-1-
إن الله يخشى من عباده العلماء.
قرآن كريم

التفاصيل الفقهية والتاريخية الصغيرة الدقيقة لا تهبط للناس بشكل مباشر من خلال المصدر الحق، نعني الكتاب لأن قلّة منّا من يقرأ، إذ نحن في الأساس أمة من الأميين، ولأن حفظة الأسرار المقدسة لا ييسرون لنا ما بأيديهم من تلك الأسرار، وبالتالي فشعوبنا ترقد منذ الف عام على بيوض كائنات خرافية متعفنة، لا تعرف اصلا ما تحتويه ( هذا إذا إحتوت شيئا بالأساس).
لأجل هذا تظل حاجة الناس قائمة للشيوخ حتى يحين موعد خروج المهدي من (سردابه) ( عجل الله تعالى فرجه الشريف).


اشياخنا وساستنا عبر كل عصور الدولة الإسلامية، لعبوا لعبة خبيثة بشعة وسخة، لعبة حرماننا من حق السؤال، حق التعلّم، حق إنتزاع الإجابة بمخالب عقولنا الحيّة النبيلة السامية الحالمة بالحرية الحقّة والكرامة الحقة وتأكيد الذات الحقّ في عالم لا يمكن أن يتأكد جماله وجلاله إلا من خلال الحرية وبالذات حرية المعرفة، حرية الكشف.


حيث أن الإسلام ( والإسلام بالذات ) هو ابرز آيديولوجيا دينية تقوم على وساطة الوسطاء ( الشيوخ السياسيين )، فقد وضع هؤلاء ما في عمق ضمائرهم من الخوف من العلماء.
( إن الله يخشى من عباده العلماء )...!
كيف يمكن للرب، القدرة الخالقة المبدعة الجميلة التي تختفي خلف جوهر تكوين أدق واكبر العوالم من الإلكترون السابح في مداره، إلى قطرة الدم السابحة حول القلب، وصولا إلى الكواكب الهائلة السابحة منذ ملايين السنين حول مدارات لا تفارقها وإن قيد أُنمُلة، ولو فعلت ( لا سمح الله ) لأنتهت الحياة على ارضنا الجميلة الحنون هذه منذ آلاف السنين؟


كيف يمكن لهذا أن يخشى العلماء، وأي علماء يخشى؟
إنهم الناس الطيبون البسطاء الذين إذا قلقوا بسؤال وجهدوا للبحث عن جوابه في بطون الكتب وجوهر الروح ونبض القلب، فإنهم سيتحررون ليفضحوا الكذبة التي خلقها الزعماء الاوائل واستمروا بتداولها بينهم، شيخا إثر شيخ كما لدى الأحبة اهل السنّة، أو إماما يتلو إمام من صلبه كما لدى الأحبة الشيعة.
عمد الفقهاء وهم ذاتهم الساسة (وإن تنكروا )، عمدوا عبر العصور إلى تجهيل الناس لإستمرار إرقادهم على البيضة المقدسة وإستمرار طرح ذات التساؤل الوضيع الصغير الكسول الأقل قلقا، عن تفاصيل ما في البيضة.
بينما الكبار متنعمون برغد العيش في فيوض من الحرية لا حدود لها..!


-2-

التقية ديني ودين آبائي ومن لا تقية له لا دين له.
جعفر بن محمد ( الصادق )


لا استطيع أن افترض إجابات سالفة مسبقة عن كم هائل من الأسئلة يدور حول هذا النص اعلاه وحول قائله، لأني لا املك أن اعرف القائل حقا، فليس لدينا عنه إلا قبر مجهول في البقيع الحجازية لا اكثر ولا اقل، ولا استطيع ( ولا يجب أن اثق ) بما ورد في كتب التاريخ لأننا لا نملك مؤرخين مستقلين محايدين في تلك العصور الغابرة، بل جلّهم كانوا أما من انصار السلطة السياسية الأموية ثم العباسية، والذين كانوا في الأساس على عداء مع الطرف الآخر ( علي وفاطمة وأولادهما )، لاسباب قبلية سياسية تجارية تمتد إلى ايام هاشم وأمية والعباس، أو إنها من مصادر الطرف الآخر الذي فرض عليه ما وقع عليه من خُسران للسلطة السياسية وإمتيازاتها المالية، فرض عليه أن يخلق حول ذاته هالة من القداسة خرجت به حتى عن ما جاء به الجد الأكبر محمد..!


ثم دخول الأحبة الفرس على الخط وهؤلاء لهم مع العرب وإمبراطورية العرب التي انتهكت اراضيهم ودمرت ثقافتهم، لهم معها ثأر تسللوا لتنفيذه عبر إحتضان المغلوب الخاسر في معركة قريش مع ذاتها...!


لأجل هذا كله، لا استطيع ( ولا من هو خيرٌ مني ) أن يفترض صحة نسب هذا النص لهذا الإمام ( السيا-ديني ) أو ذاك، لكنني استطيع قطعا أن اكشف نتيجة صغيرة واحدة على الأقل من مليون نتيجة بائسة من نتائج الإيمان والإقتداء به.
وتلك...ما هو حاصل في العراق وفي الدول العربية التي فيها اقليات عربية ( شيعية ).

-3-
تجربة اليهود في اوروبا كانت مريرة غاية المرارة... تجربتهم تلك، اجتهد ويجتهد زعماء أهلنا الطيبين من ( الشيعة ) لتكرارها، وقد فعلوا ذلك عبر العصور.
اعني تجربة الإنعزال عن الآخر والعيش في غيتوهات ( حسينيات ) يتبادلون فيها همسات اللعن والكراهية والتحريض و... حين يطل الآخر يبتسمون بجذل...!
الناس الطيبون، يفعلون ما يأمرون به..!
الناس الطيبون لا يملكون قدرة عقلية وثقافية تمكنهم من تمييز الغثّ من السمين، الناس هؤلاء يعيشون على حلم مؤجل، حلم الإنتقام ممن إنتزع الحكم من علي وأولاده.
رغم أن الدنيا تغيرت، حيث رحل علي ورحل اولاده، كما رحل منافسيهم من ابناء أمية أو العباس، ولو كان علي وأولاده موجودين اليوم بيننا للبسوا ( الجينز) وأنشغلوا بالثقافة المعاصرة، وأعتنوا بهموم البيئة وغزو الفضاء، ولوجدتهم الآن اعضاءً ناشطين في برلمانات حقيقية ( كتلك القائمة في اوروبا ).
و..اُسرِفُ في الخيال المعافى فأقول، لكانوا اليوم جُلّهم اعضاء في احزاب البيئة ومنظمات حقوق الإنسان، لأن حماية البيئة وإحترام حقوق الإنسان، هما سبيلنا للبقاء ( بقاءً حياً مبدعاً جميلا) على هذه الأرض المباركة لملايين أخرى من السنين..!
اليهود تعلموا من تجربتهم الموجعة، ولهذا حين عادوا إلى ارض الميعاد، زرعوا الأرض بيد وقاتلوا بيد أخرى، وها هم اليوم قوة إقتصادية وسياسية وعلمية جبارة، ينعم شعبها بديموقراطية حقيقية، ولا يخلو بيت من خادمة سيرلانكية وسيارة وتأمين ابدي على الحياة.
يملكون جيشا جبارا، لكنهم لا يستخدمونه، بل يكتفون بالمخابرات الجبارة الناشطة في كل دول الجوار، عاملة ليل نهار على تأمين إستمرار حروب العرب والمسلمين مع بعضهم على مخلفات ولاية علي والصبي الذي غاب في السرداب..!


-4-
في تصريح فخامة رئيس لجنة الحشد الشعبي لخطة امن بغداد، التاجر والملياردير وعرّاب الإحتلال احمد الجلبي.
فضح الرجل حقيقة يحاول زعماء الطائفية السياسية اليوم إخفائها:
(ان عدد الشيعة الذين كانوا منتسبين الى حزب البعث اكثر من عدد السنّة ).
لِتلك الحقيقة اسبابها العديدة، بينها طبعا كون الشيعة عربا وأولوية عروبتهم وعراقيتهم اكبر بكثير من طائفيتهم، وبالنتيجة فحضورهم في احزاب العراق، من بعث وشيوعي وغيرها، هو مسلّمة طبيعية. ثم أن الأحزاب العلمانية من قومية ويسارية، تملك برامج عمل وخطط تنموية ومشاريع مادية ( بغضّ النظر عن سلامة تلك البرامج وصحة تلك الأفكار، وسلامة التطبيق ).
اي إن من ينتمي، يصيبه قدر من النفع المادي العياني عبر ولاءه الحزبي، بذات القدر الذي يكون له دور في خلق هذا القدر أو ذاك من الرفاه المادي المتحقق.


الأمر الثاني: إبتلاء ومصيبة أهلنا الشيعة الطيبين في ما سُجل عليهم من اوراقهم ذاتها ومن شائع القول عندهم ( التقية ديني ودين آبائي...)، وبالنتيجة فقد أعتبرهم النظام ( كما من سبقه من انظمة )، إعتبرهم فئة لا ينبغي الثقة بها إلا بحشرها وإن بقوة في ثوب السلطة المركزية، لأنها إن تُركت على علاّتها، كفّت عن الإداء وأنشغلت بالنواح والبكاء واللعن السري والإبتسام الزائف للشقيق الآخر، وقد نجح النظام نجاحا مهولا في تشغيل الطاقات الشيعية في حرب السنوات الثمانية التي ابدعوا بها أيما إبداع، كما نجح في تخريج كمّ هائل من العلماء والمثقفين الشيعة الذين اسهموا اسهاما كبيرا في البناء الإقتصادي العراقي إبان سنوات السبعينات والثمانينات.


اما من يُسمّون ب( السنّة) فلم يتعرضوا للضغط أو الإغراء السياسي للإنضمام وتُرك لهم حرية التطور الروحي والفكري والمادي المستقل بعيدا عن هذا الحزب، إذ كان إنتمائهم القبلي والطائفي يغني عن الضغط الحزبي للحشر، ولأنهم ليسوا من اهل التقية ليتقون..!
لأجل هذا لم يكونوا بهذا القدر الهائل من الحضور كما اشقائهم اتباع آل البيت..!
الأمر الثالث: من منافع مذهب ( التقية ) الجميل، أنه كفل للآخر عبر العصور فرصة أن يكون السيد، ويبقى السيد، فالأحبة لا يريدون دولة ولا سلطة ولا بناء مادي ولا إعمار روحي لأنهم في حالة إنتظار ازلي دائم عبر نوافذ الوهم لهذا الفارس القادم حاملا قرآنه الحق وسيفه البتّار للثأر من كامل المسار التاريخي الذي حصل عبر الف عام وإعادة الأمور إلى نصابها الذي كان يجب أن تكون عليه، نعني دولة اليوتوبيا المحكومة من آل فاطمة.


هذا الأمر لعب دورا حاسما في سهولة إنضمام المواطن الشيعي لأي حزب أو فئة أو عقيدة، دون الحاجة لقدر كبير من الإيمان والإقتناع بتلك الآيديولوجيا، لأنه بالأساس يروم إتقاء شر الآخر وليس عليه إلا أن يختبيء تحت خيمته ليأمن شرّه.
لهذا إنضم لحزب البعث ملايين الشباب من الجنسين من اتباع آل البيت ( عليهم السلام ).
ولهذا كانت بناتهم وأمهاتهم يُبلِغنَ بأنفسهن عن القلة الشاذة من ابنائهن وازواجهن الذين سقطوا في فخ احزاب إيران كحزب الدعوة وغيره (مقابل الرضا والمكافأة المادية المتواضعة ).
ولهذا كان البعثي من آل البيت، يُطلق النار على اخيه وابيه وإبنه وهو يهزج بإسم صدام...!
لقد صدق العزيز الجلبي في كل ما قاله، وصدق الإمام الجليل ( الصادق ) حين قال:
( التقية ديني ودين آبائي ومن لا تقية له، لا دين له )
وحسبنا الرب الحق في ما يفترون..!


-5-

العقائد الفاسدة لا يمكن لها مهما إجتهد مُنظّريها، أن تبني بناءً صحياً سليماً قوياً مُعافى، لأن بناء الأمم يعتمد على بناء الفرد في الأساس، والفرد لا يبنى على الوهم والكذب والخوف والإبتزاز...!
بل الحرية... حرية أن يكون ذاته ويعبر عن ذاته، ويؤكد تميزه الذاتي كفرد لا نظير له ابدا..ابدا..!
( المنصور بالرعب )، بذر بذرتين خطيرتين رهيبتين، شغلتا من خلفوه حتى يوم الله هذا..!
سنته وعترته..!


بعض من إنشغلوا بسنته، أخذوا منها وهم الجنّة الذي يقوم على قتل الشقيق في الإنسانية ( المخالف في العقيدة ) من أجل الإفطار مع ( المنصور بالرعب ) عند الحوض المقدس في الجنّة.
وبعض من إنشغلوا بعترته، توقف نموهم الإنساني منذ الف عام على البكاء على من قُتل من تلك العترة، والإجتهاد للإنتقام حين يحينُ الحَين، وإن بنصرٍ مغولي أو امريكي..!
الإثنين، بتلكما العقيدتين، أعجز من أن يبنيا أنسان، فكيف بأوطان..!
لقد خسر العراقيون عبر اربعة اعوام حسب قرابة المليون ناهيك عن اربعة ملايين مهجّر، ويعلم الله كم سيبقى في العراق بعد اربعة أعوام أخرى إذا ما خرج الأمريكان ودخل الإيرانيون والأتراك والعرب في حرب قادسية جديدة لا تبقي ولا تذر؟


لا اشك في أن اهلنا، من كافة الطوائف والأعراق، سيبلغون غدا ساعة ندم كبيرة على هذا الذي علقوه ورقصوا حول جثته، تماما كما ندموا على قتل المرحوم فيصل والرقص حول جثته..!
بوادر الندم تتجلى اليوم في الشارع العراقي الذي أنتشرت فيه الأوبئة والعلل وبلغ الفساد فيه حداً لم يبلغه يوما من الأيام..!

كامل السعدون