الزيارة المهمة لوزير خارجية فرنسا للعاصمة الاتحادية بغداد ولقاءاته الحميمة مع القيادات العراقية والكوردستانية، خاصة الرئيسين الطالباني والبارزاني، تشكل انفتاحا جديدا للحكومة الجديدة في باريس وانعطافا كبيرا تجاه المسار الصحيح لدور فرنسا الحيوي على الساحة الدولية، خاصة على الصعيدين العراق ومنطقة الشرق الأوسط، باعتباره إحدى الدول الكبرى وهو العضو الدائم في مجلس الأمن الدولي، ولأهمية هذه الزيارة تشكل بادرة تاريخية لإرساء تعاون وتواصل وتفاهم مشترك بين دولة الرئيس ساركوزي والدولة العراقية في عهدها الجديد بعد سقوط صنم الطغيان والاستبداد، ودخول العراق في مرحلة دستورية تعددية برلمانية فيدرالية ديمقراطية لضمان انتقال السلطة بأساليب شرعية منتخبة من العراقيين.
ولا شك ان التحول الجديد للسياسة الفرنسية لم يأتي من فراغ، بل جاء بعد أن أحس الفرنسيون بخطأ السياسية التي اتبعها الرئيس جاك شيراك في عهد الحكومات السابقة وما ترتب عليها من مضاعفات سلبية وجدت نفسها من خلال ابتعاد فرنسا عن الساحتين الدولية و الشرق الأوسطية، فوضعوا ثقتهم في رئيسهم الجديد ساركوزي الذي أعاد المسار الفرنسي الى طريقه الصحيح من خلال توجهات فرنسية جديدة تقترب من السياسة والأمريكية والبريطانية لصالح الوضع العراقي ولصالح الوضع العام في المنطقة، ولهذا يأتي باب الحوار بين القيادتين العراقية والكوردستانية ووزير الخارجية في بغداد من باب حرص الطرفين لإقامة أفضل العلاقات لمعالجة بين البلدين والمساهمة الفعالة في إيجاد معالجات سياسية للقضايا المتعلقة بالجانب الأمني في العراق.
ومن تحليل التصريحات والتأكيدات التي صرح بهما الرئيس العراقي جلال طالباني والوزير الفرنسي برنار كوشنر في المؤتمر الصحفي في بغداد يتبين أن مرحلة جديدة بدأت تأخذ مجراها بين العهد الجديد في فرنسا والعراق الاتحادي حسب ما جاء في التقارير الصحفية، فالرئيس العراقي أكد quot;أننا سنبذل كل الجهود من اجل توضيح الصورة، وسنستفيد من الزيارة لبيان مواقفنا و شرح سياساتنا و رغبتنا في تعزيز العلاقات مع فرنسا على جميع الأصعدةquot;، واصفا الزيارة بأنها rdquo;الفرصة التاريخيةrdquo;، وquot;أنها تكتسب أهمية كبيرةquot;.
فيما أعرب وزير الخارجية الفرنسي عن تفاؤل كبير قائلا ldquo; أؤكد اليوم من هنا على استعدادنا لاستمرار هذه العلاقات القائمة بيننا و مع كل المجموعات العراقيةquot;، مؤكدا quot;أن العراق بلد عظيم و تربطنا معه علاقات تاريخية منذ أمد طويل، و لا يمكننا أن نهتم بالمنطقة دون أن نهتم بالعراقquot;، موضحا ldquo;ان بلاده لم تكن متفقة تماماً مع بعض الدول و خصوصاً بعد الذي حصل في عام 2003 و قد عبرنا عن رأينا في الموضوع، ولكن كل هذا أصبح من الماضي و يجب أن ننظر إلى المستقبلrdquo;، مع تأكيده على أن ldquo;الحل هو أن نستمع إلى العراقيين، و لا يمكن أن يكون الحل إلا عراقياrdquo;،ً وأن ldquo;يكون عبر مشاركة أكبر للأمم المتحدةrdquo;، ومشددا في عين الوقت quot;على أهمية الحفاظ على وحدة العراق و سيادته و سلامة أراضيهquot;، وان quot;الاتفاق بين مكونات الشعب العراقي سيكون له تأثير ايجابي على مستقبل العراق و المنطقة و العالمquot;، مبينا quot;استعداد بلاده للوقوف إلى جانب العراقquot;، ومعربا عن أمله في quot;أن يكون العراق نموذجا للتعايش المشترك بين جميع المكوناتquot;، مع تأكيده على quot;ان العنف الذي يشهده العراق لا يمكن قبوله وهو أمر مروع حيث انه يحصد الأبرياء من الشعب، دون تمييز بين أطيافه، هذا شيء مرفوض تماماً، والأمل الذي نضعه في هذه الحكومة و بهذه الرئاسة، وبوجود صديقي فخامة الرئيس طالباني هو في أن تسود الديمقراطية و ينبذ العنفquot;، مع التأكيد أن ldquo;بلاده مستعدة للاستماع إلى ممثلي مكونات الشعب العراقي و طروحاتهم تأكيدا لوقوفنا إلى جانب العراقيين بغية وضع حد لأعمال العنف، إحلال التوازن و الديمقراطية في هذه المنطقة من العالمrdquo;.
لا شك أن هذه اللغة الجديدة للتفاهم بين فرنسا والعراق، ستشكل نقلة نوعية في العلاقات بين البلدين، وستكون بداية علاقات بين باريس وبين إقليم كوردستان، وستكون لها أثر بالغ على الصعيدين العراقي والدولي لصالح العملية السياسية في بغداد، وللبيان يبدو ان حسن العلاقات بين الرئيسين الطالباني والبارزاني والقيادة الفرنسية الجديدة قد لعب دورا ما في فهم وبيان الموقف العراقي والإقليمي للجانب الفرنسي، وسهل من زيارة وزير الخارجية كوشنر لبغداد لتفهم الوضع في بغداد، وكان أول بدايات هذه العلاقات اللقاء الذي تم بين الرئيس بارزاني والرئيس ساركوزي مباشرة أبان فوز الأخير في الانتخابات قبل أشهر.
لهذا فان التفهم الفرنسي الجديد للوضع العراقي وتعامله برؤية جديدة، ستساعد في تقدم الكثير من الأمور التي ترتبط بالجانب السياسي والأمني والإقليمي والدولي للعراق، ومن المتوقع أن تساعد أيضا في تقدم الحوار الذي يجري في بين أطراف القيادات العراقية في المرحلة الراهنة للخروج بحل مرضي لجميع الأطراف المشاركة في العملية لضمان مسار عملي جديد للحكومة العراقية للعمل الجدي نحو إرساء الاستقرار للبدء بأعمار البلد، للخروج بمعالجات جوهرية للتقليل من المعاناة والمصاعب التي يعانى منها العراقيون، وهي قضايا مرتبطة بملفات داخلية وخارجية.
تفهم هذه الملفات وتسليط الضوء عليها وإيجاد الحلول المناسبة حسب رؤية مشتركة عميقة بين القيادتين لعراقية والفرنسية ستشكل الأرضية المناسبة لإرساء تفاهم مشترك بين البلدين، وستكون بيان الحلو لمعالجة تلك الملفات المرتبطة بالأوضاع العراقية توازيا مع الدور الأمريكي الهام، المدخل المناسب لتحقيق مكاسب سياسية لصالح الحكومة العراقية للمساهمة الفعال لإرساء حالة مستقرة في الجانبين السياسي والأمني لضمان العملية الديمقراطية السائرة في البلد، لهذا فان التوصل الى تفاهمات قائمة مشتركة حسب ما ذهب اليه الوزير الفرنسي والقيادات العراقية، سيشكل بداية جدية لإرساء العلاقات بين البلدين، وهذا ما ستنتج عنها مداخل لتحقيق استحقاقات لضمان منهاج عمل جديد للعملية السياسية العراقية لمعالجة الأزمات والمشاكل التي يعاني منها الوضع الداخلي، وفي عين الوقت ستشكل عامل حاسم لإحداث نقلة نوعية على صعيد النظام السياسي والإداري والاقتصادي والاجتماعي للدولة العراقية الجديدة لخدمة الشعب الذي ظل متمسكا بالخيار الديمقراطي رغم المعوقات التي تعيق عملية التوافق السياسي لتأمين حاضر مشرق لأبنائه وضمان مستقبل زاهر لبلد الرافدين.
[email protected]
- آخر تحديث :
التعليقات