لم تبق إلا الأوبئة تداهم كردستان المعذبة المكتوية بنيران الفساد والأزمات المتتالية لتزيد أهلها معاناة على معاناة وتنغص عيشهم وتؤرق بالهم.. فوباء الكوليرا الذي إنمحى من الوجود في العراق منذ ستينات القرن الماضي عاد ليدهم ( دبي !!) العراق في السنة السابعة للقرن الواحد والعشرين المصادف للألفية الثالثة للميلاد وهو من أوبئة القرن الثاني للهجرة؟؟!!..


حتى عودة هذا الوباء الخطير لها علاقة بالفساد الضارب بكردستان كما سيتضح ذلك لقاريء الكريم..
فقدم شبكات المياه في المدن الكردستانية الكبرى، وتصدأ الكثير منها يؤديان الى التسرب وإختلاط مياه الشرب بمجاري الصرف الصحي، وهذا هو السبب الرئيسي لتفشي الوباء كما يصرح بذلك مسؤولو وزارة الصحة الإقليمية.


فقد خلص تقرير صحي معلن صدر قبل أيام الى أن 60% من مياه الشرب في مدينة السليمانية وهي البؤرة الأولى لظهور الوباء غير صالحة للشرب، إما لإختلاطها بشبكات المجاري، أو بسبب عدم إستخدام مادة الكلور لتعقيمها؟؟!!. والسبب ذاته أدى الى ظهور الوباء في مدينة كركوك ( البؤرة الثانية)، بالإضافة الى إضطرار سكان الإحياء الجديدة في المدينتين الى إخراج الماء من الآبار الإرتوازية التي يحفرونها في ظل غياب الخدمات البلدية في تلك الأحياء، وهي آبار تعتقد المصادر الصحية أنها ليست بالعمق المطلوب مما يؤدي الى إمتزاج مياهها بشبكات الصرف الصحي.


يوم أمس أغلقت السلطات الصحية معملا لإنتاج المياه ( المعقمة ! ) ماركتها ( زاكروس) والتي تعبأ في قناني تباع بأسعار مرتفعة كونها ( صحية ومعقمة)!!! ولا أدري لمن يتبع هذا المعمل من مسؤولي الإقليم، فالأرض والسماء في كردستان أصبحتا ملكا لمسؤولي الإقليم، ولا أستبعد أن يأتي يوم يعبئون فيه الهواء بالقناني ويبيعونه لنا..


وقبل أيام قرأت أن معملا في قضاء كلار يعبيء قناني المياه المعدنية، ولمن لا يعرف موقع هذا القضاء، فهو يقع في منطقة كرميان وهي سهل قريب على مدينة كركوك، ولم أسمع ما إذا كانت فيها شلالات أو عيون عذبة تستخرج منها المياه، لذلك أعتقد أن المياه التي يعبأها المعمل هي نفس المياه السائلة في أنابيب المنازل ويبيعها للمواطنين..وإلا كيف يمكن لمعمل ينتج المياه المعدنية أن تغلق بسبب عدم توفر الشروط الصحية فيها، أليست تلك فضيحة؟ فالناس عادة يتجهون الى المياه المعقمة في حال وجوزد خطر الوباء، وإذا بمعامل كردستان هي المصدر الأساس لنشر الأوبئة وليس الوقاية منها؟؟!!.


في ظرف عدة أيام أصيب المئات من الأشخاص بالوباء في السليمانية، وكالعادة في تعمية المواطنين كانت أعداد المصابين تخفض زيفا في التصريحات الرسمية لعدم إثارة الفزع بين صفوف المواطنين، وكانت بيانات الحكومة تتشابه مع البيانات العسكرية في زمن القادسية التي كانت تشير الى سقوط 570 قتيلا بين قوات العدو الفارسي، وإستشهاد جندي عراقي واحد في معركة من معارك جبهات القتال في قادسية الشر والعدوان؟؟!!.


في البلدان الحرة عندما تقع كارثة بهذا الحجم في البلد، يقدم الوزير المختص إستقالته بإعتباره قد أهمل الإجراءات الرادعة لوقوع تلك الكارثة متحملا المسؤولية كاملة غير منقوصة، فهل هناك من يستطيع إقالة مدير ماء ومجاري السليمانية أو المسؤولين في وزارة البلديات لتقصيرهم في تحديث شبكات المياه، وهذه مشكلة مزمنة تعود لعشرات السنين؟؟!. هل يجرؤ أحد على محاسبة مسؤول حكومي على هذه الكارثة التي أودت بحياة عدد من المواطننين جراء إهمال مؤسسات الحكومة مشاريع التحديث والتجديد لشبكات المياه والمجاري لأن هذا المسؤول هو من حزب السلطة؟!. وهل هناك موظفين من غير حزبي السلطة يشغلون مناصبها اليوم في عموم كردستان؟؟!!.


هناك مئات الأطنان من الأغذية منتهية الصلاحية ( إكسباير) تدخل الإقليم من كل حدب وصوب من دون أن تتمكن السلطات المحلية من معاقبة ولو شخص واحد ممن يوردونها الى الإقليم. فنحن نسمع يوميا مصادرة مئات الأطنان من تلك الأغذية، ولكننا لم نسمع أبدا أن عاقبت السلطة هؤلاء التجار المجرمين فاقدي الغيرة والضمير أو عرضتهم على شاشات التلفزيون محلوقي الرأس ليكونوا عبرة لمن إعتبر، أم أن هؤلاء التجار أيضا هم من أعوان السلطة أو أقرباء العلالي؟؟!!. ألم أقل أنهم يملكون الأرض والسماء؟.


نحن الشعب سلمنا قيادنا لهذه السلطة طوعا أو كرها، ولكن من واجب أي حكومة منتخبة صوت له الشعب طوعا أو كرها أن يؤدي ولو الجزء اليسير من واجبه وهو حماية المجتمع والشعب من الأمراض والأوبئة الفتاكة التي أصبح وجودها معدما حتى في البنغلادش وهي أفقر دول العالم قاطبة.


من واجب الحكومة في أي بلد كان أن يستخدم أموال الدولة لتحديث الخدمات الصحية والبلدية في كل بقعة من البلد،وأن تسهر على حماية المواطن من الأوبئة والأمراض، وهذه أمور بمجملها هي من صلب مسؤوليات الحكومة، وإلا ما معنى وجودها أصلا؟؟؟..


أليس من حقنا أن نتساءل عن مصير 6 مليارات دولار سنويا وهي الحصة المقررة للإقليم من ميزانية الدولة العراقية، وبأي وجه تصرف وشبكات المياه والصرف الصحي تختلط بعضها ببعض فنشرب نحن أصحاب المليارات الستة مياها آسنة؟؟!!.أليست قضيحة بالجلاجل أن تستلم الحكومة سنويا أكثر من 6 مليارات من دولارات الدولة وخزانات محطات مياهها تفتقر الى مادة الكلور؟؟!!!.فأين يحدث ما يحدث اليوم في إقليمنا السائر نحو الإستقلال والذي تتصرف حكومته بميزانية سنوية بمليارات الدولارات قد تفوق ميزانيات العديد من بلدان العالم؟؟.


في جلسة خاصة مع أحد القادة الأكراد قال لي quot; أن حكومة الإقليم تواجه مشكلة كبيرة في الموارد حيث أن نسبة 75% من الميزانية التي تحصل عليها من بغداد تصرف في رواتب الموظفينquot;؟؟!!!.؟ وأنا أعتقد أن هذه إدعاءات زائفة تماما، لأنه لا بد أن نتساءل quot; إذن من أين كان الحزبان الكرديان الحاكمان في كردستان يأتيان بـ 5/4 مليارات من الدولارات لدفع رواتب هؤلاء الموظفين قبل سقوط النظام وكل إعتمادهم كان على الضرائب الكمركية والرسوم البلدية حسبما كانوا يدعون؟؟!.


فإذا كان القيادي الكردي وحكومته على حق في ذلك الإدعاء بذهاب 75% من ميزانية الحكومة الى رواتب موظفيها، ونحن على حق في ذهاب الجزء المتبقي الى جيوب بعض المفسدين المتنعمين بمباهج السلطة والملقحين بأمصال ضد الكوليرا،فماذا يبقى لحملة القضاء على وباء الكوليرا في كردستان؟؟!!. لا شيء طبعا..


فأرفعوا يا أبناء كردستان الموبوئين أياديكم الى السماء وأدعوا الله أن يتلطف في قضائه، بعد أن عجزت حكومتكم الموقرة برد هذا الوباء، فليس لك يا كردستان إلا الله الرحمن الرحيم...

شيرزاد شيخاني

[email protected]