غرباء داخل وطنهم وخارجة ايضا
هكذا حال المصريون اليوم

كانت مصر عبر تاريخها الطويل دولة تجذب اليها ابناء الشعوب الاخرى من كل مكان سواء للعمل او الاقامة الدائمة او اللجوء والاحتماء بها.وقبل قيام ثورة يوليو فى عام 1952 كان يعيش فى القاهرة والاسكنرية وبورسعيد مئات الالوف من الايطاليين واليونانيين والانجليز والفرنسيين وجنسيات اخرى لان مستوى المعيشة فى مصر كان مرتفعا وامكانيات العمل كانت متاحة امام الجميع بوفرة.بالاضافة الى ان مصر كانت ترحب بالوافدين اليها من الدول العربية او الاجنبية وتغدق عليهم من خيراتها وتمنحهم الامن والامان والمعاملة الكريمة الطيبة.
وحتى قبل قيام الثورة لم يكن يعرف المصريين الهجرة خارج وطنهم لتعلقهم الشديد بارض وطنهم.وكانت الغالبية العظمى من المصريين الذين كانوا يسافرون الى الخارج كان هدفهم فقط التعليم والدراسة فى الجامعات الاوروبية والتعرف عن كثب على الحضارة الغربية.
ولكن بعد سيطرة الضباط على الحكم وانهيار الديمقراطية ومصادرة الحريات وانتشار الشللية والمحسوبية والفساد فى مصر تبدل الحال ولم يعد احدا يشعر بالامن او الامان فعاد ابناء الدول الاجنبية الى بلادهم وهاجر من استطاع الهجرة من المصريين الى الولايات المتحدة وكندا واوروبا واستراليا هربا من النظام الديكتاتورى وايضا بحثا عن حياة افضل.
ونتيجة للمعاملة الظالمة الغير انسانية التى كان ولا يزال يعامل بها المواطن المصرى من قبل حكامة بدأ لاول مرة عبر تاريخة الطويل يفقد انتمائة وارتباطة العاطفى الفطرى وتعلقة الشديد بارض وطنة... وصار الحلم الاعظم عند ملايين المصريين وبصفة خاصة الشباب اليوم هو الهجرة او السفر الى اى مكان فى الخارج بعد ان كان مجرد ترك بيت الاسرة فى القاهرة والذهاب للاقامة والعمل فى مدينة اخرى لا تبعد عنها سوى مائة او مائتين كيلومتر امرا شبة مستحيل ومرفوض تماما!
لقد كانت اكبر اخطاء الانظمة الحاكمة فى مصر منذ قيام الثورة وحتى هذة اللحظات التى اكتب فيها هذة الكلمات هو جعل المصريين او الغالبية العظمى منهم يشعرون بالغربة داخل وطنهم.. جعلهم يفقدون الانتماء لارضهم المقدسة.. وجعلهم يرون الحل الوحيد لمشاكلهم ومعاناتهم او تحقيق احلامهم ليس فى العمل والاجتهاد داخل مصر وانما فى السفر الى دول الخليج او الهجرة بصفة دائمة الى استراليا او امريكا او كندا.ويعتقد انة يوجد حاليا من ابناء مصر فى الخارج ما يقرب من خمسة الى ستة ملايين غالبيتهم يعملون بالدول العربية واسرائيل وبقيتهم يقيمون بصفة دائمة فى بلاد المهجر والدول الاوروبية... واعتقد انة لو اتيحت الفرصة امام بقية المصريين لتركوا مصر بلا تردد للفئة الضئيلة المحظوظة التى اصبحت تملك وتتحكم فى كل شىء على ارض المحروسة.
وهكذا اصبح حال الغالبية العظمى من المصريين اليوم غرباء داخل وطنهم نتيجة لعدم توفر فرص العمل الكافية وتدهور ظروف المعيشة بالاضافة الى كبت الحريات وغياب الديمقراطية والتميز الصارخ ضد فئة لصالح فئة اخرى والعنصرية والفساد والظلم.. .وغرباء فى بلاد العرب والدول الغربية..
ولكن فى بلاد الغربة - كما هو الحال على ارض مصر - يظل المصريون غرباء ايضا لبعادهم عن الاهل والاصدقاء ونتيجة احساسهم الطبيعى بالحنين الى الوطن مثل بقية خلق اللة حتى لو كان القائمين على هذا الوطن مستبدين وظالمين وغير عادلين.. .ومن ثم لا يجد غالبيتهم الاستقرار اوالراحة التى ينشدونها حتى لو سافروا او هاجروا الى الخارج وحسوا كثيرا من مستوى معيشتهم واحوالهم المادية!!
لا شك انها معادلة صعبة للغاية.. لا تحل بالاغانى والاناشيد الوطنية والشعارات الجوفاء اياها وانما تحل عن طريق احترام حقوق الانسان المصرى من قبل المسئولين عن نظام الحكم واحترام ادميتة والقضاء على الفقر وتوفير فرص العمل للعاطلين وتحسين ظروف المعيشة والقضاء على الفساد والمحسوبية ومحاربة كل انواع التميز...


استراليا
[email protected]