في وليمة عمل تقليدية سألني براين العجوز الذي تجاوز الخامسة والثمانين: مارأيك في العمل؟
قلت ُ: العمل جيد..، فحدق في عينيّ.. وفهمت عدم رضاه على الجواب، فأضفت ُ العمل جيد بحيث ليس لدى الإدارة أية شكاوى...
براين العجوز وزوجته تيلا هما والدا رئيسي في العمل وصاحبا الشركة التي أعمل فيها، وأنا أجلس معهما مع عشرة آخرين على مائدة من البطاطا الجافة والمقبلات والكثير من البيرة والنبيذ ولايمكنني التدخين حسب القوانين، وبراين مستمرا ً بأسئلته عن العمل ومشاكله، وأنا دائخ بورطة الكرسي الذي جعلني لصقه..
قال براين:هل صحا ً أنت عراقي..؟
-نعم بكل تأكيد..
-وكيف تتشرف بذلك؟
-لأني ولدت وتربيت هناك، ولدي أم وأب وناس وشوارع وذكريات... كلها هناك..
-وما رأيك بـ (هنا )
-أحب البلد وما يتعلق فيه من الحريات والخدمات والقوانين والتطوير المستمر.. حياة مترفة وسهلة، وصعبة وحادة.. في آن..
إرتسمت عل محيا العجوز بعض السعادة وأخذ يتجرع بيرته، فتعذرته للذهاب الى بيت الراحة أو للحصول على فسحة للتدخين فلحقني جاكوب الكيني صاحب الوجه (الزنجاري ) الذي يعد نيلسون مانديلا هو نبيّه على الرغم من إنه مسلم متدين.. وهمس مالذي جرى أيها الصديق..أرى الرجل الكبير مهتما ً بك..
فأقترحت: فلنغير الأماكن..، مانحا ً جاكوب فرصة التقرب من الدون الكبير..
وقال الكيني بملأ شدقيه: شكرا لك.. أنت رجل عطوف..عطوف جدا..!
وحين عدت أخذت مكان جاكوب الكيني لأجلس، فهتف براين العجوز لماذا تسرق مكان الآخرين،عد إلى مكانك أيها اللص ّ..
قال العجوز: لماذا تهرب من رجل عجوز ثرثار؟.
-لا.. لا ليس الأمر كما تظن.. فقد تبادلنا الأماكن..
-أنت تكذب، تعيش في هذا البلد ولم تتعلم الصدق..
-لم أكذب.. لكني وددت تغيير المكان ياسيدي..
-ولمَ.. تضايقت..
صمت ّ ُ.. وأنا أجرع بيرتي، وأفكر، هذا رجل أسترالي في أواخر عمره، فما الذي سأغيره.. فيه، إن أعطيته زخا ً من الألام، وهل يتألم.. نعم حتما ً سيتألم، وربما سيقترح كلاما ً سمعته طوالا ً وتكرارا ً عن النفط والنساء والدين، ثم يبدأ بإبداء تواريخ وأحداث، ويعطف على الشرق وثقافته، ربما، وربتما العكس، أخذت أنحني أمام الكأس، وأنسلّ ُ وسط ضجيج الضحكات والهرج لأشعل لفافة أضيع مع دخانها...
قال العجوز براين: هل تأكل الدجاج؟
- نعم أأكله...
- أيّ ُ نوع؟
- أيّ َ نوع ٍ..
- الحلالّ أم الحرام..
- الدجاج بكل أنواعة سيد براين وخاصة صدوره المنزوعة الجلد..
- وما رأيك بطعم الدجاج الحلالّ..أنا وتيلا نحب طعمه، فهو يبقى بالثلاجة لأشهر عديدة ولاتمسه البكتيريات التي ُتفسّخ الأطعمة..كما تقولون..
- وما هو شأن الدجاج الحرام ياسيد براين؟
- هذا شأنك..أنت الذي عليك أن تفسر الأمر؟
- الناس يأكلون كل شيء في المجاعات حتى البشر..
- النيوزلنديون الأصليون (الماوري ) أكلوا بعضا ً من أجدادنا...،قالها العجوز براين وقد بدى السكر عليه..
قلت ُ لأتركه وتيلا العجوزة..وأذهب فرئتاي ينشدان الدخان... ثم غيرت المكان.
واصف شنون
التعليقات