من محبي أو عاشقي نظام البعث البائد؟ بل العكس هو الصحيح تماما فسجل العلاقات السعودية مع نظام البعث لا يحفل سوى بمواقف عدائية من النظام الذي كان قائما في العراق و يرفع شعار الإنقلابية في العالم العربي و يستضيف المعارضين للحكومة السعودية بل أن القيادة القومية للبعث العراقي كانت تضم قياديين سعوديين من أمثال الرفيق ( علي غنام ) و كان الخطاب الداخلي للتنظيم البعثي العراقي يرى في السعودية كيان رجعي و عميل ينبغي إستئصاله بشتى الطرق الممكنة رغم أن التحالفات التكتيكية منذ قيام الحرب العراقية / الإيرانية عام 1980 قد فرضت صورا و أنماط جديدة للعلاقات بين البلدين كانت تقتضيها ظروف و صراعات و شعارات المرحلة، فما أن وضعت الحرب العراقية/ الإيرانية أوزارها في صيف عام 1988 حتى تحركت سياسة البعث العراقي نحو توجهات أخرى كان عمادها محاولة محاصرة السعودية بحلف عربي محوري آخر كان نظام صدام يشتغل عليه من أجل صياغة سياسة مستقبلية تكون معادية للسياسة السعودية فكان قيام ما كان يسمى بمجلس التعاون العربي الذي ضم العراق و الأردن و مصر و اليمن في عام 1989 و الذي كان هدف النظام العراقي منه هو محاصرة السعودية و دول الخليج مستغفلا الدبلوماسية المصرية التي كانت خارجة لتوها من مقاطعة عربية طويلة إمتدت منذ عام 1978 على أثر إتفاقيات و معاهدة ( كامب ديفيد)!! و قرارات مؤتمر بغداد الشهيرة في ذلك العام، و لكن المصريون كانوا أذكى كثيرا من أن يتم إستغفالهم فكشفوا اللعبة و إنتهى ذلك الحلف و مجلسه التعاوني عشية غزو الكويت و الذي سبق أن مهد نظام صدام الأرضية له بعقد إتفاقية و معاهدة حسن جوار و عدم إعتداء مع السعودية لم تكن لها أي أهداف أو ضرورة واضحة وقتها و أتضح فيما بعد أنها كانت خطوة تكتيكية لضم و إبتلاع الكعكة الكويتية الثمينة و الشهية!! فكانت محاولة فاشلة و مأساوية لم تتردد خلالها السعودية بالتصدي للنظام العراقي و إفهامه بأن أمن الخليج العربي و حرية و سيادة كل دول المنطقة هي من أهم أولويات السياسة السعودية التي ترسخت و نمت منذ محاولات نظام جمال عبد الناصر التشويش على النظام السعودي من البوابة الجنوبية أي اليمن و هي محاولات إنتهت نهاية مأساوية بهزيمة الخامس من حزيران 1967 و إنسحاب الجيوش المصرية من هناك؟ إذن فإن نظام صدام و البعث لم يكن من صنف الأنظمة المحبوبة للسعودية و لا يمكن الحديث عن أي نبرة أسف سعودية لسقوط ذلك النظام الذي لم يكن يثير إعجاب أي أحد بقدر إثارته للمخاوف و المشاكل و الأزمات التي لا تنتهي، وقد فوجئت السعودية كما فوجيء العراقيون بموجات التيارات السلفية المقاتلة وهي توزع الفتاوي و تتسلل للعراق لمقاتلة الأميركان و القوات الحليفة هناك، فتلك الجماعات رغم خروج بعضها من رحم النظام الديني و المذهبي السعودي إلا أنها لا تحمل أي تغطية أو دعم رسمي من الحكومة السعودية التي أضحت و منذ ما قبل الحرب في العراق هي الهدف المفضل للضرب من تلكم الجماعات كما حصل من أعمال إرهابية عديدة في العديد من المدن السعودية كالخبر و الدمام و الرياض و جدة و حتى مكة المكرمة ذاتها، فالجماعات السلفية المقاتلة قد بدأت حربها في السعودية قبل أن تنتقل لدعم القاعدة في العراق و المشاركة الواسعة في الحرب الأهلية هناك، و تلك الجماعات ما زالت الحكومة و الأجهزة الأمنية في السعودية مشتبكة في حالة حرب حقيقية معها و لا يمكن بالتالي للنظام السعودي أن يقدم أي مساعدات أو دعم لوجستي رسمي لها بأي شكل من الأشكال، فهي إذا كانت تحمل بصمات الهوية المذهبية للسعودية إلا أنها في نفس الوقت تدعو علنا لإسقاط النظام السعودي لتكون العدو الرسمي و الرئيسي و الأساس للنظام في المملكة العربية السعودية الذي لم يعد يخفي أبدا توجهاته الإنفتاحية في بناء الدولة و المجتمع وهي محاولات دؤوبة و مستمرة منذ أيام الملك المؤسس الراحل عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود الذي قلم أظافر تلك الجماعات المتمردة و المتطرفة في معركة السبلة المعروفة ضد جيش الإخوان النجديين أي جماعة فيصل الدويش و بن حثلين وهم النسخة القديمة لتنظيم القاعدة عام 1930!!؟ فكيف يدعم السعوديون في العراق الجماعات التي تدعو علنا لإسقاطهم؟.
و من العجيب أن بعض الجماعات الطائفية العراقية وهي تدعو للتظاهر تنديدا بالدور السعودي تتناسى و تتعامى تماما عن الدور البشع للنظام الإيراني في التخريب و الإغتيال و تصدير نموذج نظام الملالي الإيراني المتخلف للعراق عبر دعم الجماعات الطفيلية و الطائفية لإقامة دولة الولي الفقيه في العراق واقعيا من خلال المشاريع الفيدرالية الطائفية المشبوهة الخالية من التصنيفات الوطنية الجامعة و المتعالية على الطروحات و الأفكار الطائفية التقسيمية النتنة، كما تتناسى و بخبث كبير دور النظام السوري المعروف و المعلن!!! إنها لعبة إقليمية كبرى إنجرت إليها بعض القوى الطائفية في العراق و بهدف خلق صراعات طائفية تعيق عملية الإنفتاح العربي المتبادل على العراق لإنتشاله من وهدة الصراعات الطائفية المريضة التي تهدد بتمزيقه بالكامل، فالسعودية ودول الخليج الأخرى لا يمكن أن تكون سكينا في الخاصرة العراقية بل العكس هو الصحيح تماما، فالأمن القومي للملكة العربية السعودية يقوم أساسا على قيام كيان عراقي قوي و صحي من أجل تثبيت و ضمان ألأمن و السلام و التنمية في المنطقة، ثم أن السعودية و بعيدا عن أية متبنيات أخرى لا تؤمن أساسا بسياسة المحاور و التآمر و زرع الأحقاد الطائفية و التي ستعاني منها السعودية أشد المعاناة، فالحرب السعودية ضد الإرهاب الأعمى لم تزل قائمة و بشدة حالية و أمن العراق يعني أساسا أمن المملكة العربية السعودية و أمن دول الخليج العربي الأخرى، و لعل مبادرة الحكومة السعودية الأخيرة بالبحث في قضية فتح السفارة السعودية في بغداد الرد الحاسم و البليغ على كل الأصوات الطائفية النشاز التي تختلق الروايات الوهمية و المريضة حول الدور السعودي، و هو دور إقليمي بناء و يعبر عن سياسة الحياة لا عن سياسة الموت، فالسعودية التي تعيش عصر التحولات الكبرى في التنمية و البناء لا يمكن أن تكون ممرا و لا مستقرا لتيارات الموت و الظلام و التخلف.
[email protected]
يرجى إرسال جميع المقالات الخاصة بآراء إلى البريد الجديد: [email protected]
التعليقات