كلما ذهبت الى لندن في الصيف،أحب أن أعرج على مجموعة من الأصدقاء العراقيين الذين قذف بهم نظام صدام حسين في الغربة،فلم يجدوا أمامهم سوى الهجرة والهرب من وطنهم من أجل حياة كريمة ومصير مختلف لأولادهم عن (الاستشهاد )في سبيل نزوات القائد وطموحاته التي لا تنتهي من حفظ البوابة الشرقية الى تحرير فلسطين عبر غزو الكويت.
وهل هناك أجمل من لندن كمنفى؟حيث احتوت الكثير منهم ومنحتهم جنسيتها ومنحت أولادهم الفرصة للتعلم والعمل وأعادت لهم كرامتهم وهم بدورهم بادلوها الحب والامتنان.
أحب كثيرا الاجتماع بهم والاستمتاع بكرمهم وضيافتهم وسفرتهم العراقية الشهية من (الدولمة )اللذيذة الى السمك المسقوف الى مرق البامية الى الكباب وأنواع الكبة بأشكالها من كبة الموصل الى كبة الحلب، ثم يأتي بعد ذلك دور (التشاي )العراقي المخدر الذي لم تفسده عشرة عقود مع أكياس شاي الافطار الانجليزي الذي هو أقرب للماء المغلي منه الى الشاي.
يدهشني تمسكهم بهويتهم بدءا من اللهجة العراقية المحببة التي توحي وكأنهم لم يفارقوا البصرة أو بغداد،ورغم اتقانهم للغة الانجليزية نادرا ما أجد عراقيا يطعّم لغته العربية بكلمات انجليزية بعكس بعض السعوديين -ولا أبرئ نفسي !-حيث تختلط الكلمات العربية بالانجليزية بسلاسة رغم أننا لم نخرج من بلادنا الا في الاجازات،أما سفرتنا السعودية فالى جانب كبستنا التقليدية سنرى أن كل بلد حول العالم قد دس بطبقه فيها من التبولة اللبنانية الى الباستا الايطالية الى الفاهيتا المكسيكية الى التميس الأفغاني الى البرياني الهندي.
لكن يظل أكثر ما يدهشني لدى أصدقائي العراقيين في لندن والذي ظل محط اعجابي لسنوات هو التزاوج بين الطوائف المختلفة lsquo;فأم حسين سنية وأم عمر شيعية دون أن يكون للتعصب أو الطائفية مكان بل تكاد تكون من الأشياء المعيبة أن يسأل الشخص عن طائفته،فالجميع هو عراقي أولا قبل أي انتماء آخر.
هذا العام اجتمعت بهم على عادتي،واستقبلوني بكرمهم والمعتاد وأحاديثهم الممتعة،حتى جاءت ضيفة جديدة لا أعرفها فسألت صديقتي العراقية عنها فعرفتني باسمها ثم همست بأذني (شين )،لم أفهم،عادت وقالت لي :(شين ومتطرفة )فهمت بعد ذلك أنها تغمزلطائفتها وبنبرة جديدة لم أعتد عليها من العراقيين،بعد ذلك دار الحديث كله حول القنوات الفضائية والكل يدافع عن القنوات التي تمثل طائفته،ثم بدأ الهجوم على الوهابية وسمعت أن أحد أهازيج العراقيين بعد الفوز- الذي أفرحنا -على السعودية أنهم يغنون :(خذنا الكاس..على عناد الوهابية )فالسعودية اليوم نسيت كثقل اسلامي وعربي وكدولة معتدلة واختزلت أنها (وهابية)تماما مثل هذه الصديقة الجديدة التي اختزلت هويتها بأنها فقط (شين)...وكأن تحرير العراقيين من نظام صدام حسين قد تحول الى تحرير العراقيين من العراق،واثارة الانتماءات الأخرى ولتمزيق جسد العراق في الداخل وعزله عن انتمائه العربي.
أصابني الغم في تلك الجلسة وقررت الاستئذان بعد أن بدأت الطائفية تفرض حضورها اما بالحديث الصريح أو بالهمز واللمز أو بالكهارب التي تعم المكان،تركت المكان ولا أعرف ان كان الجماعة قد عّرفوني للأصدقاء الجدد بأنني (سين )أو ربما (واو ) زيادة في التحديد؟..لا أدري...
ريم الصالح
[email protected]
التعليقات