لا يستطيع أحد ممن بقي في الأحزاب الشيوعية حتى اليوم ـ وبعد أن لم تعد شيوعية ـ أن ينكر أن الأحزاب الشيوعية في البلدان العربية بشكل خاص قد تشكلت بكل كوادرها من القمة إلى القاعدة من الأطياف المتباينة من مروحة الطبقة البورجوازية الوضيعة (La Petite Bourgeoisie). هذه الطبقة التي تستكلب في مثابرتها على تحسين وضعها الطبقي الوضيع، يدفعها إلى ذلك وضاعة كل الوسائل المتباينة التي تمتلكها للإنتاج. إحدى الظواهر الرئيسة للإستكلاب هو مراهنتها على مشروع لينين بالنجاح. راهنت عليه استكلاباً حيث ثمة فرص كثيرة تحين هنا أو هناك، حينذاك أو فيما بعد، يمكن أن تفيد منها، وقد تبدّى مثل هذا الإستكلاب في محاكمة تروتسكي الصورية في المكسيك برئاسة الأميركي جون ديوي، استكلاباً وليس إخلاصاً لأهداف ماركس ولينين في محو سائر الطبقات وكل الامتيازات الخاصة.

ما أثار موضوع البورجوازية الوضيعة من جديد بعد أن كنت قد كتبت في موضوعها قبل سنتين أو أكثر وأشرت إذّاك إلى أن.. quot; كثيراً ما ترى البورجوازية الوضيعة الأحزاب الشيوعية موئلاً لها، تراها درجة ثابتة وعالية تطأها للإرتقاء كي تصنع من نفسها جهة مهمة ذات شأن يشار إليها بالبنان quot;، ما أثار الموضوع من جديد هو أحد الذين كان لهم دور ملموس على الصعيد المحلي بدعم وإسناد الردّة الخرشتشوفية المستندة إلى هرطقات تحريفية لم يتأخر انكشاف عيوبها المخزية، وهو الذي ملأ الدنيا صخباً وضجيجاً حول الشيوعية الجديدة التي أتى بها التحريفيون إلى أن أخرسه الإنهيار في العام 1991 فلم يعد ينبس ببنت شفة ولم يعد يشارك في أي حراك شيوعي مهما يكن؛ هذا الرجل وقد سمع مني ما أقول حول انحرافات خروشتشوف الخطيرة التي عملت على انهيار الإتحاد السوفياتي بعد أن كان في الخمسينيات أقوى قوة في الأرض، انفجر بغضب مستطير صائحاً ولماذا تشتمنا وتسب علينا كلما تقابلنا وتثير ذات الموضوع؟!! يا إلهي !! ثمة بعد من يدافع عن تحريفات خروتشوف بعد كل الذي كان !! الرجل قضى كل شبابه، خمسين عاماً، يمشي في الضلال حتى وصل إلى الإنهيار الكلي مع كل ما تسبب لنفسه من مأساة أحالت حياته هباءً منثورا. مع كل ذلك لم يتعظ ولم يتطهر من تورم الأنا والدفاع عن تاريخه غير المجيد وغير المشرف. الحق أنني لم أقصد تبخيس شخصه وهو البخس، أما وأنه هو السبب الماثل أمامي على الأقل في انهيار ذلك الأمل الذي داعب خيال البشرية في التحرر وضحى عشرات الملايين من الناس بأرواحهم لحمايته، وهو نفسه ما يزال يأخذ على عاتقه انسداد الطريق أمام البشرية نحو الإنعتاق الكامل من مظالم المجتمعات الوحشية؛ أما وأنه هو من حول النساء السوفياتيات رفيقات البطلة زويا اللواتي هزمن هتلر وطهرن أوروبا من رجس النازية والفاشية من خلال عملهن في مصانع الأسلحة وراء الأورال لستة عشر ساعة في اليوم، حولهن لعاهرات في بيوت علوج الخليج المتخلفين، أما وأنه هو هو من أوصد أبواب الجامعات في وجه أبناء العمال والكادحين الروس وحرم كل المتقاعدين من لقمة العيش وأذهبهم يبحثون في القمامة عما يسد جوعهم، أما وأنه هو هو من قام بكل هذا، فإنني لشديد الأسف لعجز اللغات المختلفة والاسبانية منها كما العربية عن أن تزود الإنحطاط الآدمي بالسباب والشتائم الكافية التي يستحقها هذا البورجوازي الوضيع.

هكذا هي البورجوازية الوضيعة، تسجل في عضوية الحزب الشيوعي دون أن quot; تتشيع quot; وتربي نفسها تربية شيوعية. أنا لا ألوم هؤلاء لفشلهم في تربية أنفسهم تربية شيوعية لأن في ذلك تجاوزاً لكل تاريخ البشرية الذي كتب حتى اليوم بحبر الأنا البورجوازية، سداة الصراع الطبقي، وهو تجاوز لا يقدر عليه إلا أبطال في فعل الأنسنة من مثل ماركس وإنجلز ولينين وستالين؛ لا ألومهم على عدم تثقيف أنفسهم وبالتالي قصورهم في الوعي بحركة التاريخ وذلك لأنهم أصلاً لم يدخلوا الأحزاب الشيوعية عطشاً للثقافة ولينهلوا من معين الثقافة الماركسية اللينينية، لا، لا ألومهم على كل هذا لكن لا يمكن السكوت على إنكارهم الحقائق التي لم يعد لإنكارها من سبيل. إن أوضع ما في وضاعة البورجوازية الوضيعة هو إنكارها الحقائق التي غدت ساطعة تبهر الأبصار. ضعتها بلغت من الوقاحة مبلغاً يستثير كل الآدميين للنهوض في ثورة ثقافية تطهر الفكر السياسي من كل القيوح التي قاحتها الأفواه الكريهة للبورجوازية الوضيعة.

من أكره الأفواه التي قاحت صديداً لا تحتمله الحاسة الآدمية تلك التي تكلمت عن انهيار الإتحاد السوفياتي بسبب البيروقراطية. مثل هذا الإدعاء الكاذب قام بداية باتهام ستالين بالدكتاتورية الفردية؛ ثم تذاكى أصحابه خشية افتضاح دعواهم فعمموا الإتهام من أجل ألا يقوم نقاش فيه ويظل الفاعل مجهولاً. وفي هذا تحديداً انحطاط بورجوازي يتحايل لطمس الحقيقة عبر المداورة. أحدهم، وهو المدعو منير العبيدي، يزعم في هذا السياق زعماً غريباً على الأسماع، يزعم أن ستالين عدو للينين رغم كل ما عرف عن ستالين من أنه كان يعبد لينين!! ولعل القليلين يعلمون أنه كان يحمل في حقيبته أينما سافر غطاء وجه لينين(face mask) يضيئه معلقاً فوق رأسه حيثما نام. هذا العبيدي الذي أبدى فقراً فاضحاً في استيعاب العلوم الماركسية أخذ على ستالين أنه لم يسمح بتواجد أعداء الحزب داخل الحزب خلافاً لما كان عليه لينين. لقد فات هذا البورجوازي الوضيعالذي لم يتمثل الماركسية كما يجب بحدودها الدنيا، فاته أن الحزب الشيوعي عام 1928 غيره عام 1922 حين أعلن لينين في البرافدا نفسها أنه سيستقيل من الحزب لأن معظم أعضاء اللجنة المركزية يقفون ضد سياساته، وهو ما يعني أنهم أعداء للاشتراكية. كان الحزب آنذاك في أضعف أحواله فكانت الشعوب السوفياتية تبيت على الطوى، كما وصف لينين، حتى اضطره الأمر إلى تبني سياسة (النيب) والتسليم بميكانزمات الإقتصاد البورجوازي بعد أن ابتعد صغار الفلاحين عن الحزب. في العام 1926 عاد الإنتاج الصناعي إلى ما كان عليه قبل الحرب في العام 1913 وتمكن الحزب من التخلي عن سياسة النيب، وفي العام 1928 تفوق الإنتاج الصناعي على الإنتاج الزراعي. وفي العامين 1928 و 29 تمكن الحزب من القيام بقفزتين كبيرتين في الإنتاج الصناعي والزراعي. لقد تضاعفت قوة الحزب في تلك الفترة عشرات المرات حتى أنه لم يعد يخشى فرز الأعداء ومحاسبتهم. لم يكن بوسع لينين طرد زينوفييف وكامينيف من الحزب بعد أن أفشيا ساعة الصفر لانتفاضة أكتوبر للشرطة السرية وطلبا من الشرطة اعتقال لينين وذاك خيانة ما بعدها خيانة ! طالب لينين إذاك بالنضال من أجل طرد كامينيف وصهره زينوفييف من الحزب. كان ذلك أقصى ما بوسع لينين أن يتخذه بسبب ضعف الحزب وبنيته غير المتماسكة. ثم لم يقرر الحزب الشروع في بناء الإشتراكية إلا في العام 1921 قبل عام واحد فقط من مرض لينين وعجزه التام عن مباشرة أعماله. طالب لينين بتبني السياسة الاقتصادية الجديدة المعارضة لنهج تطبيق الاشتراكية وهو التطبيق الذي تركه لستالين ليقوم به. والعبيدي الذي لم يتمثل شيئاً من المبادئ الماركسية لا يدرك ماهية الاشتراكية. وهنا أتحدى العبيدي خاصة وكل أعداء ستالين عامة أن يعرّفوا الاشتراكية ! خشي لينين كثيراً من أن كوادر الحزب الشيوعي لا تدرك ماهية الاشتراكية، ولذلك ظل يكرر باستمرار quot; أن الاشتراكية إنما هي محو الطبقات quot;. لو أقر العبيدي بصحة تعريف لينين فكيف له أن يدلنا عن أساليبه الخاصة جداً في محو الطبقات؟ هل سيمحوها من خلال السماح لها بممارسة الإنتاج بوسائلها الفردية الخاصة ومنحها المنابر العالية للدفاع عن مثل هذه الوسائل؟ هل سيقنعها بالتخلي عن وسائلها للإنتاج إذا ما وعدها بالفردوس المفقود؟ لكن الأنبياء وعدوا شعوبهم بالفردوس المفقود ولم تصدقهم الشعوب واستمرت باقتراف الخطايا والذنوب. ترتب على ستالين بوصية من لينين أن يمحو طبقة الفلاحين وكانت أكبر طبقة في المجتمع الروسي آنذاك. مختلف علماء الإجتماع سجلوا في كتاباتهم أن انتقال الزراعة السوفياتية من الزراعات الفردية إلى الزراعة التعاونية 1929 ـ 1932 كانت أكبر وأعمق تطوير اشتراكي جرى في الحياة السوفياتية. لو ظهر منير العبيدي في الحزب الشيوعي السوفياتي في الثلاثينيات الستالينية وطالب كما يطالب اليوم بالتخلي عن الماركسية وعن الشيوعية لجرت محاكمته وإعدامه وهو ما كان يتسق مع تطوير المجتمع والدولة لتصبح خلال بضع سنوات أقوى دولة في العالم حررت الإنسانية من أخطار النازية المحدقة وما كان لدولة أخرى أن تقوم بذلك حيث انهزمت أكبر امبراطوريتين استعماريتين، بريطانيا وفرنسا، أمام الجيوش الهتلرية. قال العبيدي أن لينين تعايش مع معارضيه فكرياً وهذا ما لم يتحمله ستالين. من قال للعبيدي أن ستالين لم يتحمل ذلك؟ أليس دوائر الاستخبارات الغربية وأصدقاءه في الأحزاب الاجتماعية الديموقراطية في أوروبا الرأسمالية. العبيدي ليس فقيراً في العلوم الماركسية فقط بل وفي البحث التاريخي كذلك. لقد تحمل ستالين معارضيه السياسيين أكثر مما تحمل لينين. لقد نشرت جريدة الحزب، البرافدا، كل مقالات تروتسكي التي تهجم فيها على ستالين وقيادة الحزب منذ العام 1925 وحتى الأول من أيار 1927 عندما نظم مظاهرة في لينينغراد رفعت شعاراً يدعو لإسقاط قيادة الحزب. ولم يتحمل ستالين نشاطات تروتسكي من وراء الأورال في تنظيم منظمات معادية للحزب. لا أدري إذا ما كان العبيدي لا يعلم أن زينوفييف وبمساعدة صهره كامينيف قد شكل جماعة مستقلة عن الحزب في لينينغراد قامت باغتيال القائد الشيوعي الكبير كيروف. ولا أدري إذا ما كان العبيدي لا يعلم أن بوخارين ورفيقه ريكوف قد اتصلا بهتلر لمساعدتهما في الإطاحة بالدولة السوفياتية. هل قرأ العبيدي خطاب بوخارين في المحكمة لدى إصدار حكمها بإعدامه.. لقد أقرّ في خطابه أن حكم الإعدام قليل بحقه. لكن على العموم ليس إلا أحمقاً من يوافق العبيدي على توفير المنابر الحرة داخل الحزب لأعداء الحزب !! وهل يبقى للحزب أي معنى طالما فيه جماعات متعارضة من كل لون؟ البورجوازية الوضيعة لا تتخلى عن فكرها البورجوازي ومنير العبيدي، ممثلاً للبورجوازية الوضيعة، يطالب بأن تقتفي الأحزاب الشيوعية أثر أحزاب الإشتراكية الديموقراطية في أوروبا الغربية التي أنجزت الكثير بعد أن تخلت عن الماركسية، نعم أنجزت العدوان على مصر 56 والحرب على الشعب الجزائري 1954 ـ 62!! المدهش حقاً هو أن يتوجه منير العبيدي بخطابه للشيوعيين !! ولعلي لا ألومه في واحدة على الأقل وهي أنه يدرك بالتجربة والاختلاط أن هؤلاء الشيوعيين المخاطبين إنما هم مثله من البورجوازية الوضيعة وعلى استعداد تام للتخلي عن الماركسية اللينينية. وهنا أراني بحاجة لأن أكرر أن البورجوازية الوضيعة لا تدخل الأحزاب الشيوعية لتفهم الماركسية بل لتعاديها؛ لقد نجحوا في ذلك أيما نجاح وكان نصرهم التاريخي الأعظم هو انهيار المشروع اللينيني بعد أن شارف على الإنتصار النهائي بقيادة ستالين. لقد قدموا خدمة للإنحطاط البورجوازي وللرأسمالية لا توازيها خدمة أخرى عبر التاريخ. لكن لا أدري كيف لأحدهم، مثل العبيدي، يفتخر بذلك!!

اتهام ستالين بالدكتاتورية الفردية فيه خداع كبير. فالدكتاتورية الفردية لا تعمر طويلاً وخاصة في بلاد واسعة شاسعة يعمرها أكثر من مائتي مليوناً من البشر إلا إذا كانت هذه الدكتاتورية تعمل لصالح طبقة عريضة في المجتمع. فأي طبقة عمل ستالين لصالحها؟ المخادعون من مثل منير العبيدي والشيوعي المستنكف الذي أشرنا إليه أعلاه يهربون من هذا السؤال المفصلي. حبذا لو أن أحد أعداء الستالينية أجابنا على هذا السؤال بعد قراءة هذه المقالة في quot; الحوار المتمدن quot;، ما هي الطبقة التي عمل ستالين لصالحها؟ ـ وليعلم هؤلاء سلفاً بأن ستالين لم يملك حتى بذلة يدفن بها. لئن أجابوا بأنه عمل لصالح الطبقة العاملة السوفياتية حينئذٍ فقط نقر معهم بأن ستالين كان دكتاتوراً وهو ما اشترطته الماركسية اللينينية ولن يكون إلا مقصراً إن لم يكن دكتاتوراً. لقد كانت حقاً دولة دكتاتورية البروليتاريا، وهي الحالة التي كتمت أنفاس البورجوازية الوضيعة الكريهة إلى أن تكلم خروشتشوف عام 59 ففاحت رائحة البورجوازية الوضيعة تزكم الأنوف. العبيدي يكتب من قفا يده دون أن يدرس. ستالين وقبل أن يتوفى بأسابيع قليلة طرح إقتراحاً للتصويت في المكتب السياسي فلم ينل إقتراحه صوتاً واحداً. وفي تلك الأثناء استدعى الكاتب اليهودي المعروف إيليا أهرنبورغ وطلب منه أن يصدر تصريحاً ينفي فيه اللاسامية في الدولة السوفياتية فكان أن رفض أهرنبورغ الطلب وجهاً لوجه. هل يتسق هذا مع الصورة التي يرسمها أعداء الإشتراكية لستالين الدكتاتور السفاح؟!! الديموقراطية الحقيقية وصلت أعلى تجلياتها خلال إدارة ستالين للدولة وقيادته للحزب؛ وليس أدل على ذلك من أن أمراً واحداً لم يكن يأخذ طريقه للتطبيق قبل التصويت عليه من لجنة الإدارة صاحبة الاختصاص، وقد وصل مثل هذا التقليد المتطرف في تطبيق الديموقراطية للنفاذ في أمر العمليات الحربية !! ـ وهنا أنصح العبيدي وزملاءه من أعداء الاشتراكية أن يقرأوا كتابي quot; من هو ستالين؟ وما هي الستالينية؟ quot; المنشور على موقعي الألكتروني المعنون أدناه.

ما أتفق مع العبيدي عليه هو أن العمل الشيوعي على الطريق نحو الاشتراكية ليس أمامه أي أفق للنجاح تحت شروط العلاقات الدولية وعلاقات الإنتاج القائمة اليوم. الإشتراكية ممتنعة في بلادنا بعد انهيار الإتحاد السوفياتي نظراً للتخلف ولصغر الحجم سواء بسواء. وقد أصبحت ممتنعة في البلدان الرأسمالية سابقاً لأنها لم تعد رأسمالية والرأسمالية هي الأم الوحيدة التي تحمل بالاشتراكية قبل الشيوعية، وقد تجسد الامتناع بالانكماش الكبير في مساحة الطبقة العاملة فيها. لكن هذا الامتناع يجب ألا يحدو بنا إلى التخلي عن ماركس ولينين مثلما يدعو العبيدي، بل العكس هو الصحيح. يجب أن نتمسك بقوة بأدوات البحث الماركسية لأنها وحدها التي تمكننا من محاكمة المشروع اللينيني ومصائره محاكمة علمية صحيحة وعادلة كيلا تروح كل التضحيات التي قدمتها الشعوب وخاصة الشعب الروسي سدىً. وليعلم العبيدي أن ملايين الضباط والجنود السوفيات، وجميعهم أفضل مني ومنه، قد ضحوا طوعاً بأرواحهم دفاعاً عن المشروع اللينيني. ليس من حقنا أن نصرف تضحيات هؤلاء الملايين بالعدم وبقبض الريح كما يطالب منير العبيدي.

من أولى الأسباب التي عملت على التطويح بالمشروع اللينيني هو تجاهل القوى المطلقة للماركسية وضرورة تظهير العبور الإشتراكي بهذه القوى دون غيرها. الماركسية هي المنارة الوحيدة التي على هدي شعاعها يتوجب قيادة سفينة الاشتراكية في ظلمات المحيطات الهادرة. كل الأحزاب الشيوعية والحزب الشيوعي السوفياتي أولها كانت قد أهملت دراسة الماركسية مقابل أنها ذهبت بعيداً في العمل السياسي ونسيت المبدأ اللينيني القائل quot; لا سياسة بلا نظرية quot; ـ في العام 1938 وبخ ستالين زملاءه في المكتب السياسي للحزب على فقرهم في النظرية الماركسية وقد تبدّى مثل هذا الفقر المدقع في المنحرف خروشتشوف وكا السبب الرئيسي في انهيار المعسكر الاشتراكي. لم تدرك الأحزاب الشيوعية حتى اليوم أنها بدون أدوات الماركسية فإنها ستبقى عاجزة عن إدراك كل الشروط المحيطة بحياتها والحياة الدولية الحالية. ليس إلا بسبب الفقر النظري الموروث ما زالت الأحزاب الشيوعية تتحدث عن quot; الرأسمالية المتوحشة quot; وعن quot; الإمبريالية quot; وعن علاقات جرى عليها التقادم قبل ثلاثين عاماً وأكثر. ما أحوج الشيوعيين اليوم لقراءة الجزء الأول من كتاب quot; رأس المال quot; لماركس. لا يمكن استيعاب العلاقات الدولية القائمة اليوم بدون تملك أدوات البحث الإقتصادي الماركسية. كيف لشيوعي لا يفهم في نقد الإقتصاد السياسي حرفاً واحداً أن يكون شيوعياً حقيقياً !!

إنني وكشيوعي بلشفي أهيب بكافة الأحزاب الشيوعية وخاصة تلك التي في العالم الثالث أن تتوقف عن العمل السياسي لتنصرف كليّاً للتثقيف النظري الذي بدونه لا يمكن التعرف على منطلقات أي مشروع إشتراكي جديد. الهذيان الذي يصم أسماعنا اليوم حول العدالة الاجتماعية والتحرر والاستقلال الوطني ومحاربة الإمبريالية إنما هو هذيان المفلسين الذيم لم يعد لهم أدنى علاقة بالفكر الماركسي. ربّ من يستغرب مثل هذه الدعوة متسائلاً كيف لشيوعي يطالب بالإقلاع عن العمل السياسي ! له أقول أن السياسة إنما هي أدب الصراع الطبقي فإذا كان الشيوعيون اليوم يجهلون تماماً عدوهم الطبقي فعلامَ يتسيّسون؟ أحد بلهاء البورجوازية الوضيعة في أحد الأحزاب الشيوعية العربية إدّعى بأن ثمة طبقة رأسمالية محلية وهو يناضل ضدها !! يا لعار الأحزاب الشيوعية العربية التي، وبسبب عدائها الموروث للماركسية ألقمت كوادرها مقولات مبتذلة يرددونها دون أن تدل على أية معاني محسوسة. مثل هذا الأبله لا يعرف حتى بعد قرن طويل لماذا قامت الأحزاب الشيوعية في بلدان العالم الثالث، وما هي شرعيتها!!

فـؤاد النمري
www.geocities.com/fuadnimri01