كلمات سوف تمضي في طريقها، وبقايا ألم سوف يلتئم مع الأيام.. إحساس بالاحباط تحاول أن تتجنبه، وحالة من الخيبة تسعى أن تخفيها، ووهن في التفكير تطمح أن تتغلب عليه.
ذاكرة مليئة بالأحداث تبعثرها كلمة خبيثة تنطلق من فم أحدهم دون أدنى احساس بحجم الانفجار الذي ستحدثه داخل كيانك.. ايميل جارح أورسالة تعسفيه تتلقاها دون ذنب.. تشعر حينها ببعض الاسوداد.. وبعض القتامة.. انهم المتصيدون في كل وقت وزمان تجدهم.. يعشقون الاختفاء خلف الستائر وارتداء الاقنعة.. ولا يقوون أبدا على المواجهة أو التعبير عن آرائهم بصرحة.. يخافون أن يقولون بوجهك نحن نختلف معك.. لا يقوون على التعبير عن آارئهم.. بل تجدهم احيانا يبادلونك الابتسام وبعض الانسجام.. نعم ينسجمون أحيانا معك في حديثك ورؤياك.. لكنهم يتألمون داخليا لأنك تقوى على مالا يقوون عليه.. أنت تمتلك رأيا.. وهم يملكون أقنعه.. أنت تؤمن بما تقول.. وهم يؤمنون بنغزات الشيطان الذي يوسوس لهم.. أنت تستمتع بشمس الحقيقة وهم يختبؤون خلف الستائر.. انهم مساكين لا يعرفون معني الحرية.. وقيمة الرأي.. وحلاوة الاعتذار اذا جانب الصواب.. وتصحيح رأيك اذا شعرت أنك حدت عن جادة الصواب.. فآراؤنا ليست مقدسات ندافع عنها... انها قناعات نغيرها بالحوار والتفاهم.. وندكها عند حجر الحقيقة.
في مبدأ القناعات لم يخطئ وزير الاعلام عبدالله المحيلبي بقراره اغلاق المكاتب الاعلامية (من وجهة نظره طبعا).. هذا حقه.. ولكن عليه أن يقنعنا.. وحقنا أن نعترض على قراراته المفاجئة.. وحقنا أن نرفض أن يخالف القول العمل.. فهو قال أنه سيصلح الاعلام الخارجي ويرسل الافضل.. قاله للعاملين في قطاع الاعلام الخارجي.. ولاعضاء مجلس الأمة.. وللصحفيين.. وللمواطنيين عبر تصريحاته.. لكنه فعل عكس ما قال.. باغتنا جميعا بقرار اغلاق المكاتب الاعلامية دون توضيح.. كان يفترض به في قرار بهذا الحجم أن يتأنى.. وأن يمهد له.. لا أن يكون قرار اتخذ بليل.. هنا معرض الاعتراض.
أعلم تماما أن عبدالله المحيلبي قبل أن يكون وزير إعلام هو مواطن كويتي أصيل.. يهتم جدا بمصلحة الوطن (لا خلاف في ذلك) له رؤيته الخاصة.. وقد تكون له أسبابه في اتخاذ هذا القرار.. وهو بلا شك أيضا من أخلق الوزراء.. واكثرهم أدبا.. وتهذيبا.. وتواضعا.. لكنه قد يكون وُضع أو وَضع نفسه في مأزق كان الأجدر به أن يمهد له.. وأن يبدأ به تدريجيا.. وأن لا يكون الأمر بمثابة مباغته.
هناك فرق بالتأكيد بين الشخصية السياسية والشخصية الانسانية.. وقديما علمونا أن لا عواطف في السياسة.. لذلك لم يتمكن عبدالله المحيلبي وهو يذهب الى مكتبه في وزارة الاعلام كل يوم أن يصطحب معه عبدالله المحيلبي المواطن.. البسيط.. الانسان.. المتفاهم.. الذي يميل إلى الهدوء.. ولا يهتم بالأضواء.. ولا يعشق الضوضاء.. ولا يحب المشاجرات والمعارك، مثلما يصفه أحد أصدقاء طفولته، الذي قال كان المحيلبي من أهدئ وأبسط المجموعة.
في ظل هذه القناعة فإنني أختلف مع عبدالله المحيلبي الوزير.. واحترم المحيلبي المواطن.
إن قرار اغلاق المكاتب الاعلامية الكويتية في الخارج ليست بالقضية الشائكة.. ولا أنكر أبدا أنني كتبت وقلت كثيرا أنها تحتاج الى اصلاح وتعديل أوضاع.. وكنت أظن أن الوزير المحيلبي سيتجه الى تحقيق العدالة والتوازن في وضع هذه المكاتب.. لكنه فاجأنا جميعا بقرار الغاء المكاتب دون ايضاحات أو تبريرات.. ثم اختفى عن الانظار في اجازة خاصة.. كان يجب أن ينظر المحيلبي الوزير نظرة انسانية الى أوضاع المكاتب الاعلامية قبل النظرة السياسية.. كان يجب أن يتمهل في هذه ايضا أسوة بسياسة التمهل في الانجاز التي يتبعها المحيلبي في كافة قطاعات وزارته، لا أفهم من غرر بالمحيلبي ليتخذ هذا القرار !!
دعوني أصارحكم أكثر.
بعد التشكيل الوزاري الأخير الذي أصبح بمقتضاه المحيلبي وزيرا للإعلام.. كنت من أشد المتحمسين له.. كنت أرى أنه سيحقق المعادلة الصعبة التي عجز عن تحقيقها عدة وزراء مهنيين منذ أن ترك الشيخ سعود الصباح فراغا كبيرا في وزارة الاعلام، بدءا بيوسف السميط ثم د.سعد بن طفلة ثم محمد ابوالحسن ثم د.أنس الرشيد ثم السنعوسي.. (متخطيا فترة الشيخ أحمد الفهد، والتي تحمل ملامح خاصة وجاءت في توقيت مختلف) وهؤلاء جميعا لهم شأن وباع ومخضرمين في العمل الاعلامي عدى ابوالحسن الذي أيضا من خلال عمله في أمريكا وأوربا لاكثر من عشرين عاما كسفير كان على اطلاع وتواصل بالعمل الاعلامي.. جميع هؤلاء الاعلاميين لم يستطيعوا أن يحققوا المعادلة الصعبة للاستمرار في عملهم كوزراء اعلام.. وسقطوا اما لصراعات مهنية داخل الوزارة او صراعات مع بعض الصحف او خلافات مع أعضاء مجلس الأمة أو حتى لخلافات ومواقف سياسية ضد اتجاهات الحكومة.
وجاء المحيلبي من البلدية الى الاعلام.. لا أنكر فقد كان قرارا جريئا وغريبا.. لكنه استقبل من الاوساط الاعلامية والصحفية بالترحاب الشديد، خاصة بعدما وجدوا في الوزير تواضعا وتفهما وسهولة في التعامل لم تكن موجودة فيمن سبقوه.
ولكن.. يظهر أن المحيلبي كان مقدرا له أن يقع في فخ التصيد وتعكير الصفو.. وجاء اعلان الأهرام الذي تعامل معه في بداية الأمر بشفافية عالية ومهنية مميزة.. وكادت أن تمر الأزمة ويسلم منها الوزير خاصة بعد أن أحال الموضوع الى النيابة.. ولكن يبدوا أن هناك من لم يعجبهم الأمر.. فأوجدوا للوزير شركا آخرا قابل للانفجار متمثل بالاعلام الخارجي والمكاتب الاعلامية.. واسرار هذا القطاع الحساس للغاية، ليس في الكويت فحسب بل في كافة المكاتب الإعلامية في الخارج.
لن أمسك العصا من النص.. وانتقد قرارات الوزير أحيانا وأدافع عنها أحيانا أخرى.. ولن اتراجع عما كتبته سابقا بمسؤولية الوزير اتجاه قرار اغلاق المكاتب الاعلامية.. لكنه كان يفترض به أن يوضح اسباب قراره.. وأن يضع خطة بديلة لعمل الاعلام الخارجي.. وأن يبحث في اوضاع المكاتب الاعلامية والعاملين فيها ومصيرهم ومصير ابنائهم ومصير الصحفيين والاعلاميين الذين تتعامل معهم تلك المكاتب.
لن أغرس خنجرا آخر في خاصرة المحيلبي يكفيه ما فيه.. ولن أغسل يديه ورجليه وهو يتوضئ ليصلي صلاة الاستخارة في شأن المكاتب الإعلامية يغلقها أم يتركها أم يحولها إلى ملحقيات تابعة للخارجية.
لا أعرف كيف أتعامل مع عبدالله المحيلبي الوزير.. والمواطن ؟!
اللهم أعنا.. ودمتم سالمين.